بمناسبة الذكرى الثالثة لرحيل الفنان الكبير محمد سالم بن شامخ التي تصادف السادس والعشرين من يناير الجاري
عصام خليديإن الحديث عن مسيرة الفنان محمد سالم بن شامخ لا يمكن تلخيصه بسطور عابرة فهي زاخرة وحافلة بالعطاءات التي حملت أبعاداً ورؤى وقيماً فنية جميلة متأصلة كانت تصب بمجملها في خدمة للغناء اليمني والإرتقاء به..فقد بدأت تظهر موهبته في محيطه الأسري وتأثره ببيئته ونشأته في م/ حضرموتالتي ولد بها وتشبع بكل مافي هذه المدينة من تلاوين وفنون الغناء الصوفي الديني وفن الدان والساحل مروراً بإلتقائه بالفنان الراحل العظيم محمد جمعه خان وتأثره بعوالمه الإبداعية الساحرة.وأيضاً صحبته الملازمة لذلك العملاق التي رمت بظلالها الثرية وساهمت بشكل فاعل في تنمية وتشكيل ذائقة الفنان محمد سالم بن شامخ ومن ثم انتقاله إلى مدينة عدن في بداية عام 1964م وما حدث من تغيير إيجابي غيّر في مسيرته الغنية إلى الأفضل متأثراً بسحر مدينة عدن التي كانت في ذلك الوقت تمثل قمة الإشعاع الثقافي الفني والإبداعي والسياسي والاجتماعي فأصابته ببريقها ووهجها الفني الساطع.وفي الواقع إنني تحدثت مع الفنان الكبير محمد سالم بن شامخ رحمه الله كثيراً في لقاءاتنا التي كانت تتم عادة في منزله وكان لحديثه شؤون وشجون فسألته ذات مرة إلى أي مدى تأثرت بالفنان اليمني القدير رحمه الله (عمر محفوظ غابه) وكانت دهشته الكبيرة لسؤالي الذي رآه مهماً إذ أنه بحسب قوله لم يسأله أحد من قبل عن العلاقة التي جمعته بالفنان عمر محفوظ غابة وأنه يعتبره أستاذاً له الفضل الكبير عليه كفنان في بداية حياته وقد اتفقنا بعد حديث طويل وهام على أهمية علاقتهما الغنية وطلب مني تسجيل كل تفاصيل ذلك الحوار في دراسة مستفيضة وجادة سوف نتطرق إليها في لقاء آخر إن شاء الله.وتجدر الإشارة هنا إلى أن لمدينة عدن بإنطلاقة الفنان محمد سالم بن شامخ صلة وثيقة فقد أبدع وتميز بعطاءاته المتفردة من روابي وشواطئ مدينة عدن الساحرة الدافئة والخلابة فاستطاع في عدن أن يقدم فنه وإضافاته وبصمة إبهامه التي تحسب له كواحد ممن أسهموا في تطوير الغناء اليمني الحديث سواء كان ذلك بألحانه التي قدمها بصوته أو بالألحان الجميلة التي قدمها بأصوات عربية ومحلية فمن منا لا يتذكر الفنانة هيام يونس وهي تشدو برائعته (حبيبي ورد في غصنه) وألحانه الجميلة التي قدمها للفنانين الكبار عبد الكريم توفيق/ عبد الرحمن الحداد/ عوض أحمد/ والفنان ياسين علس وأنور مبارك كل هذه الأعمال الرائعة قدمها في مدينة عدن ولعل أبرزها (حبيبي ورد في غصنه/ شني يامطر/ يا جمال/ بلبل سحرني جماله/ نجوى الحبيب/ عيني على الزين/ كفاية ذي حصل منك/ عيوني سهارى/ عشنا.قام بتأليف مجموعة من القصائد الغنائية التي قدمها بصوته وسجلت لتلفزيون وإذاعة عدن والفضائية اليمنية وللعديد من الأقطار العربية.أستطاع الفنان محمد سالم بن شامخ أن يستوعب كل أنماط وأشكال الغناء الحضرمي بتعدد وثراء إيقاعاته ورقصاته المطرزة بإشتغالات نغمية موسيقية مستمدة ومستنبطة من رحم الأرض وخصوصية البيئة بكل تضاريسها وتلاوينها الجغرافية فأبدع وأجاد في (غناء الدان) وتميز باقتدار في (الغناء الساحلي) ثم قدم نتاجاته وعطاءاته المتفردة مستفيداً من الموروث الغنائي الحضرمي الزاخر متكئاً عليه في صياغة قوالبه الغنائية والموسيقية الجديدة التي حملت بصمته.تميزت تجربة الفنان (بن شامخ) الغنائية والموسيقية (بتعدد مصادرها وتأثرها بالغناء العدني والحضرمي بالإضافة للغناء اللحجي والأبيني »البدوي«).وكان لقرار تشكيل (فرقة القوات المسلحة) بعد الاستقلال الوطني في عام (1967م) الأثر الفني الكبير عليه باعتباره واحداً من أعضائها البارزين بالإضافة لأسماء هامة لامعة بجانبه كالأساتذة:محمد سعد عبدالله/ محمد عبده زيدي/ عوض أحمد/ عبد الكريم توفيق/ فاروق عبد القادر/ أحمد محمد ناجي/ أبوبكر التوي وشقيقه صالح التوي/ مدهش صالح/ أحمد تكرير.هذه الكوكبة من المبدعين قدمت مجموعة من الأعمال الفنية الرائعة لساحة الغناء اليمني، ومما لا شك فيه أن (أجواء التنافس الفني) أفرزت مستوى إبداعياً عالياً في تلك الفترة (الذهبية) لأنها ضمت فنانين من مناطق متنوعة ومختلفة من اليمن فظهرت علامات التأثر والتأثير الفني بينهم لصالح الغناء اليمني وبالطبع استفاد الفنان محمد سالم بن شامخ في تجربته الفنية الغنائية كثيراً من ذلك ( التنافس الإبداعي وتنويعاته) ليتبلور بعدها ما قدمه بشكل جلي رائع بعطاءاته التي قدمها بصوته العذب وبأصوات الفنانين الذين تعامل معهم في الداخل والخارج لعلنا على سبيل المثال نتذكر هذه الأعمال التي تؤكد قدرته على تلحين قوالب غنائية موسيقية متنوعة ومتعددة بالإضافة لبراعته في صياغة الألحان الحضرمية 1- يا جمال 2- بلبل سحرني جماله 3- كفاية ذي حصل منك 4- عيني على الزين 5- عيوني سهارى.إن المستمع لهذه الأعمال الجميلة سوف يشعر من الوهلة الأولى الجهد الحقيقي المبذول في الإشتغال الفني والقدرة الرائعة على التجدد والتنوع دون التكلف والتصنع، ثم نأتي إلى أسلوب وشكل غنائي مختلف في التلحين أستطاع أن يقدمه بنجاح باهر في هذه الأعمال الرائعة :1- حبيبي ورد في غصنه 2- شنِّي يا مطر 3- نجوى الحبيب.استخدم الفنان محمد سالم بن شامخ معظم المقامات الموسيقية الشرقية منها : البيات/ الكرد الراست/ الهزام/ الحجاز وغيرها.قدم الفنان بن شامخ باقة متميزة من الأعمال الوطنية والأناشيد الوحدوية الموثقة في وسائل الإعلام اليمنية.له العديد من المشاركات الناجحة في المحافل العربية والدولية استطاع أن يمثل بها الغناء اليمني بشكل رائع مشرف كان آخرها (مهرجان باريس).عُرف (بتواضعه ودماثة أخلاقه وسماحته) وبعده عن الضغائر وكان رحمه الله محباً عطوفاً لزملائه وناكراً للذات.كلمة لابد منها : اسعدني كثيراً ما شهدناه من حراك وتفاعل إبداعي وفكري حدث بعد وفاته تبلور في النشاط النوعي المستمر الذي تجسد بأروع صورة بتحويل (سكنه الخاص إلى منتدى ثقافي وفني) تدار من خلاله العديد من الفعاليات الثقافية متعددة الأهداف والجوانب راقية الشكل والمضمون تقام بانتظام بالتعاون والتنسيق مع الأوفياء من مثقفي قيادة وأعضاء جمعية تنمية الموروث الشعبي إحياءً وتقديراً وعرفاناً لدورومكانة الفنان الكبير محمد سالم بن شامخ رحمه الله.ختاماً : من خلال قراءتي لتجربة الفنان القدير محمد سالم بن شامخ استطيع القول أنها مرت بمحطات كثيرة بدأ بها مشواره الفني في م/ حضرموت (عصامياً) وطاف بروحه وبقلبه طائراً محلقاً ومغرداً في كل ربوع اليمن.