القاهرة / 14 أكتوبر / وكالة الصحافة العربية فرضت شركات الإنتاج ودور العرض مواسم محددة للأفلام المصرية.. أثرت بشكل كبير بورصة النجوم صعودا وهبوطا.. كما أثرت على خريطة الإنتاج السينمائي بشكل عام وأصبح موسم الصيف هو أهم المواسم السينمائية على الإطلاق تترقبه الشركات الإنتاجية وتتنازل عليه خاصة أنه موسم الإجازات الشتوية وفراغ الطلاب وهذا يعد أكبر مؤشرعلى نجاح أو عدم نجاح الفيلم كما أنه موسم للتدفق السياحي العربي حيث لا يرون في الشاشة الكبيرة إلا مجرد تسلية وقطع الوقت ورؤية النجوم. ويرى عدد من النقاد أن موسم الصيف المنقضي جاء مبتورا إلي حد ما لأن رمضان حل في نهاية أغسطس.. والمفروض أن يستمر الموسم الصيفي إلي أكتوبر ولكن رغم هذا الجزء المبتور من الموسم الصيفي.. تزاحمت الشركات ) في عرض أفلامها الكبري مؤمنة أن فرصة الصيف لا تعوض.. وهكذا رأينا هذا العائق الصيفي أربعة عشر فيلما روائيا طويلا، خرج بعضها على ضحالة أفلام الصيف المعتادة، وقدم لنا طبقا سينمائيا شهيا بكل ما تحتويه هذه الكلمة من معني.بالطبع هذا الوصف ينطبق تماما على فيلمين فقط من الأفلام التي عرضت ودخلت موسم عيد الفطر بنجاح وهما (أسف على الإزعاج) لأحمد حلمي وخالد مرعي، و(حسن ومرقص ) لعمر الشريف وعادل إمام وأولاده.
الفيلم الأول يقدم اتجاها جديدا شديد الذكاء في الفيلم الكوميدي يجمع مرة واحدة بين حس تراجيدي مليء بالشجن، من خلال تصوير حالة مرضية خاصة تصيب مهندسا للطيران يصاب بالإحباط ويلجأ إلي خلق عالم وهمي يعود إليه فارسا مطلقا ليعيش فيه كما يشاء، ويحرك شخصياته كما يهوي إلي أن تأتي اللحظة الحاسمة وما أروعها بالفيلم حين تصطدم أوهامه بواقعه المعاش.فيلم تجمعت فيه عناصر النجاح السينمائي منها أن السيناريو يحرك بذكاء ورقة وشاعرية ملحوظة وأداء عبقري من مجموعة الممثلين، وبالطبع على رأسهم أحمد حلمي الذي شدنا بأدائه في أفلام سابقة، ولكن هذه المرة يقدم لنا وجها جديدا وموهبة كامنة لم نكتشفها فيه قبلا.كأس مترعة من الحنان والغضب من الحب والألم المكبوت من نظرة تشتعل نارا وأخرى تذوب في بحر من الدموع ، إلي جانبه تألقت مجموعة من الممثلين الكبار قدموا خير ما لديهم وأتاح لهم المخرج والممثل الأول المجال واسعا ليؤكدوا حضورهم القوي وموهبتهم التي خرجت أخيرا من قضبان الحصاد الرهيب الذي وضعه القانون الشبابي أمام الأجيال التي سبقتهم ، فالفنان محمود حميدة يعطي درسا في كيف يمكن أن يشد قامته إلي قامة الممثل الأول العالية رغم قصر مشاهده التي أعطاها درجة من العنف الدرامي المختلط بدفقات حنان لا يمكن إلا لممثل كبير مثله أن يقدمها.
والفنانة دلال عبد العزيز التي تعود إلينا ممثلة سينمائية شامخة تقطر عطرا وحنانا وقوة، ومحمد شرف الذي أثبت وجودا دراميا شديد الإقناع خرج به عن الإطار الذي اعتدنا أن نراه عليه ليقدم وجها دراميا (مساعدا) كم نحن بحاجة إليه.. بعد أن حولت السينما الجديدة في كل الأدوار المساعدة الجيدة إلي (أبطال) في أفلام قضت) موهبتهم عوضا عن أن تزيدها ألقاب.(أسف للإزعاج) درس في كيف يمكن لفيلم فني شديد الطموح أن يقف في حلبة أفلام الصيف المعتادة وأن يفوز عليها جميعا (كما أثبتت الإيرادات الأولية).[c1]توازن ودقة[/c]الفيلم الثاني الذي كان النجاح مهيئا له منذ أن كان فكرة غامضة هو (حسن ومرقص) الذي كتبه يوسف معاطي بدقة وتوازن جدير بالإعجاب.. عالج فيه القضية الساخنة التي أرقت ومازالت تؤرق ضمير الصانعين بالسينما المصرية وهي قضية القبطي والمسلم، التي اتخذت في الأيام الأخيرة اتجاها تراجيديا أصابنا جميعا بالقلق الشديد.الفيلم يطرح ويقول ويضع اليد على الجرح ويكشف ما لم تكشفه السينما المصرية منذ أعوام طويلة، ويحدد بوضوح عمق الهوة التي أصبحت تفصل بين المسلم والقبطي في مجتمع كان يعيش قبل نصف قرن في سلام حقيقي بين الأديان وفي وحدة عاطفية واجتماعية يحسد عليها. ولاشك أن وجود عادل إمام وشخصيته الجارفة وقوة نفوذه الشعبية والجماهيرية قد سمحت له باختراق الخطوط الحمراء وملامسة هذا الموضوع بجرأة ووضوح لم تعرفها السينما المصرية قبلا بالإضافة إلي الوجود الشامخ لعمر الشريف الذي يقدم عمق تجرته السينمائية ببساطة مذهلة تثير الإعجاب.[c1]مفاجأة غير متوقعة[/c]
ويرى النقاد أنه إذا كانت شهرة النجمين قد سمحت لصانعي الفيلم بتجاوز الحدود كلها وقول ما لم نعتد سماعه أو رؤيته على شاشاتنا فإن مفاجأة الفيلم الحقيقية جاءت في تقديم وجه جديد لامع ومضيء وهو محمد إمام إنه كشف تمثيلي شعرنا بإمكانياته منذ ظهوره الأول في (عمارة يعقوبيان) ولكنه هذه المرة يسيل هادرا كالشلال معلنا موهبته الخاصة وحضوره الساحر ويؤكد نوعية خاصة للنجوم الشبان تختلف تماما عن نوعية السقا وعز وعبد العزيز التي شاعت وأصبحت موضة يقلدها أكثر الشباب الصاعدين إلي جانب النضج الحقيقي للمخرج رامي إمام الذي أثبته في خلق إيقاع ذكي للفيلم والسير على خط رفيع متوازن لم تزل قدمه فيه زلة واحدة.إذن موسم الصيف هذا العام جاءنا بمفاجأتين كبيرتين قلبت لدينا المقاييس كلها، بينما تخبطت الأفلام الأخري كلها بين الجودة والهيافة بين المحاولة والسقوط.