قصة قصيرة
في الليالي التي يحبنا الله فيها ، يهز سحاب السماء فتمطر وتنسحب الأرجل من الشوارع شيئاً فشيئاً مع ارتطام حبات المطر بزجاج النوافذ ، تركلنا طفولتنا المحبوسة ، وتحدث ضجيجاً وشغباً داخلياً جميلاً، ليستحيل كل شيء إلى جنون ، فنتبادل النظرات بسرعة، وبعد ثوان نستبق على السلم في الظلام. في الضوء الشارعي الأصفر تتبدى لنا أنفسنا فنضحك على (المعاويز) الممزقة والشباشب البلاستيكية القديمة ، نضحك ، نضحك حتى تطل الدموع من أعيننا وتؤلمنا بطوننا ، نتلوى مختلفة الصرخة بالضحكة، نقع على الأرض.. تبتل الملابس والأجساد، يزداد ضحكنا ، ونشد بعضنا البعض، تستقبلنا الشوارع المطيرة، نجري ونضرب الأرض بأرجلنا فتحدث مطراً آخر من أسفل لأعلى، ونصيح بأعلى صوت لنا ونقول كل الكلام الجميل الذي لم نستطع أن نقوله، لكل منا أحباء وأصدقاء أول وشارع أول حفظه عن ظهر قلب ، ومنزل أول يعرف كل حجراته ، ومدينة أولى تركض شوارعها داخله ، وخداع أن يظن نسيانها، لكل مناجرح أول تفتحه لحظات المطر وتزيده اتساعاً تسلمنا الشوارع للشوارع ، يقفز المجنون فينا، يقفز ليزيح الغمام عن القمر فيحتضنه بكلتا ذراعية ، ونسير بظهورنا وسط الطريق نتابع اسماء الحوانيت وتقريباً العمارات الشاهقة فنحصي الطوابق بها، حتى ينهر فينا الجسد، يصيبنا الدوار ، يصدمنا البيت الذي نسكنه ، نرتمي على الرصيف المقابل ونحن نرنو إلى النوافذ المغلقة ، ونتخيل ماهو كائن خلفها ، فنتذكر دفء الفراش في البيوت البعيدة المرصوصة في ذاكرة المدينة التي تنام مبكراً ، فيحكي كل منا عن لون نافذته وشكل منزله ، وكيف أنه يشبه إلى حد كبير هذا المنزل ، لكن الآخر أصغر وأكثر ألفة ولانغلق نوافذه ابداً ساعة المطر ، تتداعي علينا صور الأشياء الفاتنة فتبرز دمعتان تمتزجان بحبات المطر، فأحوط وجهي بكفي ، متحاشياً الوصول إلى النحيب، ومن خلف أصابع يدي ألمحهم يخبئون وجوههم بأكفهم ، حتى تنقطع حبات المطر تدريجياً وتدب في الشارع رجل فنسحب أنفسنا كأسرى حرب .. وبعد ثوان نكون نجرجر أرجلنا على السلم.