نبض القلم
الفساد الإداري والمالي في مؤسسات الدولة والمؤسسات الاقتصادية أضحى ظاهرة سلبية تضر بالاقتصاد الوطني ايما ضرر، وإذا ما انتشرت في أية منشأة فإن ذلك نذير بإفلاسها وانهيارها.وغالباً ما يكون الفساد الإداري والمالي مقروناً بالغش والخداع والخيانة، وعدم الانضباط، والإهمال والتسيب، وعدم الإخلاص، وتدني مستوى الإنتاج، وعدم إتقان العمل، وكلها ظواهر سلبية تدل على سوء طباع من يمارسها، وضعف إيمانه بالله وعدم اكتراثه بالمصالح العامة.وإذا تناولنا ظاهرة الفساد من منظور إسلامي فاننا نجد الإسلام قد حذر من العواقب الوخيمة للتعاملات التي فيها غش أو خداع أو خيانة.. الخ، بل أنه أنكر على المسلم أن يغش ونفى أن يكون المسلم غشاشاً، وفي الحديث الشريف: “من غشنا فليس منا” (رواه مسلم).والفساد في المؤسسات الاقتصادية والخدماتية يعتبر نتيجة من نتائج تفشي ظاهرة الغش في الإدارة، وله صور متعددة منها:ـ الغش في دراسات الجدوى الاقتصادية، ويكون في الحالات التي يستند فيها أمر إعداد دراسة الجدوى إلى أشخاص غير مؤهلين لإعداد مثل هذه الدراسات التي من شأنها أن تبين مستقبل المنشأة المزمع إنشاؤها، وما سوف تحققه من نجاح، وحجم تكاليف الإنشاء وحاجات السوق ومدى ملاءمتها للواقع ومدى إمكانية تشغيلها وفقاً لظروف الزمان والمكان والإمكانيات، فالغش في إعداد دراسة الجدوى لأي مشروع سيؤدي لا محالة إلى فشله، لذا يقتضي الواجب إسناد إعداد أية دراسة لأشخاص مؤهلين علمياً وأكاديمياً ومشهود لهم بالخبرة والكفاءة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: “إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة” (رواه البخاري).أي انتظروا ساعة الفشل، وما يصاحبها من إخفاقات وخسائر في المراحل المختلفة، والشيء ذاته ينطبق على جهات التنفيذ بمن فيهم المقاولون.ومن صور الفساد في المؤسسات الاقتصادية والخدماتية عدم التقيد بمواعيد العمل، وعدم الانضباط بالقوانين واللوائح المنظمة له والتسيب والإهمال في العمل، فإذا برزت هذه المظاهر السلبية في أية منشأة فان عاقبتها الفشل لا محالة، وحتى لا يكون ذلك فقد حض الإسلام على الانضباط والوفاء بالعقود، قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود” (المائدة،1) وحذر في الوقت نفسه من عدم الوفاء بالعهد والوعد، وعد من ينكث العهد ويخلف الوعد منافقاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان” (متفق عليه).ومن صور الفساد في المؤسسات الاقتصادية والخدماتية كذلك عدم إتقان العمل، وعدم مراعاة الجودة فيه، ويكون ذلك عن طريق الإهمال والتسيب واللامبالاة عند ظهور بعض الاختلالات، وهو ما يؤدي إلى ظهور بعض العيوب في الطرق المسفلتة او الخدمة المقدمة، فتشوه صورة المقاول وتتدنى قيمة الخدمة، وتسوء سمعة المؤسسة فلا يقبل الناس عليها، وينصرف عنها زبائنها، ولذا حض الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين على إتقان العمل بقوله: “إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” (رواه البيهقي).ومن صور الفساد الإداري أيضا التفرقة في المعاملة وتكون عن طريق الميل والجور والمحاباة تبعاً للأهواء والأمزجة، وذلك حين يكافأ المخطئ ويتغاضى عن المهمل، ولا يعاقب المرتشي والمختلس ويتساوى العامل والخامل، ولا يميز بين المتقن في عمله وغير المتقن، وهو ما يؤدي إلى التقصير في العمل، والشعور بالظلم، وما يترتب عن ذلك من استياء وعدم الرضا الوظيفي المقترن بإصابة العاملين بالإحباط النفسي، وهو ما يدفع بعضهم إلى السرقة والنهب للحصول على المال الذي عجز عن الحصول عليه عبر الطرق المشروعة، والواجب يقتضي أن تتحرى العدل قيادات المؤسسات الاقتصادية والخدماتية بين العاملين فيها، فيكافأ المجد والمحسن، ويعاقب المسيء والمخطئ، حتى تستريح النفوس وتطمئن القلوب ويسود روح الألفة والمحبة بين جميع العاملين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” (رواه البخاري ومسلم).ومن أكثر صور الفساد الإداري انتشاراً الرشوة، وهي أخطر صور الفساد على الإطلاق فهي تنخر عظام أية منشأة وتدمرها، ولذا لعن الله الراشي والمرتشي والرائش، كما في الحديث الشريف. * إمام وخطيب جامع الهاشمي – الشيخ عثمان