بعيداً عن ذكر ما مضى من حملات وجولات تحصين وطنية نفذت لغرض استئصال فيروس شلل الاطفال، وعن كل ما حققته من نجاحات في تغطية الفئة المستهدفة من الأطفال ( تحت سن الخامسة) لنقف امام مشكلة أساسها فئة قليلة من الناس تملكتهم الشكوك وزعزعت ثقتهم بمأمونية لقاح شلل الاطفال ما تردّدت إلى مسامعهم من شائعات مغرضة مشوّهة للتحصين نسجت للنيل من حاضر ومستقبل فلذات الأكباد ولتبديد ما أنفقته وتنفقة الدولة من أموال طائلة وما ينفقه العالم بأسره لإنهاء فيروس الشلل الذي أذاق البشرية المرارة والألم وحكم على الملايين بالإعاقة والعجز مدى الحياة ، بل وخلّف الكثير من الوفيات لما له من أضرار فادحة..فتارة يتهم لقاح شلل الأطفال بأنه يسبب العقم أو الأمراض وماشابه أو ينظر إليه بعين الشك والريبة مادام أنه جاء من بلاد اليهود والنصارى على حد مايصفه البعض منهم ، وهلم جرا.شكوك وشكوك وقع فيها أيضاً وللأسف الشديد طائفة من المتعلمين.ولانملك هنا إلا القول بأن الوضع خطير إزاء هذا الانقياد الصارخ الذي لايحتكم إلى أدلة منطقية ونتائج علمية تثبت صحة مايقال أو يشاع، ولاقبول ولا اعتبار لأي حكم أو أي قرار لايُبنى على اثباتات وتجارب علمية سليمة توصل إلى تلك النتائج..ألم يكن من الأولى تفهم الوضع الذي تمر به البلاد والذي فرضته عودة فيروس شلل الأطفال بعد تسلله اليها من السودان الشقيق ؟ أم أن المنقادين وراء الشائعات المضللة لايعيرون الأمر أهمية ؟ هل غاب عنهم أنهم يسدون خدمة كبيرة لفيروس شلل الأطفال ويساعدون على بقائه حراً طليقاً في البيئة ، بدلاً من أن يكون لهم اسهام في القضاء عليه نهائياً؟ جاعلين من أطفالهم عرضة للعدوى بفيروس قوي انطلق من بلادٍ بعيدة وهي نيجريا الواقعة على الساحل الغربي من القارة الافريقية وجاوزها إلى تشاد ثم إلى السودان وقد عبر القارة الافريقية من أقصاها إلى أقصاها وانتشر في الاخيرة انتشاراً كبيراً ومنها انتقل إلى اليمن متخطياً الحواجز والحدود في صورة وباءٍ شرس لم تشهد البلاد له مثيلاً،فأصيب به من أصيب من الأطفال المحرومين أصلاً من التحصين، عدا عن بعض الصغار ضعيفي المناعة المهملين الذي لم يتلقوا إلا القليل من جرعات التطعيم اللازمة ضد هذا المرض الخطير لعدم حرص اهليهم على نيلهم تلك الجرعات عند كل حملة وكل جولة للتحصين قبل بلوغهم الخامسة من العمر..والعجيب، بل والغريب أن ثمة من أفتى بحرمة التحصين ككل بغير علم ولاهدى،دون المواءمة بين مايقوله الأطباء المختصين الثقات في المسألة ورأي اهل العلم والفقة من علماء الأمة الاجلاء الذين يُعتد بعلمهم وبفقههم وزهدهم،للخلوص الى قول جامع غير منقوص.وليس من حرج في العودة الي الصواب، فهذا الشيخ / يوسف القرضاوي قد قالها ودعا الي العدول والتخلي عن ذاك الموقف غير الصائب الذي يقود بأطفالنا إلى دروب الخطر والاعاقة والعجز ،وببحثه في النصوص الشرعية وأقوال الاطباء الثقات أمثال الدكتور/ هيثم الخياط المعروف بكفاءته وزهده وعمله بكتاب الله وسنة نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وله من الكتب القيمة التي قدمها خدمة للإسلام والمسلمين، كسلسلة (فقة الصحة) ،قاده بحثه هذا إلى الرأي السديد وإلى الحجة القوية الداعمة للتحصين والداعية اليه ، المنكرة على كل من يمنع أطفاله منه ويمضي في مواقفة السلبية التي تشوّه سمعة المسلمين وتصفهم بالوقوف عائقاً أمام التقدم العلمي والطبي بعد ان كان لهم في الماضي السبق بين الأمم في نهضة الطب والعلوم.وإذا أردت اخي القارىء أن تتأكد من صحة وسلامة اللقاح عليك ان تعرف اولاً ان اللقاح لايخصص لدولة بمفردها ، وانه يمر بمرحلة انتاج طويلة تستغرق شهوراً طويلة يخضع خلالها لمعايير علمية دقيقة جداً ، بالتالي فالكمية التي تنتج منه تكون ضخمة جداً خفضاً للتكاليف وليتم توزيعها على دول عديدة سواء كانت عربية او اسلامية او غير اسلامية وتحت اشراف خبراء مختصين على درجة عالية من الكفاءة والثقة.كما تحفظ الجرعات باردة في ثلاجات وحافظات خاصة لضمان بقائها سليمة من التلف ،وعلى كل عبوة وضع مؤشر يشير الى صلاحية أو فساد اللقاح،فالتغيير في لون المؤشر بالتحول الى اللون الداكن يعطي دلالة على ان اللقاح لافائدة منه ، وعلى الفور يقوم العامل الصحي باستبدال العبوة التالفة بعبوة جديدة.وليس هناك مايقلق بشأن اللقاح وقد فسد بتلك الكيفية ، إذ يصبح اشبة بقطرة ماء لانفع فيها ولا ضرر.وقد يتساءل لماذا لاتشهد دول مجاورة ،كالسعودية ودول الخليج مثلاً حملات اشبه بالتي تقام في بلادنا؟الجواب.. ان الآباء والآمهات في هذه البلدان لايتخلفون عن تحصين ابنائهم دون العام من العمر منذ الولادة بجرعات التطعيم الروتيني المعتاد ضد أمراض الطفولة القاتلة والتي من بينها مرض شلل الاطفال، فنسبة الاقبال على تلك التطعيمات الروتينية فيها عالية جداً ،قد تزيد على 95% .وبالتالي فهي محمية تماماً من فيروس الشلل وليست مضطرة لاقامة حملات لمواجهة هذا المرض أو غيره من أمراض الطفولة القاتلة، فيما لايزال التحصين الروتيني في بلادنا متدنياً ويفرض الاستمرار في تنفيذ حملات لمواجهة الأمراض التي يمكن الوقاية منها بالتحصين بالعمل على رفع التغطية بالتحصين الروتيني المعتاد ضد أمراض الطفولة الثمانية القاتلة الى أن نبلغ ما بلغته تلك الدول من تغطية واسعة شاملة..وأحب أن أذكر في الختام إن تنفيذ الجولة الأولى من الحملة الوطنية الموسعة ضد شلل الأطفال للعام 2006م سيكون من منزلٍ إلى منزلٍ ،بالإضافة إلى وجود مرافق صحية ثابتة ومؤقته ستتولى تقديم خدمة التطعيم لكل طفل يتم احضاره إليها ولم يتجاوز سنه الخمسة اعوام..كما أن مدة تنفيذ الجولة هذه هي ثلاثة أيام على نحو ماجرت عليه العادة ،خلال الفترة 29-31 يناير 2006م ،وأي تقاعس عن تحصين الأطفال دون سن الخامسة ضد شلل الأطفال ليس فيه مكسب ،وإنما هو تقاعس عن حماية جيل المستقبل وأمله الواعد،يبدّد جهود سنين طويلة ويهدر اموالاً طائلة ويحول دون القضاء على هذا الداء الخطير..*المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني بوزارة الصحة العامة والسكان
لاتتردّد في تحصين طفلك دون سنّ الخامسة ضد شلل الاطفال
أخبار متعلقة