يعرف الفساد بأنه : كل عمل يتضمن سوء استخدام الوظيفة العامة لتحقيق مصالح خاصة للذات أو للغير سواء كان ذلك العمل مخالفاً للقانون أو بتطويع القوانين لتحقيق ذلك..وقضية الفساد من القضايا التي لها تأثيرها على كافة أفراد المجتمع، وذلك لأن قضايا الفساد - بشكل أو بآخر - ينتج عنها تقليص فرص البعض من أجل محاباة آخرين مما يقضى على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، كما أن مخاطر الفساد عديدة ومتنوعة فهو يهدد موارد الدول ويعرّض التنمية وسيادة القانون للخطر، كما يزعزع استقرار المجتمعات وأمنها، ويقوض بنيان القيم الأخلاقية والعدالة والمساواة إضافة إلى أنه ينمّي سائر أشكال الجريمة وخصوصا الجريمة المنظمة والجريمة الاقتصادية. والفساد - بشكل عام - يُعدُّ أحد أبواب الشر، وهو سلوك إنساني مشين مخالف للقانون والضمير الإنساني، تحركه المصلحة الذاتية، وهذا السلوك قد يكون ناتجاً عن ضعف الوازع الديني أو عن جشع وطمع البعض، أو عن موت الضمير وسوء الأخلاق .. إلى غير ذلك من الأسباب التي لسنا بصدد حصرها..وإجمالاً نقول أن هناك من الأشخاص من هم مفاتيح للشر ، مغاليق للخير ، وهؤلاء هم شر الناس، وهم الفاسدون المفسدون في المجتمع!! بيد أن هناك من هم مفاتيح للخير مغاليق للشر؛ وهؤلاء هم خير الناس ، الذين تنعقد عليهم الآمال لمكافحة الفساد والعودة بأربابه إلى سبيل النزاهة وجادة الرشاد ..ولذا فإن الفساد موجود منذ أن انفصل الفكر الإنساني عن منبع الطهر والنقاء ، واتصل بمصدر الاستكبار والغرور والحقد والحسد والأنانية.. ولم يعُد الفساد اليوم شأناً وطنياً ، بل تعداه ليصبح ظاهرة عالمية ، إذ بدأ ينخر حتى في بنيان المجتمعات المتقدمة ، فقد تطورت أساليبه بتطور الحياة .. حتى أصبح الفساد بتطوره يهدد الأمن وخطط التنمية ، ويقوض مؤسسات الدولة ، وينخر هيكل سفينة المجتمع . ولذا كان لابد من أن يشحذ ركب الخير في المجتمع سيفه ، ويوقظ هممه ، ويلبس درع القانون ، ويشمر عن ساعد الجد ليوقف زحف الفساد ويضع له حداً .. وفي هذه العجالة يقتضي الأمر أن نشير إلى أن مكافحة الفساد والسيطرة عليه لابد أن تتم على صعيد المجتمع ككل ، وكذا على الصعيد الداخلي للمؤسسات .. وإذا كان الدور الأخير تقوم به الإدارة العليا لكل مؤسسة ؛ فإن الدور الأول منوط بالدولة وهو الدور الأهم والأكبر، ولكن بلا شك فإن الدورين متلازمان ومتكاملان .. من أجل ذلك تضمن البرنامج الانتخابي لفخامة الأخ رئيس الجمهورية موضوع مكافحة الفساد، واعتبره خياراً ثابتاً ومساراً لا يتوقف، وذلك بالسعي الدؤوب لمكافحته من منبعه من خلال الإصلاح المالي والإداري، وتعزيز دور القضاء، وتفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة، وكذا تفعيل دور الهيئة العامة لمكافحة الفساد، وترسيخ مبدأ سيادة القانون في كل جوانب الحياة، كل ذلك في سبيل القضاء على الأرضية التي ينشأ فيها الفساد، وتطوير آلية مكافحته بصورة فاعلة.. إلا أن هذه الآلية تحتاج إلى دعم شعبي ومشاركة جماهيرية من كل واحد منا.. فمكافحة الفساد واجب لا يقع على كاهل فخامة الأخ رئيس الجمهورية فحسب؛ ولا على عاتق هيئة مكافحة الفساد، بل هو واجب وطني وفريضة شرعية مكلف بها كل مواطن .. ولذا يجب أن ندرك جميعنا في هذا المجال أننا كلنا علي عبدالله صالح، وكلنا هيئة مكافحة الفساد.. فبناء يمن جديد ومستقبل أفضل مرهون بتكاتفنا جميعاً وتحمل المسئولية كلٌ في مجال اختصاصه، وعدم التفكير بعقلية الضحية، بل التفكير بمسئولية.. فالفساد ليس محصوراً في مكان معين، ولا في مؤسسة أو مشروع بعينه.. ولذا فإن مكافحته تقتضي في البداية أن يفي كل واحد منا بالتزامه الأدبي في محاربة الفساد؛ وذلك الالتزام قد تم بشكل ضمني عندما اقتنع كل منا أن ينتسب لهذا الدين الحنيف الذي ينبذ الفساد، ووافق أن يتقلد مسئولية معينة في الدولة اعتبرها مصدراً لعيش حلال؛ فصارت تكليفاً لا تشريفاً، وقبِلَ أن يعيش في هذا المجتمع المدني الذي لبى احتياجاته في البقاء والاستمرار في حياة جماعية يستفيد من خدمات هذا وطاقاته، ويفيد ذاك بخدماته وطاقاته، فصار هناك تناغم وتعايش مثَّـل هذا المجتمع المدني الذي لولاه لعشنا فرادى ومنعزلين عن بعضنا..فالإنسان مدني بطبعه، ولذا فإن ضريبة هذه المدنية أن يكون كل منا مصدراً للخير العام، وأن يؤدي وظيفته الاجتماعية في الحفاظ على ذلك الكيان الجماعي متماسكاً وقوياً.. فإذا أدى كل منا واجبه في محاربة الفساد وبدأ بنفسه ومحيطه؛ فليوسع الدائرة خطوة خطوة، وذلك امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم : « من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ».. وإذا كانت مكافحة الفساد داخل كل مؤسسة تقع على عاتق الإدارة العليا فإن الإدارات الدنيا لا تقل مسئولية عنها في حدود اختصاصاتها.. ولا يخفى على أحد ما يمثله البحث العلمي من أهمية في هذا المجال؛ إذ إن إسهام الباحثين من الخبراء والأكاديميين في دراسة هذه الظاهرة، وتحليل أسبابها وصياغة الحلول والمعالجات يُعد المصباح الذي ينير للسلطة التشريعية الطريق لتسير بخطى واثقة نحو صياغة قوانين محكَمة لمحاربة الفساد ومكافحته بما يتواءم مع حجم المشكلة وخطورتها.. ثم يأتي دور التطبيق الحازم والحكيم لهذه القوانين، كل ذلك في سبيل تفعيل مبدأ سيادة القانون، وأن يكون الجميع أمام القانون سواسية، لا فرق بين أمير وغفير، ولا غني وفقير، مع التأكيد على عدم حصر جهود المكافحة في التشهير بحالات فردية منتقاة بغرض تصفية الحسابات وخفض هذا من أجل ترفيع ذاك، والحيلولة دون الوقوع في فخ التسييس؛ لأن جهود مكافحة الفساد إن لم توجه الوجهة الصحيحة، ويكون الهدف الأول والأخير منها خدمة الوطن وبناء مستقبل أفضل؛ فإنها ستثمر فساداً أكبر وحقداً أعم.. وختاماً أقول: لا بد من وجود معايير في تقييم أداء المجتمع في مكافحة الفساد وأن تحاط هذه المعايير بدرجة عالية من سيادة القانون حتى تتمتع عملية المكافحة بالمصداقية، وتحوز على قبول المجتمع وبالتالي تنجح الدولة في إشراك المجتمع في تحمل مسئولية سيادة النظام والقانون في ظل الشفافية والمصداقية والجدية..
|
اتجاهات
ظاهرة الفساد وسبل مكافحتها
أخبار متعلقة