- عبارة تقول “اتقي شر من أحسنت إليه” تنطوي على تحريض مكشوف إلى تجنب فعل الخير، وإلى عدم الإحسان للآخرين لأنهم يقابلون الإحسان بالإساءة إلى المحسن .. والعجيب أن هذه المقولة التي تتعارض حتى مع تعاليم الدين تكتب بماء الذهب وأجمل الخطوط وتقرؤها على لوحة معلقة في المسجد والمطعم والمتجر وملصقة على سيارات ومكتوبة على جدران بعض البيوت ومزخرفة في واجهة عمارة .. ولأن معظم الناس يعيشون حالة تنويم اجتماعي وحالة انفصام تجدهم يسوقون تلك العبارة رغم أنهم يدركون أن تعاليم دينهم ضد القيمة التي تسوق لها ورغم أنهم تعلموا في المدرسة “أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم”!- العبارة المشار إليها هي من القول الفصيح، أي سبكها قديماً واحد من الخاصة، ولما دخلت ضمن مركبات ثقافتنا تناسلت وتكاثرت وراجت بين الناس بصيغ شعبية مثل “لما تشا الشر يأتيك أفعل الخير”، و”أترك فعل الخير ما ترى شر” و”خير ما تفعله شر ما يجيك” وزاد جابت لنا المسلسلات المصرية “خيراً تفعل شراً تلقى”! فمتى كان الإحسان مجلبة للشر ومن قال إن فعل الخير يرجع لصاحبه بالويل؟.قطعاً هناك ناس يقابلون الخير بالشر ويردون على الحسنة بالسيئة، ولكن هذا هو الاستثناء وليس القاعدة، والحالة الخاصة يجب أن لا تسقط على الجميع، والاستثناء لا يجوز أن يغلب القاعدة.- قلت ما قلت متأثراً بحالة إنسانية .. انقلبت في الطريق سيارة وكان هناك مصابون أصبحوا عرضة للموت إذا لم ينقلوا إلى المستشفى، حاولت التوقف لكي نقوم بالواجب، فمنعني صاحبي بقوة وأشهر في وجهي أسلحة فتاكة من نوع “اتق شر من أحسنت إليه” و”أترك فعل الخير ما ترى شر”، واستشهد لذلك بواقعة حدثت معه .. أسعف مصابين فإذا بمندوبي المباحث في المستشفى يحتجزونه ويحتجزون سيارته، وبعد أن فاق المصابون من الغيبوبة أدعوا أن أموالاً طائلة كانت بحوزتهم .. ولم يخرج من محنة الخير إلا بعد غرامة ومشقة .. قلت له : قد لا يحدث مثل هذا في المرة التالية والتي بعدها.
أخبار متعلقة