يحكى أن غراباً مغروراً أصيب بمرض الصرع ولم يمنعه مرضه هذا من التطاول والغرور على بقية المخلوقات في الغابة ، فقد كان من شدة غروره أنه يلتقط الحصا من الأرض ويسقطها على رؤوس الحيوانات فتصيبهم بجروحٍ غائرة ، ولم تفلح محاولات الحيوانات في إيقاف هذا الغراب عند حده ، ومما زاد الطين بلة أن الحيوانات بعدما أصيب الغراب بالصرع كانت تزداد عليه شفقة وصبراً ..لم يتعلم الغراب من دروس الحياة ، فقد كان حرياً به أن يستفيد من الدروس القاسية التي لقنها له الصرع ، فغالباً ما كانت تأتيه نوبات الصرع وهو يحلق في السماء مستمتعاً بإيذاء الحيوانات من الجو .وذات مرة قررت الحيوانات أن تشكو الغراب لملك الغابة (الأسد) لعله يستطيع إيقافه عند حده ،فاستدعى الأسد الغراب ، فجاءه محلقاً في السماء بجناحيه ، فنهاه الأسد وحذره من عواقب استفزازاته للحيوانات ، فما كان من الغراب المغرور إلا أن تحدى الأسد ، وقال له : أتحداك أن تصعد إلي !!وأخذ يهوي إلى الأرض بسرعة ويلتقط الحصى ثم يقذف بها نحو رأس الأسد ، فأصيب الأسد بجروحٍ بسيطة ، وما هي إلا لحظات حتى فاجأت الغراب نوبة الصرع ، فخر إلى الأرض صريعاً وانكسر منقاره فتحطمت كبرياؤه ، لأنه فقد سلاحه الذي كان يؤذي به الآخرين .تُذكرني هذه القصة بمن يتصرف كالوصي على شخصٍ مُعين ، فيزعم أنه ينصحه وهو ليس بأهلٍ للنصيحة، ويدعي أنه يُرشده وهو أصلاً واقعٌ في الخطأ .فالمعروف أن الغراب طائرٌ قبيحٌ، ولا يختلف اثنان على ذلك ، فقد ارتبط اسم الغراب بالسفه وقبح القول .ومما يمتاز به الغراب أيضاً سوء التدبير وعدم توخي الحذر من عواقب ما يفعل ، كما أن الغراب معروف بلونه الأسود ، وعندما يصدر صوته (النعيق) يعدّ ذلك نذير شؤم عند بعض الناس ، وهو تماماً كمن يُطلق العنان للسانه بالتحدث عن شئون أمة أبت إلا أن تتخذ الوحدة لوطنها سبيلاً واضحاً لحياتها ومعاشها ، والديمقراطية منهاجاً صالحاً لتعاملاتها وسلوكها ، ومبادئ وأهداف الثورتين المجيدتين سبتمبر وأكتوبر دستوراً لتوحيدها وبنائها .لقد استعاد شعبنا وحدته المباركة في الـ 22 من مايو 1990م، ليدخل أعتاب مرحلة عهد جديد.. مودعاً إلى الأبد أزمنة التشطير ومآسي التشرذم والصراعات الدموية والوهن والضعف والتجزئة التي سادت الوطن في مرحلة ما بعد انتصار الثورة اليمنية «26سبتمبر و14 أكتوبر» الخالدة ضد عهود الإمامة البائدة والاستعمار الغاصب.. محققاً بمنجزه التاريخي العظيم عزته ومجده الحضاري العريق.. معيداً لليمن مكانته اللائقة إقليمياً وعربياً ودولياً، وبالوحدة المباركة التي يحتفل بذكرى إعادة تحقيقها شعبنا من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه بعيدها العشرين، كبر الوطن وتوسع دوره بقدرات وحدوية شملت الأرض والإنسان.. فالموقع البحري الاستراتيجي الهام للجمهورية اليمنية أصبح يمتد من البحر الأحمر إلى المحيط الهندي.. مشرفاً على البحر العربي وخليج عدن وباب المندب، وأصبح الساحل اليمني يمتد من غرب البحر الأحمر إلى شرق بحر العرب بطول يزيد على 2500 كم، أما مساحة اليمن على اليابسة فتبلغ 527.970كم وتحدها من الشمال المملكة العربية السعودية ومن الجنوب البحر العربي والمحيط الهندي ومن الغرب البحر الأحمر ومن الشرق سلطنة عُمان، وهذا الموقع الهام والمتميز لليمن لعب دوراً تاريخياً بارزاً في الماضي حيث قام اليمانيون باستغلاله اقتصادياً وتجارياً وعسكرياً لي تشييد أعظم الحضارات الإنسانية.. ويتعاظم دوره اليوم أكثر من أي وقت مضى، أما المورد البشري اليوم فقد أصبح يزيد على عشرين مليون نسمة.وبالوحدة المباركة أصبحت الجمهورية اليمنية تمثل ثاني أكبر دولة في المساحة وعدد السكان في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج العربي بعد المملكة العربية السعودية. لذلك كله فاليمن اليوم بموقعها وموردها البشري تشكل العمق الاستراتيجي لمنطقة الخليج العربي والجزيرة العربية، كونها تعتبر السياج الأمني للجهة الجنوبية الغربية لدول مجلس التعاون الخليجي، وملتقى القارات والبحار لإشرافها الجغرافي على أهم مضيق عالمي «باب المندب» الذي يصل الشمال بالجنوب عبر قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط.ومن هذا المنطلق فقد تعاظم دور اليمن في ظل وحدته المباركة بما يخدم قضايا الوطن والأمة العربية وأمن واستقرار دول المنطقة بشكل عام.ولعل من أبرز إنجازات الوحدة المباركة على الصعيد الإقليمي معالجة مشاكل الحدود مع دول الجوار وفقاً لمبدأ «لا ضرر ولا ضرار» بعد أن كانت عملية ترسيم الحدود مع الجيران والأشقاء قد ظلت معضلة عقوداً من الزمن، وهنا لابد من التأكيد في هذا السياق بأن النجاحات التي حققتها اليمن في ظل راية الجمهورية اليمنية على المستويين الإقليمي والدولي ما كان لها أن تكون بالمستوى المتميز لولا إعادة تحقيق الوحدة المباركة التي من خلالها توحدت مسارات وثوابت السياسة الخارجية ليمن الثاني والعشرين من مايو 1990م التي تنطلق من صميم انتماء اليمن للأمة العربية والإسلامية.. حيث كانت الانطلاقة الفاعلة للسياسة الخارجية للجمهورية اليمنية بعد ترسيخ دعائم الوحدة اليمنية وتحديداً منذ العام 1995م، وهذه الانطلاقة الدبلوماسية لليمن حققت نجاحات إقليمية وعربية ودولية قامت وتقوم على مبدأ الاحترام المتبادل والتعاون والشراكة وتبادل المصالح وعدم التدخل في الشؤون الداخلية مع كافة الدول الشقيقة والصديقة، وفي هذا المنحى، وفي ضوء ما سبق ذكره تتراءى أمام أعيننا تلك الشخصية الباهرة التي أوجدت وصنعت كل تلك النجاحات الإقليمية لليمن التي تحققت بفضل حنكة وحكمة قيادة الوطن السياسية ممثلة بفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية- حفظه الله ورعاه - ربان سفينة الوطن الماهر. فقد لعبت الدبلوماسية اليمنية بعد إعادة تحقيق وحدة الوطن دوراً متميزاً وإيجابياً فاعلاً من منطلق العلاقات الأخوية التاريخية التي تربط اليمن بدول الخليج.. حيث تم إعادة ترميم جسور التعاون مع دولة الكويت الشقيقة بعد قطيعة دامت سنوات على إثر حرب الخليج الثانية التي لعب على وترها الحساس أعداء إعادة تحقيق الوحدة ممن زعموا أنهم مؤيدون لها أمام وسائل الإعلام وقتذاك، ودخلوا بين الشقيقين لإشعال بذور الفتنة ونار الحسد ، فكان لهم ما تمنوا ، فأصابتهم لعنات الأبرياء ، وهي مُلقاة عليهم إلى يوم الدين، كما حققت الدبلوماسية اليمنية في عهد الوحدة المباركة نجاحات كبيرة مع بقية الدول الخليجية وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر ومملكة البحرين، وكذا انضمام اليمن التي تمثل العمق الاستراتيجي لدول الخليج العربي إلى عضوية بعض وزارات مجلس التعاون الخليجي كالصحة والشؤون الاجتماعية، ومكتب التربية العربي، والرياضة، وذلك كخطوة أولى لانضمام اليمن الكامل لعضوية مجلس التعاون الخليجي.وهنا تتجلى لنا رؤية عظيمة أن اليمن بعد استعادة وحدته وتثبيتها رغماً عن أنف الحاقدين ، تبوأ مكانة عربية وإقليمية فاقت كل التوقعات ، وهذا بفضل قوته وتماسكه اللذين ساعداه على امتلاك هذه المكانة الدولية الرفيعة ، ولكن وكما يُقال : [لكل ناجح حاسد] .إن الحاسدين عندما يفطرهم الله بتلك الخصلة الذميمة التي قال عنها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم :-[ إن الحسد تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ] ويزيدون عليها أن يقتاتوا ويعيشوا على أموال السحت في الدول التي منحتهم لجوءاً بعد أن كانوا مُشردين ليس لهم وطن يؤويهم ، ولا شعب يدافع عنهم ، ولا سجل مشرف يتفاخرون به ، فهم بذلك يُكرسون ثقافة العمالة والخيانة التي لطالما تفننوا بها في فترة حكمهم الديكتاتوري المتسلط على أبناء الوطن في عهدهم البائد الذي أباده الله عز وجل بمعجزةٍ منه وببركات رحمته.وهنا تتجلى للجميع دولة قطر الشقيقة بأميرها وحكومتها وشعبها وهم يؤيدون وبكل قوة وحدة واستقرار وطن الثاني والعشرين من مايو العظيم ، وهذا ما ترجمته لنا عياناً عدسات الكاميرات من على أرضية مطار دوحة العرب عندما شاهدنا العناق الأخوي الحار الممتزج بعبق المحبة والوفاء الممتد منذ سنوات عديدة بين الأخوين الشقيقين فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية - حفظه الله ورعاه - وأخيه صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر الشقيقة .فاليمن كبيرة وعظيمة ، كبيرةٌ بقائدها فارس العرب ، مؤسس مداميك الوحدة وباني نهضة اليمن الحديث فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية -حفظه الله ورعاه - ، وعظيمةٌ بشعبها الوحدوي الغيور من الرجال والنساء والأطفال ، الذين رووا بدمائهم الطاهرة تراب هذا الوطن من أجل النضال والدفاع عن الثورة اليمنية الخالدة والوحدة اليمنية المُباركة والنظام الجمهوري لليمن الجديد وللمستقبل الأفضل .ولأن اليمن الموحد سيبقى للأبد رمزاً للعطاء والقوة والشموخ والإباء، فإنه لا يضر السحاب نعيق الغراب، وهذا إن قُدر وحصل فهو عندما يُصاب الغراب بالغرور .
عندما يصاب الغراب بالغرور !!
أخبار متعلقة