صنعاء / سبأ- تقرير / سمية غازي :ينفرد الغناء اليمني بأبجديات خصته بتميز جمالي تبدأ من الكلمات ولا تنتهي بالألحان والآلات.من بين الآلات التي صنعت خصوصية الموسيقى اليمنية تبرز آلة العود اليمني ذو الأوتار الأربعة أو ما عُرف بـ ( الطربي) أو ( القنبوس) و الذي عاصر فترة ازدهار الغناء اليمني وبخاصة الموشح الغنائي اليمني ( الأغنية الصنعانية) وكان ملازما لها ورفيقاً لمشايخها الأُول بالدرجة الأساس.يعاني العود اليمني اليوم إهمالا غير متعمد بعد أن حل العود الشرقي مكانه ، و اكتفى البعض بوضعه في "فترينة "عرض، كتحفة فنية، غير متناسين بذلك انه كان سببا رئيسيا للإبقاء على حياة الأغنية الصنعانية نظرا لصغر حجمه و سهولة إخفائه في الفترة التي كان يعتبر العزف و الغناء من التجاوزات الخطيرة التي لا يمكن التغاضي عنها و تجاوزها في عهد حكم الأئمة..(الطربي) : آلة وترية نادرة ذات طابع فريد ومن الآلات الوترية المستخدمة في اليمن و الوطن العربي .. ظل بأوتاره الأربعة الآلة الرئيسية المصاحبة للغناء في اليمن حتى خمسينيات القرن الماضي. [c1]ايقاع متكامل [/c]عُرفت الأغنية الصنعانية بإمكانية عزف ألحانها على الأوتار الثلاثة الأولى للعود في مدى إحدى عشر نغمة من الأنغام الخمس عشرة التي يمكن الحصول عليها من العود ذي الأوتار الخمسة لذا فان العود اليمني كان كافيا الأداء الأغنية الصنعانية بشكل متكامل.ووفقا للمدرس الموسيقي في المعهد الصحي الثقافي و الباحث في مجال التراث علي غازي - يتميز الطُربي بإمكانات تتيح للعازف عزف أي لحن شرقي مكتمل، حيث أن بين كل وتر وآخر نغمة رابعة، ومن أهم خصائصه أن له أبعاد العود العادي ومكونات الأوتار التي تمكن من أداء أي لون و أي لحن بمنظومتها النغمية كاملة بأي مقام و أي طبقة صوتية .وأضاف: " أسهم وجود (الطربي) في إنشاء مدرسة غنائية كما أسهم في ابتكار الحان وألوان موسيقية متعددة في موروثنا الغنائي؛ فشكل أرضية محفزة للإبداع والابتكار، ومكن العازف من عزف المقام والإيقاع والرتوش المناسبة و المتداخلة مع نغمة اللحن الأساسي بحيث تعطي تكامل إيقاعي منسجم، ساهمت في خلق خصوصية هذا الموروث الغنائي الضخم .. ودلل على ذلك تعلق الفنانين وحتى العامة بهذه الآلة للدرجة التي كان يمر بها (الطربي) على مجالس العامة في كوكبان واحداً واحداً فلا يتردد الجالسون بالعزف عليه وإظهار كل منهم براعته و تعلقه بها..مستعرضين إتقانهم العزف و إجادته، الأمر الذي يوضح مدى تمازجهم بتلك الآلة وعشقهم لها و للغناء عموما و تأصلها في عاداتهم الغنائية و التي مكنتها من امتلاك قاعدة شعبية واسعة.عُرف جان لامبير - مدير المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية وباحث موسيقي – بتعلقه بالتراث الغنائي الصنعاني لاسيما بآلة (الطُربي) الذي بدا مولعا بها ولا يخفى غروره بإتقان العزف عليها و يبدو ذلك جليا بمصاحبته لها.وقال لامبير " انتشر (الطُربي) في القرن العشرين حتى الخمسينات في صنعاء خصوصا، وتقلص حضوره في عدن وحضرموت منذ الثلاثينات.فيما أوضحت الباحثة في التراث الشعبي و رئيسة المركز الفني للحرف امة الرزاق جحاف : أن اليمنيين اتخذوا هذه الآلة كما تدل النقوش واللوحات الرخامية و المرمرية منذ حوالي الألف الأول قبل الميلاد ونلاحظ أن شكله في النقوش السبئية لا يختلف كثيرا عن الطُربي بشكله الحالي المعروف.. بتسمياته المختلفة ..حيث سمي بـ (الطربي) لوظيفته الاطرابية كما أطلق عليه (القنبوس) أيضاً لملامح التشابه مع العود التركي الذي سمي "قنبس".وتضيف جحاف : كان يُصنع (الطربي) في الأساس من شجرة الدباء و من ثم صنع من الجوز في قطعة واحدة و هذا الفارق الأساس بينه و بين العود الشرقي .. واستدركت حجاف" لكن الآلات الوترية في كل مكان أثرت وتأثرت ولا يمكن الجزم حول البدايات فالموضوع يحتاج للكثير من البحث والتقصي ".. لكن تبقى آلة (الطربي) كما يقول جان لامبير : " كنز وطني تقع على اليمن مسؤولية الحفاظ عليه والاستفادة من مخزونها وموروثها الثقافي والغنائي الضخم ". وهذا الأمر لم تجهله أو تتجاهله الجهات المعنية بالحفاظ عليه.تقول جحاف : " في المسح الميداني للحرف في صنعاء القديمة و التي نفذها الصندوق الاجتماعي للتنمية و الهيئة العامة للآثار كان ( الطربي) من بين ما تم مسحه .. بما يمكن إلى حد ما من توثيقه و جمع المعلومات الخاصة به حفاظا على هويته من الاندثار ".[c1]استحضار للماضي[/c] ولع احمد الشهاري - مهتم بجمع الاسطوانات القديمة - تجاوز جمع الاسطوانات الغنائية القديمة إلى معرفته بتفصيلات كثيرة عن الفنانين والأغاني والوسط الفني اليمني عموماً .. يقول الشهاري كان الفنان سعد عبدالله الكوكباني من أشهر من عزف على آلة (الطربي) و تأثر العديد بعزفه فيما تتلمذ الكثير من مشاهير العزف على يديه. ومن أهم الأغاني التي أوديت على ( الطربي) التي لاقت ذيوعا وقتها و لازال - حسب الشهاري - (احبك ربا صنعاء)، (وامغرد بوادي الدور)، (قف بالخضوع) و(نادي ربك)، (لي في ربا حاجر)، (يامن عليك التوكل والخلف )، (لله ما يحويه هذا المقام)، (يامغير القمر )، (يقرب الله لي بالعافية والسلامة).[c1]أجيال الطربي [/c]محمد أحسن الجماعي - 59 سنة تعلم العزف والغناء على يد والده وجده، ويمتلك عوداً صنعانياً عمره يربو عن 160 عاما .. ويبدي احتجاجاً لإطلاق اسم(الطربي) على العود اليمني ..لأنه كما يقول "تقليلاً من شأنه وتصغيرا لقيمته بينما العود اليمني له من المكانة والقيمة ما يجعله أهلاً لاسم كبير يليق بخصوصيته ".قال الجماعي : " استخدم (الطربي) و ازدهر قبل مجيئ زرياب الذي أضاف الوتر الرابع . و كان من أشهر صانعي العود اليمني محمد الوديدي الذي اشتهر فيما قبل العام 1318هـ .و(الطربي) بحسب الجماعي يأخذ شكل القَدَم و الفخذ و مكون من قطعة خشبية واحدة ، و تنقسم إلى نوعين : الأول مستقيم مكون من قطعة واحدة ، والثاني له مفصلات تمكن من عطفه ويسهل إخفاءه مع المتعلقات الشخصية.ووافق رأيه رأي الشهاري في أن أشهر الفنانين الذين استخدموا (الطربي) هو الفنان سعد عبدالله الصنعاني الكوكباني ،إلى جانب محمد العطاب (الأعور) والزارقة, التعطف حميد عبيد.أما الرعيل الثاني الذين عزفوا على ذات الآلة و كانوا من تلاميذ سعد عبدالله فهم : حسن الرخمي ،حسن العجمي،حسن الجماعي ،احمد طاهر الكوكباني ،حسين بهلول،عتيق محمد وزير، محمد الرحومي ، علي الردمي.وجاء في الرعيل الثالث : احمد فايع ، احمد هبه،محمد الياور ،محمد قحطه، أحمد الجماعي، إبراهيم خليل، حمدي خليل، حسن الجماعي، عوني العجمي، أحمد الماوري، محمد الرحومي .. ومن أبرزهم أيضاً : الشيخ محمد الماس، إبراهيم الماس، الشيخ علي ابوبكر باشراحيل ،عوض الجراش، عوض المسلمي، فضل محمد اللحجي، صالح العنتري، عبدالرحمن الماس ..الخ.[c1]ولاء فني [/c]لا يذكر (الطربي) الا و ذكر معه الفنان قاسم الاخفش الذي عُرف بحبه لتلك الآلة حيث قيل انه لم يتخل عنها حتى بعد مجيئ العود الشرقي .. وأوضح الفنان /احمد قاسم الاخفش أن والده تعلم العزف على (الطربي) في البدء من فنان اسمه محمد قحطه من ثم طور نفسه وأصبح بتلك الشهرة في العزف.وتعلم الفنان احمد قاسم الاخفش العزف من والده، و مازال يحتفظ باله والده ويجيد العزف عليها بتمكن.مكونات الطربي عن مكونات وأجزاء آلة (الطربي) يتفق احمد حمزة مدير إدارة الترميمات بالمتحف الحربي مع الفنان محمد الجماعي حول تلك المكونات ويختلف معه حول بعض المسميات ، رأس العود (الرقبة) ، المفاتيح وهي سبعة مفاتيح ثلاثة مزدوجة وواحد فقط منفرد تربط بأربعة أوتار طبيعية كانت تصنع من بطون الماعز يليه رقبة العود، محل الأصابع تدعى (التصبيعة أو مكان التنغيم) يليه الصدر من خشب الجوز الرفيع جدا و الذي كلما كان ارفع كلما كان صوته أجمل وأرق، نصف الصدر من نفس شكل الصدر الخشبي يليه رق مصنوع من جلد الماعز في نصفه الآخر، بالإضافة إلى تحميله الزند التي توضع على زند العازف و هو من جملة العود أساساً.ويواصل حمزه .." العود اليمني قطعة واحدة منحوتة الجسم و الرقبة باستثناء الرأس الذي يُنحت من خشبة منفصلة ويضم المفاتيح و تلصق فيه بلحام خاص يدعى العقب (مصنوع من أقدام الأبقار) يليه حامل الأوتار في أسفل العود يسمى (غزالة) وهي حاملة الأوتار، و كذا المشط الذي يحمل الأوتار .. وبالرغم مما سبق تبقى الكتابة عن (الطربي) مفتوحة على آفاق و مجالات تجعل تناول هذه الآلة غير منتهٍ.
|
ثقافة
آلة الطربي .. رائعة الموسيقى اليمنية
أخبار متعلقة