مقال حر
الدسلكسيا هي لفظة من أصل يوناني تعني عسر القراءة وهي كلمة مشتقة من مقطعين الأول (ديس :Dys) وتعني صعوبة والثاني (لسكسيا :Lexia) ويقصد بها مشكلة تعليمية أو لغوية أو ضعف في الكتابة أو اللغة المكتوبة أو اللغة اللفظية أو المقروءة أو العسر القرائي.وقديماً قيل أبحث أنت عن المعرفة فالمعرفة لا تبحث عن أحد، معبرين بذلك عن أزمة حقيقية للقراءة والبحث عن المعرفة في أمة اقرأ التي لا تقرأ أصلاً كما وصفها أحد المفكرين؛ لتبرز أزمة القراءة في الوعي الجمعي بكل مستوياته ودرجاته وتطفو على نفس المسار الإنساني أزمة أكثر عمقاً وأهمية لا تقل شأناً عن سابقتها تتمثل في مشكلة العسر القرائي فقد يعاني المعسر قرائياً من مشكلات جمة في القراءة واللغة اللفظية والتهجئة والكتابة واللغة المكتوبة رغم تمتعهم بالقدرة العقلية المتميزة والخلاقة فهم يمتازون بقدرات عقلية وإبداعية قلما توجد في الشخص العادي فغالباً ما يكون المعسر قرائياً موهوباً في مجالات تتطلب مهارات لغوية مثل الفن وعلوم الحاسوب والميكانيكا والفيزياء والرياضيات والتصميم والإلكترونيات والموسيقى والدراما.. وغيرها.يرى الخبراء أن الدسلكسيا ليست مرضاً يعالج بالأدوية والعقاقير الطبية إنما هي (إعاقة خفية) تكمن في التكوين الفسيولوجي للفرد وهو لا يعلم بذلك ولا تزال الأسباب الدقيقة لحدوثها غير واضحة وأكدت الأبحاث التشريحية وأشعة الدماغ وجود اختلافات في وظائف دماغ المعسر قرائياً وطريقة تطوره، وأظهرت الرابطة العالمية للدسلكسيا دراسات أشارت إلى : ( أن نسبة 15 - 20 % من تعداد السكان يعانون من صعوبة في القراءة وأن حوالي نسبة 85% من هؤلاء معسرون قرائياً من جميع الخلفيات الثقافية والبيئات الفكرية والمستويات الاجتماعية والاقتصادية..).ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن (الدسلكسيا) هي اضطراب لغوي ذو منشأ عصبي ناتج عن أسباب جينية ووراثية وبيئية وصحية تؤثر في مهارات تعليمية وأكاديمية مختصة في جانب القراءة والكتابة واللفظ فهي خلل في طريقة التفكير وفي تلقي العلم وتحصيل المعلومات والأفكار والمخرجات التعليمية والتربوية.. وتمثل على الصعيد ذاته عوائق ذهنية في اكتساب المعلومات والمعارف الإنسانية نتيجة لاختلاف خلقي في المخ تؤثر سلباً في السلوك العام للفرد ومستوى أدائه وتفوقه في المراحل التعليمية المختلفة الأساسية والثانوية والجامعية وكذا على مستوى أدائه في العمل المهني والتقني والإبداعي.ومن خلال تتبع الحالات المصابة بالدسلكسيا أوردت إحدى الدراسات العالمية : (إن طالباً واحداً من بين خمسة وعشرين طالباً في كل قاعة دراسية مصاباً بالدسلكسيا يحتاج إلى تدخل علاجي لحل مشكلته عبر برامج تربوية ووسائل تعليمية مناسبة) وإذا أسقطنا نتيجة تلك الدراسة على واقعنا المحلي نجد أن 80 حالة مصابة - في واقم مدرسة تعدادها 2000 طالب - تحتاج للاهتمام والرعاية وفق رؤية تربوية وعلاجية ملائمة.وكلما أمكن علاج عسر القراءة في سن مبكرة كلما سهل تخفيف نسبة كبيرة من آثارها حيث يعتمد علاج عسر القراءة - كما يراه الخبراء والاختصاصيون - على مدى نسبة الإصابة وما يقترن بها من أعراض ومشكلات مثل : عدم التركيز وضعف الذاكرة والتأخر الدراسي.. الخ.حيث يتم التعرف على نقاط القوة والضعف ويتم تعزيز نقاط القوة وتنميتها وترسيخها والاعتماد عليها في المعالجة لرفع مستوى نقاط الضعف واختيار الوسائل العلاجية التعليمية المناسبة والملائمة لعلاج الفرد المصاب من خلال برنامج تعليمي وتربوي وسيكولوجي بما يتناسب مع حالته ومخاطبة حواسه المختلفة لتوصيل المعارف والمعلومات والأفكار له وفقاً لرؤية تربوية وعلمية حديثة وأسس منهجية خاصة تتعامل مع إعاقته الخفية كمعسر قرائياً.فقد اقتضت متطلبات الحياة الجديدة في مجتمعنا أن يكون الفرد مشاركاً في الحياة العامة وهذه المشاركة تتطلب منه وعياً ودراية بتطورات الحياة والعوامل المؤثرة فيها، فالفرد العامل فيها مطالب اليوم بمعرفة كل ما يتعلق بعمله وجوانب مهنته للتمكين من تحقيق الدقة في العمل والإسراع في الإنتاج وهذا يتطلب بدون شك دراية واستيعاباً لكل جديد كون الفرد يعيش علاقات اجتماعية جديدة خاصة وأن الفرد الفاعل أصبح يعيش في مؤسسات اجتماعية ومدنية وأنظمة مختلفة تؤثر على سلوكه ونظرته إلى نفسه وإلى مشكلات عمله والعالم المحيط به.وعودة إلى بدء.. فقد أكد الخبراء في مجال الإعاقة الخفية أنه لا يوجد علاقة اقترانية بين الذكاء والدسلكسيا كأن يصنف المصابين بأنهم ليسوا أذكياء!! وأن قدراتهم العقلية ضعيفة وهذا ليس صحيحاً فالكثير ممن يعاني الإصابة بحالة الدسلكسيا أذكياء جداً بل أن بعضهم يصل إلى حد العبقرية في أعلى مستوياتها.. فهناك حالات على المستوى العالمي تؤكد ما نذهب إليه في هذا النسق أمثال : المخترع العالمي/ توماس أديسون، والفيزيائي الشهير صاحب النظرية النسبية/ ألبرت أينشتاين، والكاتبة الروائية الإنجليزية/ أجاثا كريستي، والملاكم العالمي الشهير/ محمد علي كلاي، والمبدع العالمي في الرسوم المتحركة الفنان/ والت ديزني وكذا السياسي العالمي/ وينستون تشرشل.. وغيرهم من العظماء والمبدعين من مشاهير الكون الذين كانت لهم بصمات واضحة في سجل البشرية والإنسانية.وبهذا يتضح وجود معسرين قرائياً ومصابين بالدسلكسيا في جميع المستويات العلمية والسياسية والإبداعية والفكرية والشرائح الاجتماعية والاقتصادية ومناحي الحياة المختلفة.يعتقد الكثير منا أن التربية بمفهومها الشامل لا تكون إلا بالمدرسة، والتعليم لا يتم إلا في ذلك المبنى المكون من فصول وإدارة وذلك فهماً قاصراً كون هناك صعوبات في التعلم كثيرة مادية ومعنوية وهناك أطر وقنوات متعددة تقوم بذلك الدور التعليمي والتربوي.. ولئن كانت المدرسة هي المصدر الأول لتلقي العلم واكتساب المعرفة وتعلم المهارات والخبرات غير أن تلك المعارف والمهارات تظل متداخلة ومضطربة وغير ذات نفع ما لم تدعم بالانفتاح على الآخر والثقافة المتجددة والإطلاع المستمر والتثقيف الذاتي الدائم والبحث عن المعرفة بمستوياتها وتجددها وتنوعها.فإنسان اليوم في عصر العولمة والسماء المفتوحة مطالب بفهم العالم المحيط به وموجهة المشكلات التي تؤثر على عمله وسلوكه وحياته وتحقيق التوافق الحياتي والمعيشي وتحسين قدراته المهنية والعلمية وتنمية إمكانياته العقلية من أجل رفع مستوى الأداء والارتقاء بالعلاقات بينه وبين المجتمع نحو الأفضل وذلك لن يتأتى إلا بالتعليم المستمر والتغلب على صعوبات التعلم والإعاقة الخفية (الدسلكسيا) ومعوقات الثقافة والمعرفة والإطلاع على حضارات الشعوب وتجاربها وثقافتها ومواكبة روح العصر.* المسئول الإعلامي للجمعية اليمنية للدسلكسيا - تعز - اليمن HYPERLINK “mailto:[email protected]” [email protected]