الاعلامية الراذدة ماهية نجيب بجانب الاعلاميين حسين الصافي مدير اذاعة عدن
وطه امان مدير تحرير ( فتاة شمسان )
نادرة عبد القدوس تلعب أجهزة الإعلام ، وخصوصاً الإذاعة والتلفزيون ، دوراً شمولياً يتعدى مداه ، ذلك أنهما يتوفران في كل بيت ويبثان على مدار الساعة . أما الإعلام المقروء أو المطبوع فهو ، للأسف ، لا يحقق تلك النسبة التي يحققها الإعلام المسموع والمرئي ( الحديث هنا عن الإعلام اليمني ) بسبب الانتشار الواسع للأمية الأبجدية بين شرائح المجتمع اليمني المختلفة والتي هي في تزايد مستمر وبوتيرة عالية تضاهي المجتمعات المتخلفة الأخرى البعيدة عن ركب المدنية المتطورة جراء فتن الحروب المتواصلة بين أبنائها ، واستشراء الفساد في مفاصل جسدها مما يضعف قواها ويمنعها عن الحراك والنهوض ، كما هو حاصل اليوم في الصومال ( على سبيل المثال وليس الحصر ) . ونأمل ألا نلي الصومال في ما هي عليه اليوم .. الحديث عن الإعلام وخصائصه وخصوصيته ذو شجون ، إلا أننا لا نرغب في الخوض عنهما في هذا الحيز حتى لا نشطح بعيداً عن هدفنا من هذا المقال .. وليسمح لي القارئ الكريم بالكتابة عن دور المرأة في الإعلام في جنوب الوطن وتحديداً في عدن ، لما لهذه المدينة من تاريخ ريادي في وضع حجر الأساس للبناء الحضري المدني والمؤسسي وتوفير الشروط الذاتية والموضوعية اللازمة لهذا البناء .. ولما للمرأة من دور بارز وعظيم في هذه المدينة لا يشق له غبار ، وخاصة في مجال الإعلام . [c1]الميلاد : [/c]بظهور أول صحيفة في مدينة عدن ، في الأول من يناير 1940 م ، كانت البداية إلى الولوج في عالم الاتصال الجديد والتعرف على مزاياه وإدراك أهميته في أوساط الناس ، خاصة وأن المشهد العالمي على وجه البسيطة ، آنذاك ، ينذر بتحولات سياسية وفكرية وأيديولوجية جذرية غيرت معالمه فيما بعد. وتوالت الإصدارات الصحفية بعد “ فتاة الجزيرة “ لصاحبها محمد علي لقمان .. وفي تلك الأثناء ولدت الإرهاصات الأولى للحركة النسائية اليمنية ، ومن تم تأسيس الجمعيات الخيرية والاجتماعية المختلفة ، رغم أن تأريخ الأخيرة يعود إلى بدايات ثلاثينيات القرن المنصرم ، إلا أن دورها لم يتعد العمل الخيري البحت .. وكانت الجمعية العدنية للنساء ( 1959م ) برئاسة السيدة رقية محمد ناصر( أم صلاح لقمان ) وجمعية المرأة العربية ( 1962 م ) برئاسة الآنسة رضية إحسان الله ، وهي المناضلة السياسية ضد الوجود البريطاني والتي ذاقت مرارة الاعتقال والنفي من عدن ، قامتا ، بعد نضال مستميت، على أنقاض “ نادي نساء عدن “ الذي تأسس في أعتاب أربعينيات القرن العشرين ، إي مع بداية قرع طبول الحرب العالمية الثانية ، فقد جاء تأسيس النادي للترويج لدور بريطانيا العظمى في الحرب ، لذا ترأسته سيدة إنجليزية ، كما إنه أغلق أبوابه بعد أن وضعت الحرب أوزارها . إلا أنه فُتح مرة أخرى عام 1952 م بدعوة من زوجات الضباط البريطانيين للقضاء على الملل الذي يعشنه بسبب البقاء في بيوتهن بدون عمل . هذه البدايات المبشرة ألفتت أصحاب الصحف ورؤساء تحريرها إلى ضرورة تناول قضايا المرأة في هذا الجزء من الوطن ، فخصص عدد من الصحف صفحاته لهذه القضية . ولأن تعليم البنت لم يكن منتشراً آنذاك إلا على مستوى الكتّاب ( المعلامة ) حيث ينحصر التعليم في قراءة وحفظ القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة والحساب ، فقد تأخر ميلاد الكاتبة اليمنية حتى ظهرت في أواسط الخمسينيات صفحة شئون المرأة في صحيفة “ النهضة “ والتي كانت تحررها الإعلامية الأولى في اليمن السيدة ماهية نجيب تحت اسم مستعار وهو “ بنت البلد “ . وكانت تلك الطريقة الوحيدة التي تسمح للمرأة اليمنية بالكتابة في الصحف في البلاد آنذاك حتى لا تُعرف شخصيتها الحقيقية في ظل مجتمع لم يعتد ظهور المرأة بدون حجاب فكيف لها أن تمهر اسمها تحت كلام تعبر فيه عن رأيها بحرية ؟ أو كيف لها أن تشارك الرجل مجالات العمل المختلفة ؟! وكان ذلك ضرب من المستحيل .. إلا أن المرأة في مدينة عدن كسرت ذلك الجدار الحاجب لنور حريتها . واستطاع عدد ضئيل من نساء عدن مجابهة المحاذير والمخاطر المتوقعة من قبل المجتمع وبخاصة رجال الدين .. وكانت الانطلاقة نحو فضاءات واسعة ورحبة حققت فيها المرأة العدنية الكثير من طموحاتها ، فشرعت بذلك أبواب المستقبل المتألق للمرأة اليمنية في كل أرجاء الوطن اليمني ، مسجلة بذلك ريادتها في مختلف مجالات العمل ، بل إنها بكل شجاعة وجرأة خاضت المرأة هنا غمار النضال السياسي السري مع أخيها الرجل المناضل ضد الوجود الاستعماري البريطاني .. وحملت مشعل التحرير بقيادتها للخلايا الحزبية السرية والمظاهرات الجماهيرية الهادرة ، التي غالباً تهبُ عفوية وأحياناً منظَمة ، ولكن دائماً المرأة في مقدمتها . عدد من الكاتبات في منتصف الخمسينيات ، مع ازدياد الإصدارات الصحفية والتنافس بينها ، ظهر في بعضها بيد أنه كان مستتراً وراء أسماء ذكورية أو كنية غير معروفة كـ ( بنت البلد ) و(فتاة شمسان ) و( أم الخير ) وغيرها من الكنيات . إلى أن ظهرت السيدة ماهية نجيب كأول امرأة تصدر مطبوعة صحفية وتترأس تحريرها ، وبذلك كانت الإعلامية الرائدة التي فتحت المجال للكاتبات للكتابة بأسمائهن الحقيقية دون تردد أو خوف .. وبلغ الأمر عند ماهية نجيب أن فتحت الباب مشرعاً أمام الإبداعات الأدبية الأنثوية ضاربة بذلك عرض الحائط بكل ما صدرت من فتاوى وأراجيف عن تحريم الكتابات النسائية التي تزعمها عدد من المكبلين بمعتقدات اجتماعية تعزز من إذلال المرأة وتجعلها كائناً حياً لا دور له في الحياة غير الطاعة العمياء للرجل والاختفاء تحت الملاءة السوداء . وقد برزت الكثير من الأمثال الشعبية التي تكرس إهانة المرأة وتهميشها كـ ( المرأة عزك الله ) أو( المرأة ناقصة عقل ودين فلا تستشار ولا يؤخذ برأيها) أو( وجه الشيطان ولا وجه امرأة ) وغيرها من الأمثال التي لا تمت إلى الدين الإسلامي بصلة .. وهو الذي أعز المرأة ورفع مكانتها وجعلها في المراتب العليا . وهكذا أضحت مجلة فتاة شمسان لماهية نجيب (1960 م -1966 م ) ) كجناحي طائر يرفرف عالياً نحو آفاق رحبة للمرأة اليمنية .. فبرزت المحررة الصحفية والمخبرة الإعلامية . وبعد نشر المجلة إعلانها عن مسابقة القصة القصيرة في العام الثاني لصدورها برزت أسماء كاتبات عُرِفت بعدئذ بإبداعاتها القصصية التي أفردت لها المجلة صفحاتها ، أمثال القاصة هند بريك وفطوم عثمان شوالا وفوزية عمر و ملاك عبد الله زيد ونازك وفتحيه ناجي وعيشة سعيد وفاطمة عبد الباري ونجاة محمد عبادي ولولا أحمد سعيد . إلى جانب اهتمامها بالأدب اهتمت المجلة بالفن بأشكاله المختلفة وخصصت لذلك صفحة خاصة كانت تحررها الآنسة نازك .. قطعت رئيسة تحرير “ فتاة شمسان “ عهداً على نفسها أمام قرائها وهو النضال بالكلمة من أجل نيا المرأة حقوقها كاملة وبدرجة أساسية حقها في التعليم والعمل وفي المشاركة السياسية وفي اختيار شريك حياتها .. والكثير ممن عرف السيدة نجيب يؤكد على مدى تفانيها من أجل نصرة قضية المرأة وبأنها كانت السباقة إلى دعوة المرأة للنضال بنفسها من أجل قضيتها . لعبت المجلة دوراً هاماً وبارزاً في المجتمع العدني الصغير ولم تسلم صاحبتها من الهجمات الشرسة عليها والمستنكِرة ترؤس المرأة لمجلة تحرِض النساء على الفسق كما كان يدّعي بعض فقهاء الدين من خلال منابر المساجد في عدن . ولكن مضت المجلة في طريقها غير آبهة لتحقق نجاحات كبيرة في المبيعات ، كما تعدت حدود الوطن لتتلقى رسائل من قراء من خارجها فنقرأ رسائل إعجاب بالمجلة وبموادها الجريئة من الكويت وجيبوتي .. بإيجاز نقول إن ماهية نجيب لم تكن صاحبة مجلة ورئيسة تحرير فحسب بل وسفيرة للمرأة اليمنية خارج الوطن ، حيث حملت قضية المرأة اليمنية في النضال من أجل تحررها إلى كل المحافل العربية والإقليمية والدولية التي كانت تحرص على المشاركة فيها وعلى نفقتها الخاصة وقد لاقت تجاوباً كبيراً من قبل المشاركين في تلك المحافل ولعل أبرز الشخصيات السياسية التي استمعت إليها بإعجاب زعيم العروبة جمال عبد الناصر حين التقته في قاهرة المعز عام 1961 م أثناء مشاركة ماهية في المؤتمر الأول لنساء آسيا وأفريقيا . لقد صدق من قال أن ماهية نجيب رائدة تحرير المرأة في الجنوب اليمني . وتعدى نشاط ماهية نجيب في مجال الكتابة الصحفية ، حيث كانت أيضاً الإذاعية الأولى التي أنبرىصوتها عبر الأثير ليصل إلى الأسماع مقدماً برنامج ربات البيوت ، وهو برنامج موجه للمرأة اليمنية ، ويعود الفضل لماهية نجيب في ظهور الأصوات النسائية الإذاعية فيما بعد كـ عديله بيومي وصفية لقمان وفوزية عمر والممثلة الإذاعية أسمهان بيحاني .