د.زينب حزامتعد مدينة العود التاريخية،من المدن الحصينة التي بناها الملك الحميري،ممتدة الأسوار لا يصعد إليها أحد إلا بأمر الملك الحميري،وجعل منها برجاً لمراقبة القوافل التجارية القادمة من المخا والسوا،المحملة بالعود والمر،إضافة إلى البضائع المصنوعة في قمة جبل العود،وقد كانت هذه القوافل التجارية تذهب إلى ميناء غزة.. لتصدر من ذلك الميناء بضاعتها إلى معابد روما واسبرطة وأثينا.. حيث تفضل الآلهة البخور والمر المصنوع من أرض سبأ وحمير.ويعتبر جبل العود من الجبال الخضراء الشاهقة الارتفاع، حيث يصل ارتفاعها إلى ثلاثة آلاف متر عن سطح البحر، وهنا على قمة هذا الجبل بنى الحميرين الحصون والقلاع والمعابد وكان الملك الحميري يقدم البخور لآلهة المعبد، كما حمل الريدانيون القادمون من يافع الحميرية على أن يبنوا مدينتهم على هذا الارتفاع إلى الجنوب من العاصمة الحميرية ظفار ومن هذه القمة يستطيع ذو البصر الحاد أن يشاهد قمم الجبال البعيدة والطرق المؤدية إليها.. إنها حياة الحميريين الجديدة بعد أن نقلوا العاصمة اليمنية من مأرب إلى ظفار وغيروا طريق التجارة كي يحتفظوا بعاصمتهم الجديدة في منطقة جبلية تحميها من مناوشات البدو والغزاة الأفارقة القادمين من سواحل بحر القلزم وبحر العرب.وقد كان الحميريون يقطعون رؤوس كل من تسول له نفسه الصعود إلى الجبل بالسيوف (اليرعشية) وهذه السيوف نسبة إلى الملك شمر يهرعش، والمستخرج حديدها من جبل نقم في صنعاء.وتميز سكان جبل العود برعي الأغنام وزراعة البن والفواكه والخضروات.لقد رصف الحميريون أرضية البلاط الملكي وأرضية المعبد بالحجارة المسطحة المقطوعة من الجبال البعيدة، وهي ليس من حجارة الجبل الذي سكنوه، فالبلاط الملكي والمعبد بنيا من الحجارة السوداء الخشنة التي استخدمت كذلك في بناء الأسوار كما استخدمت الأحجار البيضاء القادمة على ظهور العبيد والدواب من صعدة وأبين وكذلك الحجارة الصفراء والخضراء القادمة من تعز من نوع تبرة وأحجار الجبس القادمة من ذمار، كل هذه الأحجار التي نحتت بطريقة هندسية رائعة وزخرفت بالنقوش والرسوم استخدمها الملك الحميري لبناء قصوره ومعابد الآلهة.لقد كان الإنسان اليمني متميزاً ببراعته في الهندسة المعمارية وصناعة القمرية اليمنية إضافة إلى حبه الشديد للنقوش والزخرفة على واجهات القصور والمباني التي يسكنها الناس العاديون.. كما أهتم الحميريون ببناء الأحواض المنحوتة من الأحجار الكبيرة التي تشبه البانيو الخزفي واستخدامها لحفظ مياه الأمطار، كما استخدموها للاغتسال. إن هذه الأحواض الحجرية تدل على مهارة البناء اليمني القديم وولعه بالنقوش والرسوم.[c1]قصر الملك الحميري[/c]لقد شيد القصر الملكي من عدة غرف متصلة عبر ممرات محكمة البناء ومداميك الأزقة تشبه مداميك القصر، في وسط البلاط الملكي بركة كبيرة تشبه النافورة حيث تجلس الملكة على كرسي حجري في الزاوية الشرقية ووصيفاتها حولها وتمسك إحدى الوصيفات مشطاً ذهبياً تسرح به شعر الملكة، بينما تقوم الوصيفة الأخرى بتدليك قدم الملكة بالعود المعتبر، وتقوم الوصيفة الثالثة بتبخير الملكة اليافعية ذات الجمال الباهر.وقد كانت الأعمدة في القصر الملكي الحميري تشبه الأعمدة اليونانية والرومانية، وهذا يعود إلى التبادل الثقافي والفن المعماري بين اليمن وإمبراطوريات العالم.لقد كان هناك علاقة بين الرومان وبين سبأ وحمير، فالحميريون والسبئيون لم يكونوا في معزل عن الثقافة اليونانية والرومانية، وكانت القوافل القادمة من اليمن تحمل التوابل والبخور والعود ويصدر إلى اليونان والرومان ومصر وكان التجار اليونان والرومان يأتون إلى اليمن. وهذا ما يدل على تبادل الثقافة بين الحضارات في تلك الحقبة الزمنية. وتدل النقوش الأثرية في جبل العود على هذه الحضارات المتبادلة بين هذه الدول. وكان السبئيون ومن بعدهم الحميريون يسيطرون على الموانئ من ميناء (فنا) في (بئر علي) إلى ميناء غزة، وفي عهد (كرب إيل وترا) الملك السبئي تم دفع الضرائب للملك سرجون الثاني ملك أشور الذي قويت سلطته في تلك المرحلة من تاريخ اليمن.وفي حيطان البلاط الملكي والمعبد وضع البناؤون فتحات صغيرة.. يعتمد عليها في وضع المصابيح للإنارة الليلية التي كان الحميريون يشغلونها في احتفالاتهم الدينية والانتصارات، كما أن هناك أحجاراً منحوتة في هذه المواقع الأثرية تدل على صنع السحاوق (الطماطم المسحوق مع الفلفل الأخضر) وهذه من الأطعمة المتوارثة عند اليمنيين، وربما تكون أحجار المذابح التي كان يقدم عليها اليمنيين القرابين، أما الأحجار المحفور على وجهها عدة حفر يصل عمق كل منها إلى (20) سم فتضع في رؤوسنا علامات التعجب.. فهل كانت هذه الأحجار تعزز فيها سواري الأعلام أم الحراب اليمنية، كي تبرق في الفضاء ويعرف من لمح البرق أن رماح الحميرين ستطاله حتماً.لقد كانت مدينة العود اليمنية مدينة متكاملة شملت كل مقومات المدينة اليمنية المتقدمة في حضاراتها.. كالسور المحيط بها وهو من أهم الآثار الموجودة فيها ويدل على مهارة اليمنيين في البناء إضافة إلى القصور والسوق والبيوت والمساكن العامة التي لم تتأثر بهجمات البدو لارتفاعها وقوة تحصينها وتشير المصادر التاريخية اليمنية إلى أن الريدانيين نزحوا من أراضي يافع قبل (100 ق .ب) إلى أرض (ذوعين) وأقاموا حاضرتهم الشهيرة (ظفار منكت) وأقترن ظهور دولتهم ببداية التقويم الحميري الذي بدأ نحوه 11ق.ب لقد عبر الريدانيون ذووا الأطول الحميرية الطريق التجاري القديم وأقاموا الموانئ على البحر الأحمر. وفي هذه الفترة كان السبئيون يحنون العودة الحكم الذي أنتزعه منهم الحميريون .. لذلك فقد استنجدوا بمواليهم من الأحباش لمساندتهم في انتزاع الحكم وتمكن الأحباش من العبور عبر البحر الأحمر والوصول إلى تهامة إلى ظفار ومحاصرتها وظن القائد الحبشي ريجه ) أن الحميريين سوف يستسلمون له بسهولة ولكنهم دحروه ولم يستطع أحد منهم أن ينجوا من ذبح الريدانيين ولكن عاد الأحباش في عام 533م لغزو اليمن انتقاماً لهزيمتهم السابقة ولمعاقبة ذي نواس الحميري الذي أحرق النصارى من الأحباش الذين بقوا كعبيد في مملكة حمير . لقد استطاع الأحباش الوصول إلى ظفار والعود وأحرقوهما وهدموا المنازل على رؤوس سكانها وبذلك طمرت تلك الحضارات الحميرية .. ومازالت أثار الهدم والتدمير شاهد على همجية الغزاة. مازالت مدينة جبل العود محتفظة بالمواقع الأثرية والكنوز التي دفنها ملوك حمير ولم يستطع الباحثون إلى اليوم الوصول إليها ولقد أكتشف أهالي مدينة العودة وجود أثار في عام 1997م وترددت الأخبار أن بعض الأهالي قاموا بطحن بعض التماثيل واللقى الأثرية ليبيعوها بميزان الذهب .. ولم يعرفوا قيمة هذه الآثار التاريخية نتيجة غياب الوعي والثقافة لدى سكانها وغياب دور الإعلام من تلفزيون وإذاعة وصحافة محلية لتعريف المواطن اليمني أهمية المواقع الأثرية والمحافظة على المواقع الأثرية وتسليمها إلى وزارة الثقافة أو شرطة الآثار .. ومن أجل تنشيط السياحة في بلادنا والمحافظة على المواقع الأثرية والآثار يجب علينا عمل ما يأتي أولاًُ : توفير الخدمات للسائح مثل الفنادق والمطاعم .ثانياً: توفير التذاكر الممغنطة حتى لا يدخل الموقع الأثري غير السائح .ثالثاً: تسوير المواقع الأثرية حتى لا يتعرض السائح لهجمات إرهابية وتدمير المواقع السياحية. ومن الضروري في رأينا توفير البطائق التي تصور المواقع الأثرية والآثار حتى يتمكن المواطن اليمني والسائح من التعرف عليها وترويج السياحة التي تعد من أهم مصادر العملة الأجنبية في بلادنا وتعريف العالم بحضارتنا اليمنية .