حدّدها المشاركون في بيئة وتكوين نفسي وخبرات حياتية:
من وفائع الندوة
القاهرة / 14 أكتوبر / ياسر مصطفي:أقيمت ندوة بعنوان (العوامل المؤثرة في أساليب الكتابة الحديثة)،في إطار فعاليات ملتقي القاهرة الرابع للإبداع الروائي التي اختتمت فعالياته بالقاهرة مؤخراً حيث أكد الروائي الليبي إبراهيم الفقيه في مستهل الندوة، أنه يميل دومًا إلى استخدام تقنيات كثيرة في أعماله الروائية، بدءًا من أساليب القصص الشرقي القديم المدون في كتب مثل (ألف ليلة وليلة) إلى التراث الشفهي الفلكلوري، كما في الحواديت الشعبية إلى أحدث التقنيات والمكتسبات التي حققها الإنجاز السردي الحديث علي المستوي العربي والعالمي.وقال الفقيه: استطعت التعامل مع هذه التقنيات، والخروج بهذه التوليفة التي انجزت بها عملي السردي (خرائط الروح)وهي رواية متعددة الأجزاء تستمد أحداثها من التاريخ المعاصر، الذي عاشته (ليبيا) في النصف الأول من القرن العشرين دون أن تكون رواية تاريخية، وإنما توظف التاريخ وما يصاحبه من محن وكوارث ومعاناة في إضاءة جوانب من السلوك البشري، وإظهار معادن الرجال والنساء، التي تظهر أكثر وضوحًا في مثل هذه الأوقات الصعبة الحرجةوأضاف لقد جاء رأي النقاد في الرواية علي أنها أطول وأكبر رواية في الأدب العربي الحديث، ورأها البعض الأكثر زخما وقوة، وأنا هنا أعلن استخدامي لكل الأساليب القديمة والحديثة في هذه الرواية·[c1]ملكية الشعر[/c]الكاتب أمين صالح أشار إلى أنه من الأخطاء الشائعة في الأوساط الثقافية العربية، اعتبار الشعر ملكية خاصة يتوارثها كتاب القصائد، ولا يحق لروائي أو تشكيلي أو سينمائي انتهاك هذا الحق والسطو على المخزون الشعري، الذي يحرسه كتاب القصيدة ببسالة، هكذا يريدون احتكار الشعر واغلاق منابعه عن مبدعي الأشكال الأخرى.وأوضح أن المؤيدين لهذا الأمر، هم النقاد المتأثرون بتقسيم أرسطو وأفلاطون إلى أنواع مستقلة ووضع حدود فاصلة بين ما هو شعر، وما هو نثر رافضين أن يكون بينهما جسور للتلاقي والتواصل، على الرغم من أن هذه النظرة المحافظة تدحضها الكثير من النصوص النثرية التي تصل إلي مستويات عالية من الشعرية.وأكد أنه مع نهاية القرن الثامن عشر والعصر الرومانتيكي، بدأ التمرد علي كل ما يكبل روح الشعر على التصنيفات الجامدة، وعلى الفصل بين فكرة الشكل وفكرة الجوهر الشعري، مشددين على أن الشعر لا يكمن في أي شكل محدد سلفًا وأن باستطاعة النثر أن يصبح شعرًا، ولم يعد صحيحًا أو مفيدًا التفريق بين القصة أو الرواية ككيان نثري، والقصيدة ككيان شعري، خاصة أن هناك قصائد نثرية تشبه القصة وتخلو من الإيقاع أو الموسيقي الخارجية، التي يشكلها الوزن والقافية ومع تداخل الشعر والنثر، أصبحت الكتابات النثرية أكثر ثراء بالصور الجمالية.[c1]هامش خصوصية[/c]
خليل صويلح
وقال الروائي خليل صويلح: لدى كروائي هامش خصوصية أختبر الكوارث بالتقسيط المريح، كوارث صغيرة علي شكل برشامات أحصل عليها بسهولة من أي صيدلية وطنية، أخذ حبة في الصباح وأخرى قبل النوم لكتابة نص مؤجل علي الدوام، وكنت أنهيت روايتي الأخيرة (دع عنك لومي) باقتباس من الشاعر الفرنسي (غيفيك)، (أكتب إليك من بلاد مظلمة دون أن يكون الجو ليلاً)، أنها جملة سحرية حقًا في وصف مالا يوصف جملة تختزل حياة لا تشرق فيها الشمس حتي في النهار، حياة بدون سلالم أو أنها بسلالم سرية تقودك إلى بئر العتمة والعدم لتدخل متاهات لا نهائية، وتغوص في الوحل الوطني إلى الركبتين في مستودع من الأكاذيب والغبار.وأضاف: لقد تأثرت بما قاله (أدغار موران): “إنه كوكب مختل حيث لا شيء يمكنه أن يحدث”.. هكذا استيقظ كل صباح أتلمس أطرافي ولون الريش في جناحي مزهوا بالفزع والكوابيس، وكنت كلما حاولت الطيران والتحليق عاليًا سواء في الكتابة أو في الحياة، ارتطم بتأثير قانون الجاذبية بالأرض الضيقة والنوافذ المغلقة والأرصفة التي تقود إلى الفجيعة، هكذا أثرت كل تلك العوامل في كتاباتي الأدبية فنظرتي للحياة هي ما أنتجه من كتابات وروايات.
أحمد الفقية
ومن جانبه، أكد الروائي عبدالحكيم حيدر أنه في إبداعه لا يجد أبدًا من يبوح له بالأسرار، لأن عائلته لا تفهمه، وفي ذات الوقت لا يستطيع أن يحدث أصدقاءه في هموم نفسه، لأنهم في الأصل مهمومون، إلى جانب أنه ليس لديه أصدقاء حميمون بالمعني الذي أقصده بالحميمية.وقال: أنا خجول، ولا أحب أن أتحدث عن أشجاني، والكتابة حالة من الشجن لا نستطيع أن ننفض ذواتنا من رواياتنا، وننفض رواياتنا من ذواتنا، التي تجري في رواياتنا مجرى الدم، ونحن في كل كتابة نطل علي ذاتنا من شرفة مختلفة، والرواية هي حلمي الذي أجمعه في النهار بحروفي.وأضاف: الكتابة عندي حلم صعب المنال، الرواية هي الحلم الناقص دومًا، أما القصة فهي الحلم المقصوص، ولكنه مشي على قدمين وفارقنا، لا أخاف علي قصصي، لأنها تسكن خارجي، تسكن خارج بيتي، وأخاف علي رواياتي، لأنها تسكنني، وليس لها من سكن خارج صدري، ولذلك كله تجد كل كتاباتي متأثرة بخجلي، ومن ثم خرجت بأشجاني خارج صدري.[c1]موت ثقافي [/c]
عبداللة خليفة
أما الأديب عبد الله خليفة، فأشار إلى أنه في عام 1965 يوم حل البرلمان في البحرين، وجد نفسه خلف أسوار المعتقل، وكل شيء يدعوه إلى الموت الثقافي والصراخ، ووجود الرفاق المستمر فوق رأسك وغياب الشاي والهدوء والنساء، ورغم ذلك كله أكتشف أن الكتابة في الظلام ممكنة، حين يختفي النور منذ العصر، ويمكنك أن تخربش فوق الورق المعتم وتملأ رأسك بالحبكات القصصية.وذكر خليفة أنه كتب روايات عدة على أوراق السجائر وعلب الصابون في السجن، واستطاع أن يرفد بخيال فسيح تسمح به أيام وليالي الفراغ الليلي لأناشيد المعتقلين.أكد أنه حين جاءت الثمانينيات خرج من بين الجدران بأعمال قصصية وروائية مخزنة في علب الحلاقة، وكان عليها أن تخرج معي، فوجدت الوطن لم يعد الوطن فثمة أحياء أخليت من العقل واجتاحها جنون الدكاكين الأجنبية، وغدا فيها البشر حصالات متجولة تعملقت الدولة وصارت حوتًا يبلع البشر، ومال الناس والقيم، وصار بيع الروح واللسان هو الخيار الوحيد لتحصل على عمل ومسكن.