نبض القلم
علماء الدين مرشدون ، وإلى طريق الحق هادون ، وليس عن طريقهم يكون قبول العبادة أو رفضها وإنما هم كغيرهم مسؤولون أمام الله عما عملوه ، وفي ذلك قال تعالى “لست عليهم بمسيطر” ( الغاشية ، 22) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها / “ يا فاطمة بنت محمد إني لا أغني من الله شيئاً.ونفهم من ذلك أن الإسلام حرر العبادة من قيد الوساطة ، كما حررها من قيد المكان والزمان ، وهو ما امتاز به الإسلام عن غيره من الأديان ، ففي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب من مسير شهر ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى أمة خاصة ، وبعثت إلى الناس كافة ، وجعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً ،وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل”.وبعض الناس يتصورون أن العبادة مقصورة على أداء الفرائض فحسب في حين أن العبادة عامة تشمل كل عمل يؤدي إلى الحق ويهدي إلى الخير ، ومقصود بها عمارة الدنيا ، فلا تستقيم الحياة إلا بها، فالأكل والشرب والنوم وسائر الأعمال التي تتطلبها الحياة اليومية، إذا فعلها الإنسان بنية الامتثال لأمر الله تعالى فيما أباح ، وعف عن الحرام ، يكون مؤمناً صالحاً ، فهو يتخذها وسيلة معينة ، وحافزاً قوياً للقيام بالواجبات التي فرضها الله عليه ، وهذا المؤمن هو الذي عناه الحديث الشريف : “ المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف”.فالإسلام لا يحرم على الإنسان حظوظه الطبيعية أو ميوله الغريزية ولم يجعل زهده فيها أفضل من ممارستها ، إنما أراد بهذه الحظوظ والمتع سبيلاً وسطياً لا تجاوز فيه ولا اعتداء . ويوائم الإسلام بذلك بين العقل والعاطفة، فيعنى بالجسد والروح معاً ، ولا يسمح لأحدهما بأن يطغي على الآخر ، قال تعالى : “ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً “ ( البقرة 143) .وعندما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ناساً كانوا قد أجهدوا أنفسهم في العبادة أنكر عليهم فعلهم وقال لهم : “ والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأنام ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني.”إن الإقبال على الحياة والتمتع بها في حدود المنهج المستقيم الذي رسمه الإسلام يمكن أن يكون عبادة إذا صحبه نية طيبة خالصة لوجه الله ، فالنية الحسنة أساس كل عمل، حتى اللقمة يرفعها الرجل إلى فم امرأته قاصداً إيناسها وإدخال السرور إلى قلبها ، تأكيد عرى المحبة والمودة بينهما ، يعتبر ذلك عبادة قال تعالى “ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة “ ( الروم ، 21) ومن هنا كانت النية أصلاً جوهرياً من أصول العبادة “ إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى”.وإذا كان الإسلام قد وسع في معنى العبادة ، ليشمل سائر الأعمال التي يقوم بها الإنسان ، تمثلاً وانقياداً لأمر الله تعالى ، فليس ذلك بمغن عن أداء الفرائض التي فرضها الله تعالى ، والتي على أساسها بني الإسلام ، كالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج للمستطيع، لأن هذه الأركان هي أعمدة أساسية للاتصال بالله ، مع عدم إغفال الأعمال الأخرى التي يستقيم بها حال الإنسان.فالإسلام يقوم على أساس العلاقة الحسنة بين الناس ، وعلى التعامل الكريم معهم ، إلا أن بعض الناس يفهمون الإسلام فهماً خاطئاً ، ولا يفهمون حقيقة العبادة ، وما تؤدي إليه من شعور طيب نحو المجتمع ،وكثيراً ما يؤدي هذا المفهوم الخاطئ إلى الابتعاد عن جوهر الدين ، فالإسلام ليس منفصلاً عن حياة الناس ، والعبادة فيه مرتبطة بالعمل وغاية العبادة في الإسلام التأثير في سلوك الإنسان وجعله صادقاً مع نفسه ومع الجماعة التي يعيش فيها . وبعض الناس للأسف كثيراً ما يؤدي الفرائض المكتوبة ، غير أن سلوكه مع الناس فيه اعوجاج والتواء ، فهو عند تعامله مع الناس يتعامل معهم ببغض وكراهية ، فهو يسيء إليهم ، ويترصد أخطاءهم / ويتعمد إيذاءهم ، إن هذا أو أمثاله غير صادقين في عقيدتهم ، لغلبة الأنانية على سلوكهم ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : “ ليس الإيمان بالتمني ، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل”.[c1]* خطيب جامع الهاشمي الشيخ عثمان[/c]