أقواس
معلوم أن للشعوب ثقافاتها المتعددة والمتنوعة ، وأنها تخضع للتنوع البيئي والمناخي ، وتبعاً لما درج عليه الأجيال ،جيلاً بعد جيل، ما يعني الانتقال السلوكي مع تأصيل بعض من هذه الثقافات التي تغدو جزءً من الشخصية ، أي شخصية كانت، وذلك ما يتجلى في حضارة بعض الشعوب والدول التي توارثت ذلك عبر قرون متعددة، ولعل ثقافة البصر أم الرؤية ، أو ما نسميها اليوم (الثقافة البصرية).. لعل تلك الثقافة التي تجد لها مجالاً خصباً لدى شعوب ودولٍ متعددة ،نجدها لدى البعض الآخر منعدمة ، بل ولا يعتد بها .. والواقع خير شاهد على ذلك !ولتبيان سريان الثقافة البصرية وتقبلها بالنسبة لنا هنا في اليمن، نظراً لتوفر شروط عديدة لتواجدها ، أهمها التنوع المناخي والبيئي والجانب الحضاري وغيرها .. نظراً لذلك ، كان يفترض أن نكون من أول الشعوب التي تهتم بهذه الثقافة ، لما منحنا الله سبحانه وتعالى من مقومات الطبيعة الخلابة الأسرة وأن يكون ذلك منعكساً في مناهجنا وسلوكاتنا التي تفضي إلى إظهار لذلك الجمال ومن ثم الحفاظ مقوماته وعدم خدش الصورة الجمالية التي تتمتع العين وتأسر اللب وتبعث على خيالات جد مفيدة في مجرى صنع قيم جمالية للجيل .. وهكذا..ولأن الحديث عن ثقافة بصرية- كمفهوم- فإنه حري بنا أن ننطلق إلى المسميات إقتراباً من ملامسة حقيقية لما نريد أن نطرقة في هذه العجالة ، بعد أن طفح الكيل وصار من العيب السكوت على ما يجري .. وقد قالوا في أزمان فائتة (للصبر حدود)، وهو ما صدصت به حنجرة كوكب الشرق السيدة أم كلثوم في إحدى أغانيها الخالدة !إن نماذج التشويه للثقافة البصرية المكتسبة والمترسخة في الاذهان هو ما يجري اليوم من طمس لمواقع آثارية وتاريخية من خلال هدمها أو ترميمها بطريقة تخالف الأصل وتجعل الإنسان ينفرد ويتقزز من جراء ما يشاهده .. ولنا أمثله على ذلك لعل من أهمها إعادة بناء مساجد في عدن وطمس تاريخها وهويتها ، ما يكسبها زمناً جديداً من عمرها .. وبذلك يضيع التليد والخالد ويصبح الجديد هو الطاغي ، وهو ما يتعارض مع ثقافة الأبصار والبصر معاً .. وانظروا إلى ترميمات سلالم قلعة صيرة ، أو قلعة القاهرة بتعز ، ستجدون ما يخالف المعهود والأًصل في ذلك ، انظروا إلى جبال كانت لأجيال سابقة موجودا .. لم يعد لها وجوداً اليوم تحت مبرر الإستثمار ، في حين هناك مساحات كبيرة لو أرادوا ذلك لبناء مدن وشوارع.. إلخ!وثقافة الإخضرار ، نراها اليوم تبدو وبصور وصيع مختلفة ، تبذل عليها الأموال لجعلها مناظر للبهجة والتمتع ، لكن مقابل ذلك يتم قطع الأشجار المعمرة واجتثاث الحدائق، الفناء القديمة والتي عمر بعضها نصف قرن.. مثل حديقة (مسجد النور) في الشيخ عثمان .. والتي تم دكها وتحويلها إلى صحراء قاحلة بحجة بناء مواقف للسيارات في حين كانت الحديقة بنمط بيئي عصري وحضاري ، وعاشت عليها الرؤية البصرية المسجلة في الأدمغة البشرية ، سواء لأبناء الشيخ عثمان أم لكل الوطن .. ونعلم أن الأشجار تنقي البيئة وأن السيارات تلوثها .. وقد أوجدنا موقعاً للتلويث في وسط المدينة وأعدمنا موقعاً كنا نراه ونرتاح إليه ، لكنه ضاع ، ولم يقل لنا أي عاقل لماذا حدث ما حدث حتى الهيئة العامة لحماية البيئة لم تحرك ساكناً ، وأرجو أن لا يكون جوابها- أن المصلحة قد اقتضت ذلك!إننا لسنا بحاجة إلى حدائق جديدة تصرف عليها ملايين الريالات ، بل نحن بحاجة إلى الحفاظ على ما هو موجود وإظهاره بشكل لائق .. لا أن تبالغ .. بمثلما حدث لحدائق ساحل جزيرة العمال إلى مقابل مطاعم الحمراء ، فقد تم تركيب إضاءات سرعان ما تلفت أو أتلفت ، وكان الأحرى بهؤلاء أن يدرسوا طبيعة المدينة ومناخها وهواءها حتى لا يضيعوا المال ويبنو الحدائق ثم يهدوها ليبنوها من جديد.. وكله على حساب خدش الجمال وتشويه الثقافة البصرية .. ولو تطرقنا إلى المباني أو الشوارع ..سوف نرى ما يذهل ويبعث على الجنون .. وهو ما سوف نتناوله في مواضيع أخرى .. إن شاء الله .. بغرض التنبيه والإصلاح ليس إلا..