مَنْ قال إننا بلد فقير، فقد أخطأ، ذلك أننا لدينا ثرواتنا منها النفطية والغازية والمعادن، والثروة السمكية، والثروة الزراعية، إلى ما قبل عقود من الزمن، لم يكن اليمنيون يستوردون غذاءهم من الخارج، وميناء عدن الدولي، الميناء رقم (2) في العالم، ذو السمات الخاصة والمميزة، كان يكمل ما ينقصنا من منتجات، إلى جانب بقية الموانئ اليمنية الأخرى، والفقر الذي اتسعت رقعته هذه الأيام بين أفراد الشعب، ليس سببه كما يقول بعض، تأصل ثقافة الفقر في مجتمعنا، وإنّما بسبب تزايد احتياجات إنسان هذا العصر، وبصورةٍ غير منقطعة، وكذا بسبب ضعف إدارة الشأن العام الخاص والفردي بوجه عام، وقصور في النظر لطبيعة مشاكلنا، وعدم ترتيب الأولويات بشكل صحيح، وعدم إعطاء التنمية البشرية القدر الكافي من الاهتمام، ومن كافة النواحي، وعدم التنظيم والتخطيط لأهدافنا الإستراتيجية على شكل برامج زمنية ملزمة التحقيق. إذاً ففقر الناس مرتبط بعدم استقرار تقاليد حياة جديدة، يعرف من خلالها الناس ماذا يريدون؟، وكيف يسعون إلى تحقيق أهدافهم في الحياة بصورةٍ متواترة ومتدرجة، لأنّه لا أحد يحب الفقر، ولا أحد يكره الغنى مادياً ومعنوياً، ولكن الظروف والشروط ليست واحدة عند الجميع، وهذه هي مهمة الدول والحكومات، التي من شأنها خلق أرضية للجميع توافر التحقق الذاتي لكل مواطن، بعيداً عن الإهمال والتجاهل، وبعيداً عن الاستهتار بحقوق الآخرين، وبعيداً عن إهدار الثروات، ونزعات الاستئثار والاستحواذ على كل شيء، من قبل بعض. تلك إذًا هي المفارقة العجيبة والغريبة، فمتى نزول هذه المفارقة... التناقض الذي يتصف به واقعنا اليوم، ومتى نخرج من دائرة هذا التناقض، لنتحد في حاجاتنا ومصالحنا وأهدافنا الوطنية المشتركة، سيحدث هذا عندما تصبح إدارتنا أكثر نضجاً ورشداً، وأكثر استشعاراً بالمسئولية التاريخية والاجتماعية، وعندما تصبح الإدارة أكثر شفافية ونزاهة من أي وقتٍ مضى، سيحدث ذلك عندما نتحرر من الجشع والأنانية، ونتجاوز اهتمامنا بالذات إلى الاهتمام بالآخر أيضاً. نعرف جيداً أنّ للمسئولية ثمن، وأنّ امتيازات المسئولية المشروعة، وفي حدود ما هو معقول مشفوعاً ومقبولاً، لكن ماراثون السباق على الثروة والسلطة، يعمي أصحابه عن ممارسة مسئوليتاهم تجاه الآخرين، ويعطل حركة التقدم والتطور الاجتماعي والاقتصادي والوطني الفقر عند الغالبية المهملة والمنسية، ويفتح باباً للجحيم، وعدم الاستقرار والنماء، وهذا بالطبع يضر بالجميع شئنا أم أبينا. إنّ مغادرة ثقافة الفقر، تقتضي من الجميع معرفة حقوقهم وواجباتهم الاجتماعية والسياسية، والمساهمة الإيجابية في مكافحة الفقر المادي والمعنوي على حدٍ سواء، والتخلص من عاداتنا السيئة واكتساب عادات جديدة وجيدة ومفيدة، تجعلنا نتجاوز الفقر، ونغتني صحياً ونفسياً، ونعيش حياة ممتلئة حباً وتفاؤلاً، حياة لها معنى ومغزى لنا ولغيرنا من حولنا، ولمن سيأتون من بعدنا، هذا هو المدخل الطبيعي، لنعيش حياة سوية منسجمة متزنة ومتوازنة وطبيعية، والثروات والنقود ليست غاية في ذاتها، إنّما هي وسيلة لغاية أكبر وأهم، أن نعيش سعداء.
الفقر .. والتنمية البشرية
أخبار متعلقة