كمال محمود علي اليمانيمن النادر أن تلقى كاتبا حداثيا يخوض من خلال قصائده في المناسبات الدينية، كمولد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ، أو الأعياد والمواسم بمافيها شهر رمضان المبارك ، فعلى الرغم من أن هذا الشهر الكريم قد نال حظه من شعر الترحيب والتوديع في شعرنا العربي البيتي ، كما جاء في ديوان شعر العرب، حيث رحب به شاعر كابن الصباغ بقوله :هذا هلال الصوم من رمضان [c1] *** [/c] بالأفـق بان فلا تكـن بالوانـيوافاك ضيفا فالتـزم تعظيمـه [c1] *** [/c] واجعـل قــراه قــراءة القــرآنوودعه أخر كالشاعر الأندلسي إبن الجنان ، فقال :مضى رمضان أو كأني به مضى[c1] *** [/c] وغـاب سناه بعدمــا كان أومضــافيـا عهــده ماكــان أكـرم معهـداً[c1] *** [/c] وياعصـره أعزز عليّ أن إنقضـىًعلى الرغم مما حوته الحافظة الشعرية من مثل هذا الترحيب والتوديع ، إلا أن الشعر الحداثي قد خلا من غرض كهذا ، لطبيعة الشعر الحداثي المبتعد عن المطروق من المواضيع ، والأغراض الشعرية المعروفة ، كالمديح والهجاء وغيرها من أغراض الشعر البيتي ، وانغماسه في أغلب القصائد في التأملات الذاتية والفلسفية .ولهذا فقد أثار إنتباهي وجود قصيدة توديع لشهر رمضان الكريم في ديوان الشاعرة الحداثية سوسن العريقي ، فلقد قرأت لها في النسخةالتي تفضلت مشكورة بإهدائي إياها ، قصيدة توديع بديعة لشهر الصوم رمضان ، والقصيدة ظهرت تحت عنوان ((رمضان أرض محايدة )) في ديوانها الموسوم ب (( أكثر من اللأزم)) وهو الديوان الفائز بجائزة الإستحقاق الأدبية ، عن دار نعمان للثقافة في لبنان. ولماذا رمضان بالذات.. لماذا أطلقت عليه الشاعرة هذا الوصف ،و لماذا خصته وحده من بين أشهر السنة ، بصفة الحيادية .. الحق أن الشاعرة لاتتركنا طويلا في إنتظار الإجابة ، إذ سريعا مايأتيك الجواب مع أول إطلالة لك على القصيدة ، حيث تقول :[c1]ها أنت ترحلُ ..وتتركنا نعودُ لمصافحة الوحشة ِالتي تنتظر أيامنا على قارعة الفراغ [/c]فالوحشة كانت قبل رمضان ، وهاهي الوحشة تطل برأسها ، وتنتظر أيامنا على قارعة الفراغ ، حالما يجر رمضان أذياله ، فرمضان إذن هو الشهر الواقع بين وحشتين ، وحشة قبله ووحشة بعده ، ولذا فهو عن جدارة أرض محايدة .ورمضان هو شهر المكرمات ، وشهر تسمو فيه النفوس ، وتتعالى عن نقائصها وعيوبها ، وهو شهر يجتهد فيه الواحد منا للإرتقاء إلى مصاف العليين قدر إستطاعته ، والشاعرة تبدع في تصوير هذا كله بقولها :[c1]نحتمي بك من شرور أنفسناوندنو من الصحوالذي يرتق مسافات الروحفيكبر الإنسان في لحظات التجليولوعلى هامش ضيق .[/c]وهاهي ذي تفصح عن حيادية أخرى لرمضان ، حيث تتمثل قوله تعالى في حديثه القدسي :كل عمل إبن آدم له ، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به .فهو شهر محايد لا رياء فيه ولا نفاق والعمل فيه لله وحده ، فحيادية الأعمال وسمته بهذه الصفة .وهاهي ذي تناجي رمضان فتقول :[c1]ياااا..........ياركنا ً تضع فيه الدنياأوزارهاوتخلع بساط النفاقعلى أرضٍ محايدة .[/c]وما اجمل هذا الوصف الذي أطلقته عى شهر النجاة فغدا كسفينة سيدنا نوح عليه السلام التي حملته ومن آمن معه إلى بر الأمان .. إقرأ معي هذا القول البديع :[c1]ياالله ...في فضاءات الروح المتعطشة للإياب نستجدي أياماً تحملنا على سفينة نوححتى لاتأتينا ساعةٌٌ ٌلاعاصم لنا فيها من غضبك[/c]ولأنه شهر الله ، وهو يجزي به ، فهو شهر التوبة والإنابة إليه ، وشهر تصحو فيه النفس من غفلتها وتشخص ببصرها إليه ، جل في علاه ، ترجو رحمته وغفرانه [c1]ياالله ...كل الدروب تفضي إليكفخذ بقلوبنا إلى أزمنة الصحوعلَّ الصرخة التي في الأعماقتجد لها طريقاإلى ساحات المغفرة [/c]قصيدة توديعية بارعة وبديعة ، وهي كما ذكرت سلفاً، نادرة في موضوعها بين قصائد الشعراء الحداثيين .
أخبار متعلقة