حضرميات الشاعر عبدالله باكدادة
سعيد صالح بامكريدأهداني الصديق العزيز الشاعر المبدع الفنان/ عبدالله باكدادة عمله الشعري الرائع الذي صدر مؤخراً الموسوم " حضرميات " وهو بالعامية الحضرمية المنحدرة من وادي دوعن، أو يمكن القول إنه باللهجة الدوعنية والتي هي في حقيقتها الأقرب إلى الفصحى، إن لم تكن فصحى بالفعل، لذا من يقرأ هذا العمل الجميل من غير أبناء دوعن وحضرموت عامة سيتفاعل أيما تفاعل مع مكنوناته ومعانيه وألفاظه دون الحاجة للسؤال عن معنى هذه اللفظة أو تلك، وهذا تقريباً ما كتبه الدكتور صالح باصرة الأكاديمي المعروف عند تقديمه لهذا الديوان قائلاً :" بالرغم من أن جميع قصائد الديوان كتبت باللهجة الحضرمية الدارجة إلا أنه ليس من الصعب على القارئ العربي من أي مكان من الوطن العربي أن يفهم كل أبيات قصائد الديوان ".وكنت قبل ثماني سنوات أو يزيد قد كتبت بصحيفة " المسيلة " التي تصدر بحضرموت مقالاً مطولاً، أو بالأصح قراءة للعمل الشعري السابق للشاعر باكدادة الذي حمل عنواناً ملفتاً هو " وبالصهاريج تقف الأطلال " وهو بالفصحى وأكثر ما شدني حينها في ذلك العمل واستوقفني ملياً هو الغنائية الطافحة، نعم سحر الغناء لفظاً وموسيقى، عبارة وبنياناً، بياناً ولغة، فكيف الآن ونحن أمام " حضرميات " والتي يمكنني القول إنها غناء خالص، صاف مثل البلور.. أو كما كتب الدكتور صالح باصرة في المقدمة :" إن قصائد ديوان " حضرميات " للأستاذ الشاعر عبدالله باكدادة جديرة بأن تتحول إلى أغانٍ ذات لحن حضرمي جميل، وأتمنى أن تستمتع أذني وفي القريب العاجل بقصائد ديوان باكدادة كأغانٍ مثل استمتاعي بها كأشعار مقروءة".إذاً دعونا ندلف إلى سحر وجمال وبهاء حضرميات :فاتحة الديوان " حضرميات " قصيدة غنائية لا أجمل ولا أروع ولا أرق، هي النسيم بعينه والرقة الدافئة، والسحر الفتان، إنها غنائية " يا حب غالي " يقول البهي باكدادة:[c1]يا حب غالي.. يا قمر ضاوي على روض الوداديا وجه سالي.. رغم كل الحزن في ليل السهاديا حلوة الحلوات.. يا تاج المحبة في الفؤادكلما بعدتي زاد همي.. وإن قربتي الفرح زاد[/c][c1]شفت الوجوه السمر تتحدى الأغاني والسمروأنتِ فوق الحسن شفتك نور يتحدى القمريا كل عمري.. يا حبيبة.. يا ملاك فوق البشرما حد ملك أمري ولا غيرك على قلبي قدر[/c]هل يحتاج لهذا النص لحن؟ أظن أنها ملحنة، لا تحتاج سوى لمسات موسيقية لتصبح أغنية ساحرة يرسلها صوت أخاذ لتسكن قلوبنا ومشاعرنا وأحاسيسنا يا له من شعر.. يا له من غناء.ديوان شاعرنا با كدادة " حضرميات " يحتوي "35" قصيدة أغلبها إن لم يكن جلها تحمل عبق دوعن ورائحة النخيل والعسل الذي لا يشبه عسل آخر في أي مكان في العالم..عن هذا العسل يقول با كدادة في قصيدته الساحرة طعم العسل :[c1]يا ضيائي في اللياليبعد ما غاب القمرفي فؤادي لك مكانةدوب تحيا في سهرقد هويت فيك الحياة جمكم لدنياك أنتظرأنت في الشعر المعانيأنت نغمات الوترمن بغى طعم العسليصبر على قرصة النوب[/c]في تقديري الشخصي على الأقل يحاول شاعرنا باكدادة أن يقدم نفسه في هذا الديوان شاعراً غنائياً من وزن ثقيل يقترب كثيراً من الكبار في هذا المجال أمثال عبد الله هادي سبيت وحسين أبوبكر المحضار ولطفي جعفر أمان ... الكبار الذين استطاعوا استنطاق الطبيعة والمحيط والأمكنة وجعلوا الصور الشعرية تحمل روح البداهة ومخزون الأمثال والحكم الشعبية ممزوجة بحرارة نبض القول وفطريته وابتعدوا بالنص الشعري عن الآه وصيغها الإنشائية الباهتة .. نعم إن باكدادة يحاول تجديد النص الغنائي الأًصيل وعياً ولفظاً وعبارة فيجعل منه أغاني صادقة في لغتها وأحاسيس أصحابها فتلامس وجدان الناس متعة ً وعاطفة ..توقفت ملياً أمام واحدة من أروع قصائد هذا العمل الشعري ؛ وهي قصيدة "طبع المحبة " ، توقفت لأسباب عديدة متنوعة أهمها القدرة على وصف الأحاسيس بدقة متناهية وتصوير يقترب كثيراً من إبداع المصور الماهر الذي يحمل كاميراه ويطوف شغاف القلب ويلتقط تعابير الداخل الإنساني .. تأملوا ماذا يقول :[c1]اللي يحب تصدق تعابيره يذكي بأنفاسه النسيم تطرب مزاميره من فرحته .. يروي الحبيب لما يشوفه يبتسمتظهر أساريره[/c]نعم الذي يحب يكون صادقاً فيما يقول أو يفعل وإلا فإن مشاعره تفضحه..انظروا معي إلى المقطع الآخر من هذه القصيدة "طبع المحبة " حين يقول:[c1]شوف المحبة مثل أرض الخير فيها الوسع .. يهوى الشجر والطير فيها الخيال يحكي سحر الجمال .. بالورد والأزهار [/c]يبدو جلياً أن الشاعر يدرك بوعي تام قيمة وأهمية "المحبة" في حياة الناس .. إنها نبض وجودهم وجسر تواصلهم ، واصفاً إياها بأرض الخير التي تعطي من وسع وتمنح من كرم .. تدفع الناس للتفكير الخلاق النافع .. التفكير في الجمال وسحر الكون ، في الشجر والطير والورد والأزهار وكل ما هو جميل في الحياة والكون .ويختتم شاعرنا باكدادة رائعته الغنائية "طبع المحبة" بكلمات هي في مستوى الحكمة والبلاغة والمعنى الخالد حين يقول :واللي يحب يصدق تعابيره [c1]تسمع كلامه يأسرك في القلب تأثيره .[/c]كم أسرني هذا الديوان عند قراءته ..وأعتذر كثيراً أنني لم أستطع إعطاء هذا العمل حقه من الغوص والسباحة بداخله ويكفي أنني حاولت ولم استطع ..