في دراسة ميدانية للهيئة العامة للآثار والمتاحف
صنعاء / سبأ:أكدت دراسة ميدانية أجرتها الهيئة العامة للآثار والمتاحف بالتعاون مع الصندوق الاجتماعي للتنمية في إطار برنامج الحفاظ على التراث الثقافي اليمني اندثار نحو /35/ في المائة من الحرف اليدوية والصناعات التقليدية التي عرفتها مدينة صنعاء حتى منتصف الأربعينات من القرن الماضي.وأشارت الدراسة إلى أنه لم يبقَ حتى الآن سوى/28/في المائة من سكان مدينة صنعاء القديمة يزاولون حرفهم باقتدار رغم ضغط الاستيراد الخارجي المنافس، الذي بات يهدد مصدر دخل معظم الحرفيين ووقوعهم بين مخالب الفقر وهو ما يهدد بزوال ما تبقى من هذه الحرف.وأسفرت نتائج الدراسة التي شملت مسحاً ميدانياً وحصراً وتوثيقاً للحرف اليدوية و الصناعات التقليدية بمدينة صنعاء القديمة عن معرفة وتقييم واقع تلك الحرف التقليدية من رّداء، وزي أو حُلية، تميزت بها مدينة صنعاء عن سائر الحواضر العربية بخصوصية تلك الحرف والصناعات التقليدية... التي صنفتها إلى:ـ حرف مندثرة “ تماماً” كصناعة السلب بنوعيها النباتي والحيواني، صناعة أدلاء الماء الجلدية، وحرفة صناعة القفل الغثيمي، والغزل (الحياكة) الفريد، و الشَمِيْل، والعباءة، والمصاون، والغراير، وحرفة صناعة المدايع، حرفة صناعة الدروع النحاسية الخاصة برؤوس المغامق وحرفة صناعة الصابون، والكبريت، والشمع، وبعض المنتجات الجلدية، مثل المسبّات والغُرِوب.- فيما شملت الحرف التي على وشك الاندثار حرفة المغالق التقليدية، حرفة الصباغة، حرفة المنقالة، حرفة الدباغة، حرفة الحدادة، حرفة صناعة الكوافي التقليدية، المكاييل الخشبية،والتزج والحضية.ـ حرف تحت الخطر: ومنها ما أعدته الدراسة تحت خطر فقدان الهوية، كحرفة صياغة الفضة، العقيق، النجارة التقليدية، الجنابي، أحزمة الجنابي. ـ أما الحرف المنتعشة فهي حرفة الحباكة، حرفة الحزم والمحازق، حرفة العسوب، حرفة المواقد، حرفة النحاس، المخبزات.وخلصت الدراسة إلى عدد من التوصيات بغرض إيجاد حلول ممكنة ولو مَرْحَلِياً كوضع ضوابط قانونية تحد من كثرة المستورد، و ما يسببه من آثار اقتصادية بالغة السوء تُلحق أضراراً يومية تهدد مصير الحرفيين، الأمر الذي يجعل أغلبهم يعيشون عند مستوى خط الفقر.وفيما يخص حرفة المعاصر التقليدية أوصت بضرورة التنسيق مع وزارة الزراعة بالعمل على زيادة نسبة البذور الزيتية الكفيلة بتأمين حاجة المعاصر منها، و توفيرها بأسعار مناسبة، و العمل على جعل هذه البذور المحلية سلعًا نقدية قابلة للتصدير الخارجي، إذا ما أنتجت زيوتها بطريقة العصر البارد(الطريقة التقليدية).و أوصت وزارة الصحة بالاهتمام والإشراف على عمل المعاصر التقليدية لضمان مستوى نظافة المعاصر التقليدية. وبخصوص مهنة النجارة دعت الدراسة وزارة الصناعة والتجارة إلى إعادة الاعتبار لحرفة المكاييل الخشبية، والقيام بدورها المسؤول والقانوني بين التجار وصُنَّاع المكاييل و إلزام التجار بمعايير مكاييلهم سنوياً، والعمل على دعم وتشجيع حرفة النجارة التقليدية، و كذا الاهتمام بالأماكن التي تتوفر فيها الأشجار غير المحمية الصالحة للنجارة، وإكثار غرسها كأشجار(الطنب، العلب، الطلح، والغضار) وحمايتها من التعامل العشوائي الذي يهدر هذه الثروة الطبيعية. وفيما يخص مهنة الدباغة، والصناعات الجلدية أكدت الدراسة ضرورة تشجيع الحرفيين في حرفة الدباغة، ودعمهم بإنشاء المدبغة الحديثة بتقنياتها التي تُمَكِن الحرفي من زيادة الإنتاج اليومي، وتغطية حاجة الحرف الأخرى في السوق المحلية على الأقل، ذلك في المناطق المهيأة لها، وحماية مهنة الصناعات الجلدية بالحد من التصدير الكامل للجلد الخام، الذي يشكل المادة الأساسية لصنع الأحزمة والمحازق، والأحذية والحقائب وغيرها من المشغولات الجلدية؛ ووضع ضوابط لتصديرها.إلى جانب تدريب وتأهيل كوادر جديدة من الحرفيين في مجال خرازة الجلد بطرق آلية وحديثة ورفد هذه الحرفة بحرفيين جدد متخصصين والاستعانة بالخبرات العربية في هذا المجال، وتشجيع الحرفيين، معنوياً ومادياً، سواء بالمساعدات العلمية أو بتقديم قروض ميسّرة تمكنهم من إدخال وسائل حديثة لتسهيل عملية الإنتاج.كما أكدت أهمية إلزام الجهات المختصة كالكليات والمؤسسات العسكرية بشراء احتياجات الطلاب من الأحذية و الأحزمة و جيوب المسدسات وغيرها من السلع المحلية، التي يستطيع حرفيو المنقالة والحزم والمحازق توفيرها.وعن الحلي التقليدية المصنوعة من الفضة التي لعبت دورا أساسيا ومهما في حياة المرأة اليمنية ومحورا رئيسيا في زينتها أشارت الدراسة الى تراجع انتاجها المحلي في ظل إنصراف محترفي صياغة الحلى التقليدية نحو صياغة الذهب، نتيجة الاهتمام بالذهب والإقبال المتزايد عليه منذ بداية السبعينات و انصراف النساء عن اقتناء المصوغات الفضية، ناهيك عن لجوء معظم صائغي حرفة الفضة إلى تذويب الفضة القديمة (الخشر) لتحويلها إلى مواد خام جديدة،وهو ما يؤدي إلى هدر هذا التراث الفني العظيم.وأوصت الدراسة بضروة تشجيع الشباب من صائغي الفضّة الجدد في سوق المخلاص بالترويج لمنتجاتهم، ودعمهم من خلال إتاحة الفرصة أمامهم للمشاركة في المعارض الدولية و الإقليمية كصائغين يمنيين معاصرين، والاستفادة من خبراتهم في تدريب كوادر جديدة من الشباب من الجنسين.ومن التوصيات العامة التي خلصت إليها الدراسة ضرورة تطبيق قانون حق الملكية “الحماية الفكرية” على الحرفيين، وتفعيل قانون صنعاء وتطويره بما يتلاءم مع مستجدات العصر، وخاصة ما يتعلق بإلزام الحرفيين في مجال الصياغة بأنواعها، بوضع الأختام التي تحمل أسماءهم على ما يقومون بإنتاجه، ووضع الضوابط القانونية التي تحد من الغش، والعمل على زيادة تشغيل أيدٍ عاملة في المهن الحرفية التي يزيد الإقبال عليها للتخفيف من البطالة ودرء الفقر.كما أوصت بالعمل على إحياء أقدم الحرف التقليدية المنقرضة والمهددة بالانقراض، وتفعيل جمعية الحرفيين التي أُعلن عن إقامتها لتدريب أبناء الحرفيين وصقل مواهبهم، وتمكين الحرفيين الأصليين، من غير تجار السوق، من المشاركة في الفعاليات والمعارض الموسمية الإقليمية والدولية.كما أكدت ضرورة وضع ضوابط قانونية تحد من إغراق أسواقنا بالصناعات الحرفية المستوردة، بما يضمن حماية الصناعات الحرفية الوطنية، كما دعت إلى تبنى إستراتيجية جديدة لتنمية كافة الصناعات الحرفية بما يحقق لها جودة عالية تمكنها من المنافسة محلياً وخارجياً،وكذا توجيه جهات الاختصاص في التربية والتعليم بتضمين المناهج الدراسية مواضيع تتعلق باحترام العمل اليدوي في الحرف اليدوية في كل مجالاتها، واحترام من يقوم بممارستها لإعادة الاعتبار إلى المهن التي ينظر إليها المجتمع نظرة دونية، وضرورة اقتناء منتجاتها كمنتجات متميزة وراقية وعلاقة ذلك باحترام هوية الإنتماء للوطن.كما أكدت تبنى خطة إعلامية عبر أحدث الوسائل الترويجية للمنتجات الحرفية الوطنية وإقامة الأسواق التجارية لليمن إقليمياً ودولياً و دراسة إمكانية تصدير المنتجات الحرفية التي يكثر الطلب عليها وبالأخص الصناعات القابلة للتصدير، ومنح التسهيلات والإعفاءات الضريبية لهذه الصناعات التي تكاد تختفي، وفتح المجال واسعاً أمام الشباب وانتشالهم من البطالة والضياع. وشددت على أهمية تثبيت الأسواق التقليدية في مواقعها الحالية ووضع اللوحات الإرشادية باللغتين الإنجليزية والعربية وتوجيه الجهات المختصة بالاهتمام اليومي بالنظافة العامة للأسواق و أمام المحلات، ذلك لارتباطها الوثيق بصحة المواطنين والمتسوقين من ناحية، وبالجانب الجمالي والصحي للمدينة وأسواقها وحماية البيئة من التلوث. ووثقت نتائج الدراسة ومشروع المسح الميداني الذي قام به فريق متخصص برئاسة مدير عام الدراسات والبحوث بالهيئة العامة للآثار والمتاحف أمة الباري العاضي في مجلدين صدرا مؤخراً في أكثر/1200/ صفحة من القطع الكبير احتوت على نتائج وتوصيات الدراسة ووثقت /25/ حرفة يدوية و صناعة تقليدية عرفتها مدينة صنعاء القديمة. كما شملت توثيق كل منتجات الحرف اليدوية القديمة والنادرة بكل وسائل التوثيق الحديثة كالتصوير الرقمي والفوتوغرافي وتسجيل لقاءات ميدانية مع أرباب الحرف، وتوثيقها كتابياً وتسجيلا بالصوت والصورة، فضلا على توثيق كل ما يتعلق بإنتاج تلك الحرف من أصوات وأغان يؤديها الحرفيون في كل حرفة من الحرف المختلفة.إلى جانب استخدام نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي أس) لإعداد خارطة حرفية رقمية لمدينة صنعاء القديمة، تبين و تبرز أماكن ونقاط تجمع الحرف وانتشارها ، وتوزيعها في ثنايا أسواق وأزقة وأحياء المدينة القديمة، بالإضافة إلى تحليل البيانات التي تم جمعها ميدانياً وتفريغها في جداول بيانية تشمل اسم الحرفي و نوع الحرفة و إسقاطها على نظام (جي اي اس ) قاعدة البيانات الجغرافية الرقمية الأحدث عالمياً بهدف إنشاء خارطة حرفية لجميع الحرف اليدوية في جميع محافظات الجمهورية، ذلك بغرض تسهيل مهمة الباحثين والمنظمات الدولية في التعرف على ثقافة اليمن من خلال أنظمة معلومات متطورة، يمكن إدراج صفحة خاصة بها في الإنترنت التي كانت نتيجته إخراج 25 خارطة حرفية فرعية إلى جانب الخارطة الرئيسية.