أقواس
قد تختفي بعض المعالم الفنية نظراً لانعدام الجمهور المثقف المتذوق المستمع للفن الراقي المعبر عن أحاسيس ووجدان عشاق هذا الفن الغنائي، ومن معالم هذا الفن المرحوم محمد صالح عزاني هذا الفنان الوجداني الذي صدح بأغان عاطفية عبرت عن أحاسيس الناس وداعب خيالاتهم الواسعة تنتشي لها الروح وترسم الشغف والفرحة على وجوه مستمعيه خاصة المتذوقين حقاً. الفنان محمد صالح عزاني فنان يصب في مجرى النمط الغنائي العدني الذي تأسس في نهاية الأربعينات من قبل مجموعة من أساتذة المدرسة الغنائية العدنية من خلال الندوة العدنية بقيادة الفنان الكبير خليل محمد خليل ، ومن هذه المدرسة استقى محمد صالح عزاني الكثير من الإبداع عبرت عنه روائعه الغنائية التي لا تنسى وكان لها الفضل في صقل شخصيته الفنية استطاع بها أن يخرج بنمط فني متميز جعله يشكل لونا غنائياً متفرداً جمع فيه بين النسق الحديث والقديم. فعندما نستمع إلى أغنية (فين التقينا وشفتك فين وفين جلسنا سوى يازين) بصوته العذب نلاحظ التنوع ألمقامي والتدرج الجميل في هذه الأغنية والمزج الإيقاعي الرائع والصعب إذ يبدأ هذه الأغنية بنغمة صوتية إيقاعية بسيطة لترتقي متدرجة إلى أعلى بنغمة صوتية أصعب حتى يخيل للسامع أن هذه الأغنية تحتضن أكثر من لحن ، فتنوع النغمة الصوتية الإيقاعية في هذه الأغنية والقدرة الإبداعية الفائقة التي ظهر بها العزاني دليل على مقدرته في أداء مثل هذا النوع من الغناء. وعلى هذا نجده أيضاً في أغانية الأخرى مثل (ما أحلي نقشه الحناء) و(حبيب قلبي نكرني ياليتنا ما اعترفنا) وغيرهما نلاحظ المفاجآت الجميلة في الألحان والأداء. وما شجعني على تناول سيرة الفنان محمد صالح عزاني هو ذلك الأداء الرفيع والقوي الذي سمعناه من الفنانة الموهوبة رويدا رياض - شفاها الله من وعكتها الصحية التي ألمت بها مؤخراً واستدعي سفرها إلى الأردن - وهي تتغنى بأغانيه الرائعة ونجحت تماماً في أداء هذا اللون الصعب من الغناء والذي لا يجيده إلا من له تطلع قوي نحو الإبداع والتألق نظراً لطبقاته الصوتية المتعرجة والمعقدة ، وياحبذا لو تستمر الفتاة الواعدة رويدا في العطاء وأن لاتبخل علينا بالجديد من المفاجآت وتذكيرنا بأغان أخرى لفنانين عمالقة كاد النسيان يضرب بستاره عليهم. ومن الجميل أن هذا الصوت الجميل لرويدا لفت انتباهنا إلى جواهر محمد صالح عزاني ونفض الغبار الذي غطى تلك الجواهر واللآلئ التي لولا مقدرة وجمال صاحبة هذا الصوت لظلت متوارية عن الأسماع ، ويحضرني هنا القول المشهور لإسحاق الموصلي (الألحان صناعة يجيد خلقها الرجال وتجيد عرضها النساء) إذ يرجع الفضل في لفت انتباه جمهرة المستمعين والمتذوقين لأغاني العزاني إلى عظمة وجمال تلك الوصلات الرائعة التي قدمتها رويدا رياض بشكل رائع وحساس أعادنا حقا إلى زمن الفن الجميل .