أقواس
في فترة الثمانينيات أنتج التلفزيون القطري مسلسلاً عن شيخ الإسلام (ابن تيمية) هذه الشخصية الإسلامية الفذَّة التي كان لها دور عظيمُ في أيقاظ المسلمين وتصحيح عقائدهم، كواحدٍ من المصلحين المجاهدين.ربما كانت المفاجأة هي تقديم مسلسل تلفزيوني جديد أنتجه التلفزيون المصري عن سيرة هذا العالم الإسلامي الجليل حيث استغرق تصوير بعض المشاهد الخارجية للمسلسل فترة طويلة في قلعة صلاح الدين الأيوبي وصحراء الأهرام بمصر - ويقال إنّ تصوير بعض مشاهد المسلسل تمت بالاعتماد على البناء القائم للحارة المصرية التي أقامهاالمخرج (يوسف شاهين) والتي تمّ فيها تصوير كثير من أحداث فلم (وداعًا بونابرت) وقد حاول المسلسل عبر الديكور (المناسب أن يستلهم روح العصر الذي عاش فيه (ابن تيمية).وربما كان ابن تيمية الفقيه الوحيد الذي بدأ أحداث دخوله معترك الجهاد مع طفولته التي تفتحت على حدث خطير كان له أبعد الأثر في حياته وذلك حين هاجم التتار بلدة (حران) التي وُلد فيها فأضطرت أسرته إلى الفرار منها واللجوء إلى (دمشقَ) حيث استقر بهم المقام، وهكذا تفتح وعيه منذ صغره على مدى خطورة العدوان الخارجي وكذلك على حب العلم الذي تمثل في إصرار والده على حمل كتبه على مركبة خشبية أخذ يدفعها بيديه على الطريق قاطعًا الرحلة على قدميه من حران إلى دمشق.. وقد تركت أم (ابن تيمية) أثرًا كبيرًا في نشأته وكذلك كان لوالده دور مؤثر في حياته بتلقيه العلم مع غيره من العلماء وقد أظهر ابن تيمية نبوغًا باهرًا شهد به الجميع حتى أنّه عقب وفاة والده جلس للتدريس في حلقته وكان سنه حينذاك لا يتجاوز الحادية والعشرين.. وقد هال (ابن تيمية) ما عليه العالم الإسلامي في عصره من انحراف في الشريعة وما يسوده من جهل وفساد وما يتعرض له من حملات صليبية وتترية ولهذا نذر نفسه وحياته لإصلاح مجتمعه وخاض معارك ضارية مع "عصابات الجهل والجمود والتخلف الفكري كما خاض معارك سياسية وحربية مع الطغاة والظلمة وقاد المقاومة الشعبية للدفاع عن الوطن الإسلامي، وكشف الحجاب عن محاولات قوى البغي والظلام في إبقاء الشعوب الإسلامية أسيرة الجهل والتخلف وآراء وأفكار الضلال".مما عرضه للاضطهاد والسجن عدة مرات حتى أنّه لفظ أنفاسه الأخيرة فيه، وذلك ما عرضه المسلسل.وما أحوجنا إلى تحقيق هذه الأمثولة الرائعة في أيامنا هذه وسوريا الشقيقة تمر بمحنةٍ عصيبة بسبب ما تتعرض له من حملات تترية جديدة.وهنا يأتي دور الإعلام والفضائيات للإسهام في تقريب الصورة وتوضيحها للرأي العربي في هذه الفترة الحالكة التي تُعاني منها كل المجتمعات العربية من تهديدات خطيرة ومؤامرات جسيمة وكم نحن بحاجةٍ أيضًا إلى دور الأدب والفن والفقه في جمع كلمة الناس وتوضيح الأمور أثناء غياب الضمير الحاكم.شفاء منصر