الصـماتـي
[c1](من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا اللَّه عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا) صدق اللَّه العظيم.[/c] لقاء/ إصلاح العبد:لقد بلي جنوب اليمن بالاحتلال والاضطهاد منذ عام 1839م وها هي اليمن اليوم حرة مستقلة وها هي الشوارع تبتسم وهي تتزين بأبهى الحلل ابتهاجاً بالذكرى 43 لقيام ثورة 14 أكتوبر ولما تحقق من إنجازات عظيمة ولليمن أن تفرح وتحلم ما وسعها وأن تعمل ما استطاعت من أجل النهوض والبناء، وهاهي عدن اليوم يؤطر عيشها ديمقراطية منفتحة.. نعم إنها اليمن التي بناها الأجداد وعزز مجدها الأحفاد وستبقى بإذن الله عزيزة حرة إلى الأبد.. وفي هذا اليوم علينا أن لا ننسى هؤلاء الذين ناضلوا وجاهدوا وضحوا بدمائهم وأرواحهم فداءً لهذا الوطن ولحريته وكرامته، نعم إنهم كوكبة من المناضلين من خيرة شباب الأمة.. كانوا العطاء الحقيقي، فكانت الثورة والانتصار والوحدة.الفقيد المناضل محمد علي الصماتي من مواليد 1938م في قرية الصميته في الصبيحة توفيت والدته وعمره أربع سنوات ونقله والده من القرية إلى مدينة لحج عند عمته (أخت أبيه) التي كانت متزوجة هناك وعند بلوغه سن الثامنة أصيب والده بشلل نصفي فجأة وتوفي على أثره وظل عند عمته التي اهتمت به ورعته رغم ظروفها المادية المتدنية والتي بسببها لم يلتحق بالمدرسة ولكنه دخل "المعلامة" لتعليم القرآن الكريم ومن ثم التحق بالمدرسة المحسنية سابقاً مدرسة الثورة حالياً.. وبسبب الظروف المعيشية الصعبة لم يتمكن من إكمال دراسته المتوسطة حيث التحق بالشرطة في لحج وعمره خمسة عشر عاماً وبعد مرور خمسة أعوام رقي إلى رتبة (نائب عريف) ثم إلى (عريف) وإلى (جاويش).ومن خلال اطلاعنا على التاريخ النضالي والبطولي لهؤلاء الأبطال نجد أمامنا وفر هائل من المواقف والتضحيات النضالية التي استأثروا بها في حياتهم ونجدهم اليوم مرجعاً تاريخياً نستلهم منهم دروس في النضال والوفاء للثورة والوطن.والفقيد المناضل محمد علي الصماتي يعد أحد فرسان الثورة اليمنية الواحدة الذين سجلوا اسماؤهم بأحرف من نور في تاريخ هذه الثورة، فقد كان من الرعيل الأول في النضال لتحرير الشعب اليمني من عهود الإمامة والاستعمار.. بدأ نضاله منذ مطلع الخمسينات من هذا القرن وظل نضاله موزعاً بين مقاومة الاستعمار في الجنوب وفضح الإمامة في الشمال حيث غادر في 1958م مع قوة مسلحة من سلطنة لحج مع السلطان المناضل علي عبدالكريم العبدلي الذي رفض الرضوخ للاستعمار البريطاني إلى شمال الوطن، حيث كان منذ اندلاع ثورة 26 سبتمبر الخالدة وانتصارها من أوائل جنودها الذين هبوا للدفاع عنها ومقارعة القوى الملكية الغاشمة وفي ذات الوقت كان من جنود البناء وإرساء النظام الجمهوري حيث تحمل عدة مسؤوليات كان آخرها مديراً لمرور تعز، وكان يجمع بين مهامه العملية في بناء وترسيخ النظام الجمهوري في الشمال والإعداد لتحرير الشطر الجنوبي من الاستعمار البريطاني الدخيل آنذاك، ومنذ اندلاع ثورة 14 أكتوبر المجيدة من على قمم ردفان الشماء والفقيد يمثل أحد قادة الكفاح المسلح البارزين حيث تولى عدة مسؤوليات كفاحية منها مسؤولية جبهة الصبيحة.كما كان له شرف المشاركة في حماية ثورة 26 سبتمبر حيث انه في شهر ديسمبر 1962م جاءته تعليمات من قيادة حركة القوميين العرب في الجنوب بواسطة الشهيد عبدالباري قاسم للتوجه إلى شمال الوطن، والتحق مع خمسين من ابناء الصبيحة ولحج والحواشب ودثينه وهو الفريق الذي كلف بالتوجه إلى جبهة خولان وعلى رأس هذا الفريق الأستاذ محمد عبده نعمان الحكيمي وعلي السلال وعند حصار صنعاء كان على رأس جيش التحرير الشعبي المرابط في الحوبان وأمر بالتوجه إلى صنعاء والمشاركة في فك الحصار، كما ان الفقيد المناضل محمد علي الصماتي كان واحداً ممن وقعوا على البيان المشترك الذي رفع إلى لجنة الأمم المتحدة لتصفية الاستعمار وطالبوا في هذا البيان ضرورة قيام جبهة ثورية من أبناء الجنوب تستهدف تحرير جنوب اليمن المحتل.ترك العمل في الأمن وتحرك إلى ردفان.. وكان ذلك في 1964م، وكان هناك حين وقع الهجوم الجوي الذي شنته الطائرات البريطانية بوحشية على القيادة في يرموس حيث كان الفقيد المناضل الصماتي مسؤولاً عنها وظن البريطانيون أن القيادة دمرت لكن في الحقيقة القيادة لم تصب بأي خسارة لا في الرجال ولا في العتاد حيث عمل الصماتي على تجهيز فرقتين لمهاجمة المركز البريطاني في "مثبر" والمركز البريطاني في "الشحة" وذلك كرد فعل للهجوم على القيادة، استدعي الصماتي ومعه ابن شهيد ثورة 14 أكتوبر بالليل لبوزة إلى تعز وكلف الصماتي بفتح جبهة لحج والصبيحة وكانت هناك فرقة من الفدائيين قد دربت فعلاً للبدء بها.ولما كانت منطقتي لحج والصبيحة لا توجد فيهما قواعد ومعسكرات بريطانية بل مراكز متناثرة كان العمل العسكري محدوداً في هذه المراكز وكان أي هجوم يتم على هذه المراكز.. كان يتم بقصد إرهاب السلطة وزعزعة أركانها وإشعارها بتعاظم ضربات الثورة ضدها، وكان الضرب في الغالب مركز على مقرات الحكام وبيوتهم ومنشآتهم وكانت دائماً موفقة لأنها تتم بالتنسيق مع الضباط والجنود اليمنيين المتمركزين هناك.كما أن الجنود العرب آزروا الثوار وكانوا يمدونهم بالأسلحة والذخائر، ذات مرة تسلم الفقيد المناضل الصماتي رسالة من سلطان الحواشب يقول فيها: نحن نكره المستعمر بقدر ما تكرهونه أنتم. فرد عليه كتابياً: إن كنتم صادقين فيما تدعون فما عليكم إلا أن تؤمنوا طريق الثوار خلال المرور في منطقتكم بالتغاضي عنهم وعدم مواجهتهم بالرصاص من قبل الحرس التابعين لكم.. أما الانجليز فنحن لهم.. وبالفعل أصبح جيش التحرير يتجول في منطقة الحواشب دون أن يعترض سبيله أحد من القوات الخاصة بالسلطنة.في شهر أغسطس 1965م حدث خلاف بين المقاتلين في جبهة ردفان الشرقية فاختير الصماتي وسالم ربيع علي للتوجه إلى هناك.. وحل هذا الخلاف وبقي الصماتي هناك حتى نهاية سبتمبر 1965م ثم عاد إلى تعز، وفي عام 1966م بعد الدمج القسري أرسل إلى ردفان كرئيس لجنة بعضوية سالم عبدالله يافعي للتوفيق بين المقاتلين وكان ذلك قبل ان تعلن لجنة الجبهة القومية انفصالها عن جبهة التحرير وكان الغرض هو الحيلولة دون استفحال الخلاف والدخول في حرب أهلية لا تخدم إلا المستعمر وحكومة الاتحاد المزيف.. وقد قضوا بأن يبقى السلاح مع المجاميع التي يقودها قاسم عبدالله الزومحي وتزود المجاميع الأخرى بأسلحة جديدة ويستمر الكفاح المسلح ضد التواجد الاستعماري من قبل المجموعتين في آن واحد، وقبل أكتوبر 1967م كان الصماتي من ضمن المجموعة التي ذهبت إلى القاهرة لمقابلة لجنة الأمم المتحدة في مقر الجامعة العربية، ولكن الجبهة القومية رفضت هذا اللقاء، حينها كان الجيش في عدن ومن ورائه السلطات الاستعمارية قد دبر للحرب الأهلية الأولى في سبتمبر 1967م.وفي شهر أكتوبر 1967م تم اختيار الصماتي مسؤولاً عسكرياً لجبهة التحرير خلفاً للشهيد المجعلي.. إلا أنه رفض المشاركة في الحرب الأهلية وشارك التنظيم الشعبي بمعزل عن قيادته، ولكنه نجح في السعي لإيقاف العمليات الحربية ضد الجبهة القومية، وذلك بمساعدة السيد محمد عبيد الذي كان مسؤولاً عن جبهتي ردفان الشرقية والغربية، وكانت هناك الكثير من المشاركات والتضحيات لهذا المناضل الفقيد فارس الثورتين محمد علي الصماتي.وتحقق النصر لثورة 14 أكتوبر وتوجت التضحيات بانتزاع الاستقلال في الثلاثين من نوفمبر 1967م لتعيش اليمن حرة مستقلة إلى الأبد..[c1]الهوامش والمراجع:[/c]1/ دراسة عن الحركة النقابية في جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية إعداد عبدالقادر أمين وفضل علي عبدالله قدمت للندوة الدولية المنعقدة في عدن 10 مارس 1970م ص10.2/ المصدر السابق نفسه ص11.3/ الرجوع للتقرير السياسي المقدم للمؤتمر الثاني لاتحاد الشعب الديمقراطي.4/ معارك ضد الاستعمار والرجعية نشرة المؤتمر العمالي عام 1961م ص 4.5/ صحيفة اليقظة تصريح عبدالله عبدالمجيد الاصنج في أواخر 1963م.6/ صحيفة الأمل الأسبوعية العدد (22) 21/10/1965م.