إشكالية تفوق الفتيات دراسيًا على الفتيان
الحقيقة التي لا نستطيع إنكارها على مستوى البيت الأسري الواحد أنّ الفتاة أصبحت العنوان الرئيس للأسرة في تفوقها التعليمي وخير دليل ما حققته من نتائج حجبت عن الفتيان مجرد السعي لمنافستها، فعلى مدى أربعة أعوام دراسية متواصلة والفتيات يحصدن المراكز الأولى في نتيجتي امتحانات إنهاء مرحلتي التعليم الأساسي (تاسع) والثانوية العامة بقسميها العلمي والأدبي وعاماً بعد عام يتراجع الفتيان حاصدين خيبات آمال لأسرهم؛ ولأنّ ظاهرة تفوق الفتيات دراسيًا على الفتيان ظاهرة طارئة أطلت على المجتمع اليمني وإذا ظلت مستمرة وهذا ليس تقليل من قدرات وإبداعات وملكات وإمكانيات الفتيات وإنّما ربما يكون لها أثرها على مدى المستقبل المنظور من حيث إعطاء الأولوية في المناصب الرفيعة والوظيفة الحساسة للمرأة من باب العدل وتقديرًا لتميزها وتفوقها الملحوظ في التعليم.. إذن هناك خلل واجب التنقيب عنه ومعرفته والبحث عن أسبابه ودوافعه والمخارج العملية التي تعيد المنافسة بين الجنسين حتى لا نتفاجأ بعد سنوات قادمة ونجد إعلان أنّ جميع الفتيات ناجحات والفتيان في مراتب المؤخرة والخوف الأكثر من أن يصبح التعليم للفتيات فقط وهنا لا يحق لشبابنا _ الذكور - الرجالالمطالبة بحقوقهم لأنّهم لم يؤدوا واجباتهم.. يومها أصواتهم ستنخفض غصبًا عنهم .. ولكي نتعرف على الخلل ونبحث في الأسباب والدوافع حققنا في الأمر فكانت الحصيلة على النحو الآتي :أين الخلل؟سؤال يتبادر إلى ذهن أولياء الأمور آباء وأمهات حين يتساءلون عن إخفاقات أبنائهم فالخلل موجود ولكن كلٍ له رأي.الشيخ عبده سالم علي .. قال :إنّ غياب الدور التربوي في المدرسة أثر سلبًا على المستوى التعليمي وبالذات لدى الأولاد إذ سنلاحظ أنّ دور الأسرة تربويًا أصبح غير مجدٍ لعدم إكمال الدور من قبل المدرسة فنجد الأولاد بعد سن العاشرة يبدأون بالتسرب من المدرسة والتحايل على أسرهم في ظل غياب الدور التربوي المدرسي من ضبط وربط وتوجيه وإرشاد فانحصر دور المعلم في الحصة الدراسية على إلقاء الدرس دون إعطاء أهمية لجوانب تربوية هي الأساس في إنجاح الجانب التعليمي وهذا عكس البنات فهن أكثر حضورًا والتزامًا فهم يعدن أنفسهنّ تربويًا في المدرسة مكملين دور الأسرة دون الحاجة إلى دور المعلم أو المعلمة لحرص البنات على عدم تجاوز الثوابت، لهذا البنات تفوقن على الأولاد.الطالب / علي سعيد محمد المشولي خريج ثانوية عامة قسم علمي بتفوق قال :في سنواتٍ مضت كنا نحصل في المدرسة على وسائل مختلفة ترفيهية كممارسة مختلف الألعاب الرياضية والذهنية والرحلات المدرسية وكانت المدرسة على إتصال مستمر بالأسرة ونجد المعلم يستقطع دقائق معدودة للنصح ويحرص على التحضير اليومي والطالب منّا كان حريصًا على الحضور اليومي حتى لو كان مريضًا، ولأنّ المدرسة سيجد فيها المعلمين الذين يحبهم وسيمارس ألعابًا مختلفة سيشبع رغباته فيها فكانت المدرسة تهئي للطالب الدرس بعد استعدادات نفسية وذهنية، لكن المدرسة اليوم لا يوجد فيها أبسط عناصر التشويق والترغيب والإشباع فيجدها الطالب خارج المبنى المدرسي فيبدأ بالتسرب واكتساب سلوكيات جديدة يكذب فيها على أسرته وطبعًا العَلاقة بين المدرسة والأسرة أصبحت مفقودة الابين الأسر التي تحرص على متابعة أبنائها الذكور في المدرسة نجدهم من ذوي المستويات الطيبة ولكن يظل المستوى عند الفتيات أفضل وهن المتفوقات.إذًا ما هي الحلول؟تقول الطالبة / هبة محمد علي:سنظل كفتيات نتفوق على أخواننا الفتيان نظرًا لالتزامنا بحضور قاعة الدرس والتمسك غالبًا بالعادات والتقاليد فالفتاة اليمنية حريصة جدًا بأن تظهر أمام أسرتها بالمظهر الطيب والسلوك المرضي عكس بعض الفتيان الذين يتأثر سلوكهم نتيجة خروجهم للشارع وتعرفهم على أشياء جديدة تلهيهم عن التعليم، وعلى فكرة الدور التربوي في المدرسة غائب أكان في مدارس الفتيات أو الفتيان والتعليم ضعيف.وعن عودة روح المنافسة بين الجنسين تقول الطالبة هبة محمد علي _ ثالث ثانوي علمي :بصراحة أرى من وجهة نظري أنّ العودة إلى الاختلاط ستعيد روح المنافسة وستكون الغلبة للفتيان؛ لأنّهم سيعملون لأنفسهم ألف حساب بأن يكونوا متفوقين على الفتيات صحيح نحن مسلمون لكن الإسلام لم يحرّم وجود عَلاقات اجتماعية محترمة بين الذكور والإناث ولم يحرّم التعارف لأنّ الله سبحانه وتعالى خلقنا شعوبًا وقبائل لنتعارف فلا خوف من الاختلاط لأننا نحتكم إلى شريعة سماوية وعادات وتقاليد وثوابت نحن اليمنيين أكثر تمسكًا بها ولا يمكن مخالفتها لأنّ عقولنا قد تبرمجت على أنّ هذا العمل حلال وهذا حرام وهذا عيب وبطال وذاك تمام.وهنا يتدخل محمد مقبل فيقول:المدرسة لم تُعد هي المدرسة فلابد من إعادة الاعتبار للتربية المدرسية أولاً ثمّ للتعليم، أنّ التربية الأسرية والتربية المدرسية لهم دور تأثيري والفصل الذي حدث بين الجنسين أبعد الأولاد من حلبة المنافسة وبدأوا ينشغلون في أمور تشبع رغباتهم في خارج البيت والمدرسة.أضف إلى ذلك وفي ظل زحمة الحياة وانشغال الأسرة عن الأبناء لابد أن يكون للمدرسة الدور التربوي والريادي وهذا ما تفتقد له كافة مدارسنا بمختلف مراحلها التعليمية فدور المعلم التربوي أساس نجاح العملية التعليمية نحن بحاجةٍ إلى المعلم الذي يقدر المسئولية وإلى الكفاءات الإدارية المستحقة.بينما يضيف الأخ/ صالح محمد حسين الصلاحي من محافظة إب قائلاً :إنّ هناك ظروفًا ذاتية وموضوعية جعلت الفتاة تتفوق دراسيًا على الفتى في ظل الاهتزاز الملحوظ في التعليم وأرى من وجهة نظري إجراء دراسة واسعة في مدارس المدن الرئيسة التي تكتظ بالفتيان والفتيات لمعرفة الأسباب ومعالجة الظاهرة لأنّ الدراسة ستعطي نتائج واضحة واستقراءات واقعية سيكون المبحوث فيهم هم أنفسهم الفتيان والفتيات، أما المناطق الريفية سنلاحظ أنّ الفتيان متفوقون والاهتمام بمدارس الريف يكاد يكون معدوماً.أما الأم النموذجية / خميسة محمد علي المشهور أُم (محمد) محافظة أبين تشاركنا الحديث قائلة :أنا لا أخاف على بناتي من الاختلاط بالأولاد في قاعة الدرس لأنّ المسألة هنا يتحكم بها سلوك وعادات وتقاليد وشخصيًا بناتي أوصلتهم إلى التعليم الجامعي وأحرص منذ سنوات بالقيام بدور الأب والأم معًا من حيث التوجيه التربوي ومتابعة دراستهم، ولكوني أماً لذكور وإناث أجد من حيث المقارنة إنّ البنات لديهم رغبةً في التعليم أفضل من الأولاد الذين يحتاجون إلى جرعات توجيهية زائدة ولوقتٍ طويل من المذاكرة عكس البنات.وفي الحقيقة هناك اختلالات جعلت البُعد الشاسع في التنافس بين الأولاد والبنات أهمها :- الفصل بينهم إتاحة فرصة للذكور التحرر من خجل الإناث بعد أن كانت تجمعهم قاعة دراسية واحدة فأصبح أغلب الذكور مهملين للتعليم يتسربون من المدرسة منشغلين في أمورٍ غير التعليم عكس الإناث شغلهم الشاغل البيت والمدرسة.كذلك المناهج الدراسية التعليمية تحتوي مواضيعها فوق المعقول لم يركز واضعوها على النوعية والكيفية المؤثرة وإنّما الموجود مواضيع حشو في حشو يتمرد عليها الأولاد الذكور ويتقبلها الإناث خوفًا من العقاب الأسري.ولنكن واقعيين ونقول إنّ التعليم في بلادنا بحاجةٍ إلى تقييم عام دون أي مزايدات ومراضاة وفي رأيي الشخصي يحتاج ذلك إلى عقد مؤتمر وطني عام تشارك فيه جميع فئات وشرائح المجتمع ولو عادت الهيبة للتربية ففي المدرسة سنضمن جيل متسلح بالعلم والمعرفة.. لأنّ المدرسة من حيث تكوينها هي مبنى مقسّم فيه بشر تعارفوا فيه لكل منهم ميول وهوايات وأمنيات ولهم قائد في الفصل الدراسي وإدارة تأمر وتنهي وتحكم في المدرسة وهذا يعني أنّ المدرسة مجتمع صغير فعلى الدولة أن تفكر كيف يمكن أن تؤهل المدرسة أبنائنا وتجعلهم يخرجون إلى المجتمع الكبير جاهزين مخلصين ومحبين وأوفياء للعمل.الأخ/ عبد الواسع سعيد عون قيادي تربوي قديم متقاعد قال :ضروري جدًا أن يتم التدقيق في اختيار القيادات التربوية على أسس الكفاءة والمقدرة وقوة الشخصية بعيدًا عن المحسوبية والمحاباة التي تدخلت في عملنا وأطاحت بكثيرٍ من الآمال والطموحات، نحن نفتقد إلى معيار الضبط ودقة الاختيار في وضع الإنسان المناسب في مكانه المناسب، وبالذات مدارس الفتيات في المدن الرئيسة هي بحاجةٍ إلى قيادات نسائية ذات خبرة وتجربة وكفاءة وشخصيات قوية ومتزنة تحسن التصرف بعقلانية واتزان بعيدًا عن العصبية لأنّ مدارس الفتيات في المدن الرئيسة هي أكثر استقرارًا من مدارس الفتيان تنقصها أشياء طفيفة يمكن تجاوزها، أما مدارس الفتيان فالحديث عنها وعن مسببات تردي التعليم فيها يحتاج إلى وقتٍ طويل لا يفيد فيه الحديث إن لم تكون هناك مخارج عملية إصلاحية رسمية.الأخ/ محمد شمسان فارع _ مدرس _ قال :نحن في الحقيقة لسنا بحاجةٍ إلى الاجتهاد فواقع التعليم يحتاج إلى مراجعة شاملة ولتكون معالجة الجانب التربوي والتعليمي من أولويات الإصلاح العام والشامل، فكل الشعوب تعتمد في نهضتها الشاملة على إصلاح التربية والتعليم وهذا ما لم يتم التنبه له في بلادنا.الأخت المربية الفاضلة / زينب السيد عبده _ تربوية قديمة قالت:طبعًا التوازن مفقود بين مدارس البنات ومدارس الأولاد من حيث التربية والتعليم إذ أنّ المعادلة تربية زائد تعليم أصبحت في خبر كان، ولا لها وجود أهملت فضاعت وموجود في مدارس البنات نظرًا لتأثير البيئة الأسرية ليس أكثر لهذه الأسر تعطي جل اهتمامها ورعايتها للفتيات أكثر من الفتيان لأنّ المسألة هنا مرتبطة بأعراف وتقاليد أسرية للبنات النصيب الأكبر بالعمل بها وتنفيذها بينما الأولاد في الغالب يتمردون على الأعراف والتقاليد بفعل التأثير الثقافي والإعلامي الذي يغزونا.. ولهذا الفتيات متفوقات دائمًا على الفتيان لعدم وجود توازن لا في الوسط الأسري ولا في المدرسة.الأخت / زينب محمود زيد إسماعيل _ تربوية قديمة .. قالت :هناك أسباب أدت إلى التفوق الملحوظ للفتيات على حساب الفتيان وأهم هذه الأسباب غياب الدور التربوي والتوجيهي في المدرسة أكانت مدرسة البنات أو الأولاد ولكن تظل مدارس البنات أكثر استقرارًا لتأثير الأسرة المباشر عليها في الوقت الذي نشدد على إيلاء أهمية بالغة لهذه المدارس من حيث تسمية القيادات الإدارية كون القيادة فن وأخلاق وأمانة ورحمة وعدل فهذه الصفات للأسف لا يؤخذ بها وهذا سبب من الأسباب الذي جعل التعليم يتأخر في ظل غياب الجانب التربوي، وأرى أن يتم تقييم التعليم للسنوات التي مضت وطرح النتائج للمقارنة والنقاش ووضع برنامج للنزول الميداني لمعرفة أسباب إخفاقات الأولاد الذين نرى فيهم مستقبل البلاد وتطورها المنشود.الأخ/ عارف شاهر القباطي _ تربوي قال :في الحقيقة البنات ربنا خلقهم مميزات وفيهم صفات لا تتوافر لدى الأولاد ففي المدرسة هن أساس النظام المدرسي واستقراره ونجاحه اليومي دون أي تأثير من المعلمين والمعلمات عكس الأولاد يحتاجون إلى دور المدرسة التربوي وهذا الدور يكاد معدوم وخصوصًا في مدارس الأولاد في المدن الرئيسة والسبب أنّ المعلم أهمل الجانب التربوي وحصر مهمته فقط على الجانب التعليمي في ظل إحساسه بضياع حقوقه كصانعٍ للأجيال ومصادرة حقه في الترقية والتصنيف كذلك شيء يؤخذ على المعلمين الخريجين من مختلف الكليات يتم تعيينهم معلمين دون أن يكون لديهم خلفية في طرق التدريس لأنّ الكليات التي يدرسون فيها لا تدرس ذلك، وهناك هم آخر ان بعض الموجهين بدلاً من الاستفادة منهم من قبل المعلمين نرى البعض منهم محتاج لمن يوجهه.فللأسف الأولاد والبنات معًا ضحايا سياسة تعليمية خاطئة لكن البنات متفوقات لأنّهنّ يعتمدن على أنفسهن.الأخ/ خالد علي صالح _ كادر تربوي مدير مدرسة قال :هو إذا جئنا إلى الواقع فإجمالاً هناك تراجعًا في المستوى العام للطلاب من الجنسين ولكن تعتبر مدارس البنات تشكل حالة أفضل نظرًا لأنّ الفتيات يحصلن على اهتمام أكبر ومتابعة دائمة من قبل الأسرة وفي الحقيقة ليس أولادنا الفتيان لوحدهم يتحملون تراجع مستوياتهم التعليمية فالمسئولية مشتركة بين عدة أطراف أسرة ومدرسة وطالب ومعلم وكتاب مدرسي يفتقد إلى عنصر التشويق وغياب العناصر الترغيبية والمؤثرة التي يستحسنها الطالب وتجذب حواسه وتلبي رغباته، فشيء جيد لو تمت دراسة شاملة لمعرفة أسباب تفوق الفتيات تربويًا وتعليميًا على الفتيان ويتم الوقوف أمام نتائجها في ندوة وطنية أو مؤتمر وطني عام تترجم النتائج عمليًا.الأستاذ/ قاسم محمد المجيدي الرئيس السابق لقسم الاختبارات والتقويم بمحافظة عدن صاحب تجربة طويلة في المجال التربوي والتعليمي وهو الرجل الأول المسؤول على الاختبارات والتقييم والنقل من سنة دراسية إلى أخرى ومن مرحلة دراسية إلى أخرى حتى العام الدراسي الماضي جمعت كل الآراء التي طُرحت وذهبت إليه لأستمع إلى تعليقاته كأبٍ وصاحب تجربة طويلة .. فقال :أولاً : علينا ألا نستكثر على بناتنا ما يحققونه من نتائج هن جديرات بها وهنّ أكثر انضباطاً ومثابرة واجتهاد.ثانيًا : سبق لي واقترحت في عدة لقاءات صحفية أن يتم وضع دراسة شاملة لمعرفة الأسباب والدوافع التي جعلت الفتيات لسنوات متواصلة متفوقات على الفتيان، أكيد هناك شيء من الخلل قد أصاب الفتيان.ثالثًا : صحيح ما أورده بعض من المتحدثين بأنّ التعليم المختلط خلق تنافسًا شديدًا بين الجنسين وكان الذكور حريصون على الحضور والمنافسة وهروب الطالب من الفصل الدراسي كان عيب لأنّ زميلاته الطالبات سيأخذون عنه فكرة غير طيبة فالاختلاط أسهم وبطريقة غير مباشرة مع المدرسة تربويًا قبل التعليم مما جعل المنافسة ضرورة لا مفر منها.رابعًا : هناك عوامل أخرى تربوية وتعليمية يجب التركيز عليها أوردها عدد من المتحدثون.الخُلاصةكل الآراء التي قرأناها هي كانت لتربويين ومَن لهم عَلاقة وكما سنلاحظ أنّ الآراء اختلفت في الطرح إلا أنّها أجمعت على أنّ التربية والتعليم أصبحت معادلة منفصلة وأنّ التعليم في بلادنا الحبيبة يحتاج إلى إصلاح.. فهل من مستجيب؟!!مع الإشارة إلى أننا جمعنا الآراء من الخبرات والشباب.
الطابور المدرسي