افكار
لعل أكبر أخطاء الفكر العربي انه مازال أسير الماضي وذكرياته الحلوة والمرة ، وبالتالي دائما تتردد على الألسنةأفكار ورؤى مقرونة بكلمة كان ..بينما يتوجب علينا أن نقرن رؤانا وأفكارنا بكلمة سوف.. فالتوجه السليم نحو الغد ينطلق من تفكير مستقبلي وليس على أساس الماضي والتراث، مهما تكن عظمته.ومن يتابع اغلب الصحف والفضائيات العربية يجد أننا مازلنا نكتب ونتحدث عن الأشياء التي حدثت وتناولتها الأقلام جيلاً بعد جيل بدلاً من أن نكتب عن الأحداث التي نتوقعها والتحديات التي يحتمل أن تصادف مسيرتنا... وأظن أن ذلك هو السبب في ذلك الجمود الذي لحق بالفكر العربي واحدث شللاً أقرب إلى الموت في عقليه الإبداع في شتي المجالات التي كنا فيها روادا مبشرين!إن الخطأ الكبير يكمن في أننا نتجاهل أن الذين سبقونا لم يتقدموا علينا بقدر ما نجحوا في التقدم على أنفسهم بسرعة التخلص من جميع العوائق التي كانت تعيق تقدمهم خصوصاً في الفترة الظلامية التي سادت أوروبا في العصور الوسطي تحت سيطرة اللاهوت !وليس يفيد الآن علي سبيل المثال أن نقول: إن أساس الحضارة الغربية الحديثة كان من نتاج الفكر العربي في العلوم والزراعة والطب والهندسة والمنطق والفلسفة لأن ذلك يحسب للغرب ويؤخذ علينا!وليس يفيد الآن أيضاً أن نقول: إن طب الرازي كان أساس النهضة في الغرب ، أو أن أوروبا تعلمت الفلسفة من تراث ابن سينا أو أن العالم كله لم يكن يعرف شيئا عن دورة الدم الصغرى قبل أن يكتشفها ابن النفيس ، فقد استطاع علماء وفلاسفة أوروبا أن يستفيدوا من هذه النهضة العربية والإسلامية وان يطوروها ، بينما بقينا نحن محلك سر.. بل انك ربما لو سالت أحداً عن هذه الرموز والإعلام لما وجدت أحداً في العالم العربي الآن قد قرأ شيئاً من كتب وأبحاث هؤلاء في الوقت الذي حصل فيه مئات الأوروبيين على درجات علميه متقدمة بعد أن أنجزوا بحوثاً مستفيضة عن عصور النهضة العربية والإسلامية وعن روادها!ولست افرط في جلد النفس والذات اذا قلت إن اخطر ما اصاب الفكر العربي واقعده عن استعادة عصور الإبداع اننا استسهلنا اللجوء الي نظريه الموامرة لتبرير عجزنا وتعثرنا وفشلنا.والحقيقه اننا حتى لو سلمنا بصحة نظرية المؤامرة فان ذلك ينطبق ويتجسد في تآمرنا علىانفسنا بأكثر مما ينسحب على تآمر الآخرين علينا ، لان من يراجع تاريخ القرن العشرين فقط علي سبيل المثال سوف يكتشف دون عناء ان الفكر السائد كان يروج لنظرية التخوين، فكل حزب سياسي كان يعتبر الأحزاب الأخرى أحزاباً خائنة وعميلة، وعندما تحقق الاستقلال الوطني وبدات لعبة الانقلابات العسكرية تسري كالعدوى في الجسد العربي منذ نهاية الاربعينيات أصبح كل ما كان قبل هذه الانقلابات شرا وفسادا حتى يجيء انقلاب جديد يفعل الشيء نفسه!وفي اعتقادي انه قد آن الأوان لاستحداث فكر عربي جديد يلغي تماماً ضرورات الالتفات إلى الخلف ويوقف تلك اللعبة المأساوية لتصفية الحسابات بين العصور والحقب ، فنحن بحاجة إلى فكر مستقبلي متطور يقدر على التعامل مع مجمل التحديات الراهنة بأكثر من حاجتنا لاجترار ذكريات الماضي![c1]* نقلاً عن صحيفة الأهرام المصرية[/c]