محمد زكرياالأمير عثمان الزنجيلي أو الزنجبيلى شخصية برزت على مسرح أحداث عدن في العصور الوسطى وتحديداً في فترة حكم الناصر لدين الله صلاح الدين الأيوبي مؤسس الدولة الأيوبية في مصر الذي أرسل حملة عسكرية ضخمة بقيادة أخيه توران شاه إلى اليمن بهدف القضاء على البقية الباقية من النفوذ الفاطمي الإسماعيلي وهم آل زريع في عدن ، والصليحيين في صنعاء , وإعادة اليمن إلى الخلافة العباسية السُنية بعد أنّ كانت تحت النفوذ السياسي والروحي للخلافة الفاطمية الإسماعيلية في مصر فترة من الزمن . وكان الأمير الزنجيلي أو الزنجبيلي هذا من كبار قادة توران شاه ، وتذكر المصادر التراثية أنه كان رجل حرب ، ودولة وإدارة , وكانت لديه طموحات واسعة لا حدود لها ، وكيفما كان الأمر، فقد استطاع أن يكسب ثقة توران شاه ، فقربه الأخير إليه ، ورفع من شأنه ، وسلمه مفاتيح مقاليد عدن وأعمالها المختلفة وهي لحج ، أبين ، الشحر ، و حضرموت ، وتمكن الأمير عثمان الزنجبيلي في فترة توليه مقاليد الأمور في عدن وخصوصاً بعد وفاة توران شاه سنة ( 576 هـ / 1181م ) أنّ يستقل بها ، وأن يصير الحاكم الجديد في إمارة عدن لمدة تسع سنوات وكانت له بصمات واضحة على وجه عدن .[c1]من هو عثمان الزنجبيلي ؟[/c]على الرغم من خطورة عثمان الزنجيلي أو ألزنجبيلي التي حكم عدن وأعمالها قرابة تسع سنوات - كما أسلفنا - والذي يعد أول والِ ِ يحكمها من قبل الأيوبيين إلاّ أنّ تاريخ ميلاد مولده ، والمكان الذي ولد فيه مجهولين . وفي هذا الصدد ، يقول الدكتور محمد الشمري : “ وبخصوص حياة الزنجيلي فليس لدينا ما يشير إلى تفاصيلها ، لذلك فإننا لا نعرف تاريخ ومكان ولادته ونشأته الأولى , وطبيعة حياته العائلية الخاصة “ . ويضيف ، قائلاً : “ وكل ما نعرفه أنه كان من جملة الأمراء الذين قدموا إلى اليمن بصحبة توران شاه “ . وحول لقبه بالزنجيلي ، يقول الشمري : “ أمّا البلد الذي ينتسب إليه الزنجيلي ، فهنالك اختلافات حوله ، فالزنجيلي نسبة إلى زنجيلة أحدى قرى دمشق ، ولعله ولد ونشأ في تلك القرية “ ، ويذكر أيضاً الشمري أنّ عثمان لم يلقب فقط ب- ( الزنجيلي ) بل لقب بألقاب أخرى وهي الشامي ، التكريتي وحول اللقب الأخير ، يعلق عليه الشمري ، قائلاً : “ ولعله لقب بالتكريتي لأنه تدير مدينة تكريت في العراق واستوطنها ، لذلك عرف بالزنجيلي التكريتي ومثلما عرف بالزنجيلي المصري ، لأنه كان من جملة الأمراء الذين رافقوا الجيش الأيوبي في فتح مصر ، والقضاء على الدولة الفاطمية فيها ، فعرف بالمصري ، لأنه تدير مصر “ .[c1]من هم المماليك ؟[/c]ونستدل من تلك المعلومات التي أوضحها لنا الدكتور الشمري بأن عثمان الزنجيلي أو الزنجبيلي ، كان قبل أنّ يتبوأ مكانة عالية في حاشية توران شاه ويصير من كبار القادة والأمراء في معيته ، كان مثله مثل المماليك الذين يتم شراؤهم من سوق النخاسة في سن صغير يجلبون من أماكن مختلفة وخصوصاً من مناطق القوقاز ، والمغول ، والتتار ، والصقالبة ، والأسبان ، والألمان ، ولذلك فإنه من الطبيعي لا نعلم علم اليقين المكان الذي ولد فيه ألزنجبيلي ، وتاريخ ولادته . وربما هنا كان مناسباً أنّ نقتبس ما قاله الدكتور قاسم عبده قاسم حول من هم المماليك ؟ ، حيث يقول : “ يشي مصطلح (( المماليك )) ( والمفرد مملوك ) بالعبودية والرق ؛ لأنه يعني أنّ (( المملوك )) ملكية خاصة لشخص آخر . وقد كان (( المماليك )) من الرقيق فعلاً ؛ بيد أنهم كانوا من نوع خاص من الرقيق ؛ إذ كانوا يجلبون أطفالاً من أسواق النخاسة ، ثم يتم تدريبهم عسكرياً ليكونوا عدة حكام المنطقة العربية من الأيوبيين “ . ويبدو أنّ عثمان الزنجيلي ، كان من مماليك توران شاه ، وأبدى بلاء حسناً في المعارك ضد أعداء الدولة الأيوبية ، وأظهر الطاعة العمياء له ، فصار من خاصيته المقربين إليه , لذلك اصحبه معه في الحملة على اليمن ، وقلده مقاليد مفاتيح الحكم في عدن وأعمالها وتوابعها المختلفة وهي لحج ، أبين ، الشحر ، وحضرموت ، ويعلق الشمري الدوافع الحقيقية الذي دفعت بـ ( توران شاه ) أنّ يجعله والياً على عدن ، قائلاً : “ مما يدل على قوة شخصيته ، ومكانته السامية عند توران شاه ، واعتماده عليه في ضبط تلك المنطقة وإدارتها.[c1]بعد وفاة توران شاه[/c]وفي الحقيقة أنّ توران شاه عندما ولى الأمير عثمان الزنجيلي أو ألزنجبيلي لم يدر بخلده أنه سيأتي يوماً يعلن فيه انفصال إمارة عدن عن كيان الدولة الأيوبية في مصر ، ويصير أميرها الجديد وحاكمها الحقيقي . لقد ظن توران شاه أنّ الزنجيلي في استطاعته ضبط الأمور في عدن وأعمالها المختلفة من ناحية وإرسال الأموال السنوية له بانتظام من ناحية أخرى . ويبدو أن الزنجبيلي ، كان ينظر إلى الأمور من وجهة أخرى ، أو إذا شئت قلت ، فإنه كانت لديه نظرة ثاقبة ، ورؤية مستقبلية عميقة وهي ، عندما تتغير الأوضاع السياسية لصالحه ، سيكون في مقدوره السيطرة على عدن ، وانسلاخها عن الدولة الأيوبية في مصر . والحقيقة لقد تحققت أهدافه السياسية وهي أن يكون الحاكم الحقيقي في عدن , ليس نائباً عن السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي وذلك بعد وفاة توران شاه سنة ( 576هـ / 1181م ) . ولكن لم يحسب الأمير عثمان الزنجيلي ، أنّ الناصر صلاح الدين الأيوبي مؤسس الدولة الأيوبية ، وأقوى حاكم عرفه العالم العربي و الإسلامي والمحارب العنيد للفرنج ، أنّ يقف مكتوف الأيدي بل أنه سارع بإرسال أحد قادته الكبار وهو ( خطلبا ) إلى اليمن ، وعندما فشل في مهمته أرسل أخيه طغتكين بن أيوب ليقضي على النزعة الانفصالية في عدن ، زبيد ، وتعز ، وبالفعل تمكن طغتكين أنّ يعيد تلك المدن الهامة إلى حظيرة الدولة الأيوبية في مصر .[c1]الزنجبيلي وابن منقذ[/c]والحقيقة لقد كان الأمير عثمان الزنجبيلي من أقوى الشخصيات السياسية التي ظهرت في اليمن بعد وفاة توران شاه ، ويأتي بعده الأمير خطاب بن منقذ أمير زبيد المعروف بشخصيته القوية ، ولقد حاول ألزنجبيلي أن يقضى على منافسه الخطير ابن منقذ حتى لا يهدد طموحاته التي يخطط لها وهي أنّ يلتهم المناطق الخاضعة لنواب توران شاه أو على أقل تقدير أنّ يبسط سلطانه السياسي على أهم المدن فيها ، ولذلك عمد على القضاء عليه وذلك من خلال التحالف مع ياقوت التعزي أمير تعز ، ومظفر الدين قايماز أمير مخلاف جعفر وحصن التعكر ، والجند ولكن ذلك التحالف فشل في هزيمة ابن منقذ . وعندما فشل الزنجيلي في تحقيق مآربه السياسية في القضاء على ابن منقذ أمير زبيد ، فقد استدار نحو حليفه السابق قايماز الذي وجده فيه ضعفا ، فانقض على أملاكه وهذا ما رواه الشمري ، فيقول : “ فقد كان ( قايماز ) ضعيفاً لم يستطيع الضبط والسيطرة على ما عهد إليه من مخلاف جعفر ، وذي جبلة ، والجند ، والتعكر ، فلما عرف عثمان الزنجيلي بضعفه ، جهز حملة استولى فيها على بلاده “ . والحقيقة لقد حاول الأمير عثمان الزنجيلي بكل الوسائل والطرق أنّ يتخلص من أمير زبيد ابن منقذ أقوى شخصية على مسرح أحداث اليمن ، فقد أرسل إلى السلطان صلاح الدين بن أيوب يحرضه على ابن منقذ الذي صار قوة لا يستهان بها ، وهذا ما أكده الدكتور الشمري ، قائلاً : “ ففي رواية أنّ عثمان الزنجيلي كتب إلى السلطان صلاح الدين يذكر قوة خطاب بن منقذ ، ويطلب منه إرسال رجل من مقربيه يضع حداً للاضطراب والفتن “ .[c1]الزنجبيلي وحضرموت[/c]ويروي ( بامخرمة ) أنّه بعد وفاة توران شاه أمتنع نوابه في اليمن عن إرسال الأموال السنوية له في الشام ، وأستقل كل واحد من هؤلاء النواب بإمارته ، وفي هذا الصدد ، يقول : “ فلما طالت غيبته وتوفى ( توران شاه ) بالشام ... قطعوا الإتاوة التي كانوا يرسلونها كل سنة ثم ضرب كل واحد منهم سكة باسمه ، ومُنع رعيته المُعاملة بغيرها ، وذكر اسمه على المنابر ، ومع ذلك فكل منهم لازم حده إلاّ عثمان ... فإنه غزا الجبال والتهائم وأفسد منها على شمس الدولة ( توران شاه ) مواضع كثيرة ثم غزا حضرموت ... ثم رجع إلى اليمن ، فغزا تهامة فحصل بينه وبين نائب زبيد وهو خطاب ابن علي بن منقذ حروب كثيرة “ . والحقيقة أن ما ذكره ( بامخرمة ) حول غزو الزنجيلي لحضرموت يوحي بأنه غزاها دون علم توران شاه ، أو أنه غزاها بعد وفاته ، ولكن الحقائق تؤكد أنّ توران شاه ، كان على دراية عما كان يفعله الأمير عثمان الزنجيلي في حضرموت ، وأنّ غزوته لتلك البلاد في حياة توران شاه . فقد روت المراجع التاريخية أنّ توران شاه قد فتحها سنة 571هـ / 1176م ، واستناب بها الأمير هارون الكردي. ولكن يبدو أنّ حضرموت ، قد تمردت على الأيوبيين ، ورفضت الانصياع لهم مما دفع بالأمير عثمان الزنجيلي أو ألزنجبيلي إلى غزوها مرتين المرة الأولى سنة 575هـ / 1180م ، أمّا الغزوة الثانية والأخيرة في سنة 576هـ / 1181م ، وعلى الرغم من المجهودات الحربية المتواصلة والتي اتسمت بالقسوة والعنف الشديدين التي قام بها الأمير الزنجيلي لإخماد الثورات ، والفوران التي اشتعلت في كثير من مناطق حضرموت إلا أنها رفضت الخضوع والاستسلام للأيوبيين ، واستقلت سنة 577هـ / 1182م ، أي بعد وفاة توران شاه بعام . ونستدل من ذلك أن الغزوة الأولى والثانية الذي قام بها الزنجيلي ، كانت في حياة توران شاه المتوفى سنة 576هـ / 1181م ، وكان من الطبيعي أنّ يتحرك الأمير عثمان ألزنجبيلي نائب توران شاه على عدن وأعمالها وتوابعها ومنها حضرموت للقضاء على التمردات والثورات فيها والتي تدخل في صميم أعماله كنائب لها .[c1]تمرد نواب توران شاه[/c]ويشرح الدكتور محمد الشمري الأسباب الحقيقية وراء تمرد نواب توران شاه في اليمن ، وإعلان كل واحد منهم الاستقلال في المناطق الخاضعة له عن سلطة الدولة المركزية الأيوبية في مصر ، قائلاً : “ وفاة السلطان توران شاه ، فشعروا ، وكأن ارتباطهم بالدولة الأيوبية ، قد انتهى ، ذلك لأنه هو الذي عينهم نواباُ من قبله ، وتأصلت تلك الفكرة ، بسبب عدم إرسال الأيوبيين من يتفقد أحوال اليمن بعد مغادرة توران شاه لها ثم وفاته ، إضافة إلى غرور هؤلاء النواب ، وطمعهم في الاستحواذ على المناطق الخاضعة لسيطرتهم وجباية الأموال الطائلة منها لتحقيق مآربهم الخاصة ، وبصفتهم رجال حرب لا رجال إدارة ، ودولة ، طمعوا في الاستقلال والانفصال كل في جهته “ . ويضيف ، قائلاً : “ فخطب لهم على المنابر ، وتشبهوا بالخلفاء والسلاطين ، مما أثار روح الحسد والمنافسة فيما بينهم ، وتطورت إلى إثارة مشكلات وحروب سببت الويلات والكوارث في البلاد بسبب ما نجم عن تلك الحروب من خراب ، ودمار ، وقتل ونهب ، مما أدى إلى تفكك البلاد داخلياً وانقسامها وضعفها “ . والحقيقة ذلك ما يؤكد ما قلناه سابقاً أنّ هؤلاء النواب الذي عينهم السلطان توران شاه في المدن والمناطق الهامة في اليمن ، كانوا من مماليكه ، وكان ارتباطهم وإخلاصهم به أقوى من الدولة المركزية الأيوبية في مصر ، فعندما غاب سيدهم عن المشهد السياسي اليمني ، أعلنوا استقلالهم عن الدولة المركزية الأيوبية في مصر , والحقيقة أنّه من يقرأ تاريخ المماليك في مصر أو الشام سيلاحظ تلك الظاهرة وهو أن المماليك كانوا يخلصون لسيدهم الذي اشتراهم ورباهم ، فقد كان هؤلاء المماليك الحصن الحصين لسيدهم ودرعه القوي ضد منافسيه ولذلك عمد الأخير على العناية والاهتمام الكبيرين بهم . وفي هذا يقول قاسم عبده قاسم : “ ونتيجة لهذا كان لكل من السلطان والأمراء جيش من المماليك الذين يعتمد عليهم في تدعيم سلطته ، أو في صراعاته ضد الآخرين “ . ويضيف ، قائلاً “ وفي ظل هذا النظام كانت أقوى الروابط بين المماليك هي رابطة (( الأستاذية )) ؛ وهي أشبه ما تكون بالعلاقة بين السيد الإقطاعي وأتباعه في النظام الإقطاعي الذي عرفته بعض مناطق أوربا في العصور الوسطى ؛ فهي علاقة بين السيد ( الأستاذ ) ومماليكه الذين اشتراهم ، وأشرف على تربيتهم وتدريبهم ، كما كان يوليهم عناية كاملة ، بل ان السيد كان يتناول طعامه مع مماليكه ، ويحرص على مجالسهم ، وزيادة أواصر العلاقة بينه وبينهم لكي يضمن ولاءهم “ . والحقيقة أنّ هؤلاء المماليك عندما كانوا يتبوأون القيادات العسكرية الكبرى ، ويصير لهم الكلمة النافذة والعليا في شئون البلاد ، فإنهم يتطلعون إلى الجلوس على عرش السلطنة عندما يكون هناك سلطاناً ضعيفاً ، فالأغلب الأعم منهم يفكرون فقط في طموحاتهم الذاتية ، ولا يفكرون بالناس ومعاناتهم ، وآلامهم لكونهم غرباء عن سكان الناس الأصليين . ومن أجل إنصاف الحقيقة ، فإنه كان هناك بعض المماليك الذين دافعوا عن حياض الإسلام والمسلمين ، ومازالت أعمالهم الرائعة والباهرة منحوتة في ذاكرة الأمة الإسلامية أمثال سيف الدين قطز ، الظاهر بيبرس ، الناصر محمد قلاون وغيرهم من المماليك الذين اعتلوا كرسي السلطنة .[c1]تحصين مدينة عدن[/c]لقد قلنا سابقاً : ان الأمير عثمان الزنجبيلي أو الزنجيلي ، عندما تولى إمارة عدن من قبل السلطان توران شاه والذي كان من مماليكه وبفضل ذكائه وبلائه في الحرب ، وحسن إدارته ، وقوة شخصيته ، وطاعته العمياء لسيده توران شاه ، صار من المقربين في حاشيته . وهذا ما دفع بالسلطان توران شاه ، أنّ يوليه إمارة عدن وأعمالها ، وتوابعها وهي لحج ، أبين ، الشحر ، وحضرموت . والحقيقة أنّ ألزنجبيلي كان ذا نظرة ثاقبة ، ورؤية بعيدة للمستقبل ، فقد رأى أنّ الفرصة قد سنحت له حيث صار أميراً على عدن درة المدن اليمنية بسبب مينائها الهام الذي كان يدر أموالاً طائلة للخزانة الأيوبية في عهد توران شاه ، وقد كان يرسل الأموال الضخمة منها إلى توران شاه الذي كان يعيش في الإسكندرية بعد رحيله من اليمن سنة 571هـ /1174م . وهذا ما رواه الشمري ، بقوله : “ كانت الأموال ترسل من مدن اليمن المهمة كزبيد ، وعدن وغيرها إلى الإسكندرية بعد مغادرة توران شاه لليمن واستقراره فيها “ ، ويعقب الشمري ، قائلاً : “ مما يدل على أنّ الحركة التجارية كانت نشطة ، وأنّ الأموال التي كانت تجمع منها كثيرة “ .وعندما انقلبت الموازين السياسية لصالحه بعد وفاة سيده توران شاه ، نزع يده عن الدولة الأيوبية المركزية في مصر ، وأعلن الاستقلال عنها ، وصار ملكاً ، يخطب له على المنابر ، وقد ضرب سكة باسمه ، والحقيقة لقد كان ألزنجبيلي رجل دولة وإدارة ، ورجل حرب لكونه بدأ يعد العدة في تحصين إمارته الجديدة عدن من هجوم ، قد يكون محتمل من السلطة المركزية الأيوبية في مصر ، فأقام سوراً قوياً من الحجارة والجص حول مدينة عدن ، وبعدها قام بالعناية والاهتمام الكبيرين في تنشيط الحركة التجارية في ميناء عدن ، وهذا ما أكده الباحث حسن صالح شهاب ، بقوله : “ بعد تحصين عدن ، من البر والبحر ، اهتم ألزنجبيلي بتوسيع النشاط التجاري في عدن ، وتسهيل المعاملات التجارية والجمركية فيها ، فبنى الفرضة ( الجمرك ) من جديد ، والأسواق التجارية “ .[c1]سياسة الحاكم الجديد[/c]كانت سياسة الأمير الزنجبيلي الحاكم الجديد لإمارة عدن بعد وفاة توران شاه - كما قلنا سابقاً - هو إقامة البنية الاقتصادية أو المؤسسات الاقتصادية التي تعمل على تنشيط الحياة التجارية في المدينة . ، فكان إنشاء الأسواق التجارية وتوسيعها من أهم الأوليات في تفكيره ، فقد أسس أسواقاً في عدن تعرف بالقيصارية وهي أسواق مسقوفة لها أبواب تغلق في الليل على غرار بعض بلاد أسواق الشام مثل دمشق ، وحلب وأسواق العراق أمثال الوصل ، وعلى أية حال ، فقد شهدت عدن ازدهاراً تجارياً عريضاً ، واتسعت رقعت العمران فيها اتساعاً كبيراً في فترة حكمه الذي حكمها لمدة تسع سنوات . وفي هذا الصدد ، يقول حسن شهاب - نقلاً عن ابن المجاور - : “ يقول ابن المجاور إنّ ابن الزنجبيلي بنى ( القيصارية العتيقة ) والأسواق والدكاكين ، ودور الحجر ، ورجعت ( ازدهرت ) عدن في زمانه “ . ويشرح الباحث حسن صالح شهاب معنى ( القيصارية ) ، فيقول : “ مجموعة من الدكاكين متراصة في صفوف متقابلة ، تضمها بناية كبيرة مسقوفة لها أبواب تقفل بالليل “.[c1]سوق البز[/c]ومن أشهر الأسواق وأقدمها في عدن هو سوق البز ( القماش ) والذي مازال ماثلاً للعيان , وإنّ تغيرت الكثير من معالمه وصار شارعاً من شوارع عدن الذي زحف عليه رمال الارتجالية والعشوائية . وعلى أية حال فإنه من المحتمل أنّ ألزنجبيلي شرع في بنائه في سنة ( 570هـ / 1175م ) أو بعدها بعام ، فقد تولى منصب إمارة عدن في نفس تلك السنة , “ وقد ذكر بعض المؤرخين أنّ الزنجيلي قد تولى إمارة عدن وأعمالها قبل أنّ يغادر توران شاه اليمن ، وفي رواية أنه تولى سنة 570هـ / 1174م ، وبذلك يعتبر الزنجيلي أول والِ على عدن وأعمالها في العصر الأيوبي “. والحقيقة لا نعلم علم اليقين هل سوق البز الحالي هو نفس موقع سوق البز القديم الأصلي الذي بناه ألزنجبيلي ؟ . ولقد روى ( بامخرمة ) أنّ سوق البز أكتسب شهرة واسعة لكونه ، كان يعمل فيه أبوالبهاء جوهر بن عبد الله العدني ، قطب أقطاب الصوفية في عدن ، وكان عمله بزازاً أي أنه كان يعمل بائعاً في تجارة القماش ، ويضيف حسن صالح شهاب أنّ الشيخ جوهر توفى سنة ( 626هـ / 1229م ) . أي أنّ سوق البز يبلغ من العمر 778عاماً تقريباً . وهناك أسواق في عدن أقدم من سوق البز مثل سوق الزعفران الذي ذكر اسمه في عهد حكم بني زريع الذين حكموا عدن نحو90عاماً.[c1]مسجد الزنجبيلي[/c]وتذكر المصادر التراثية أنّ الأمير عثمان الزنجبيلي بنى مسجداً سماه على أسمه ( الزنجبيلي ) وموقعه في عدن ، ولكن المصادر التاريخية لم تعطينا معلومات واضحة تحدد مكان ذلك المسجد ... ولكن هناك روايات تاريخية تروي أنّ الزنجبيلي قد أوقف الخان ( السوق ) على هذا المسجد . ولكننا لا نعلم علم اليقين متى تم بناءه ؟ . ومن المحتمل يكون بناؤه بعد أنّ استقل بعدن سنة 576هـ / 1181م ، وتحديداً بعد وفاة توران شاه . لكون المسجد ، كان يمثل في العصور الوسطى أهم أدوات الحاكم السياسية حيث كان يخطب اسمه على منابر المساجد كدليل على استقلاله ، وقوة سلطانه ، ونفوذه السياسي . وهذا ما حدث عندما استقل نواب توران شاه بعد وفاته في المناطق الخاضعة لهم ، فقد ذكرت أسماءهم على منابر المساجد . وإذا صح تاريخ بناء هذا المسجد ، فإنّه يعد من أقدم المساجد في عدن بل وفي اليمن ، فقد بلغ من العمر نحو 826 سنة . ولم تمدنا المراجع التاريخية بمعلومات عن طراز عمارة المسجد ، ولكنه في أغلب الظن ، كان جامعاً كبيراً من ناحية ويتسم بالعظمة والأبهة الكبيرين من ناحية أخرى نظراً لكونه جامع حاكم عدن الجديد . والحقيقة أنّ البحث والتنقيب في الحياة الاقتصادية ، والاجتماعية ، والثقافية هي من سمات تاريخ عدن الاجتماعي والذي مازال يلفه الكثير من ضباب النسيان . وأمّا بخصوص الحياة الثقافية في عدن في فترة حكم الزنجبيلي ، فلم نعثر عنها في ثنايا كتب المؤرخين القدامى ، على الرغم أنه يمثل جانب من جوانب تاريخ عدن الاجتماعي الهام ، فبحثنا في سيرة تاريخ ألزنجبيلي الذي لعب دوراً غاية في الأهمية في عدن ، يقودنا إلى معرفة الأوضاع السياسية والأجواء الاجتماعية التي كانت سائدة في تلك الفترة التاريخية الهامة من حياة عدن .[c1]صناعة الزجاج[/c]يذكر المؤرخون أنّ عدن اشتهرت بصناعة الزجاج ، والآجر في فترة زمن الأمير الزنجبيلي الذي حكم عدن مدة تسع سنوات - كما قلنا سابقاً - . وهذا دليل واضح وقاطع بأن الحياة العمرانية ، قد انتعشت انتعاشاً كبيراً في عدن ، لكون تلك الأدوات تدخل في صميم العمارة ، وهذا سيقودنا إلى دراسة تاريخ نشؤ وتطور صناعة الزجاج في عدن بصورة خاصة واليمن بصورة عامة ، وقد دخلت صناعة الزجاج في تجميل نوافذ البيوت والمعروفة والمشهورة بـ ( القمريات ) اليمنية الأصيلة المطرزة بالألوان البديعة التي تأخذ العين أخذاً ، وتضفي على جو غرف البيت الرواء ، والجمال .[c1]صناعة العطور[/c]اشتهرت عدن بصناعة العطور ، وقد ذاعت شهرتها الآفاق - على حسب قول المؤرخين - . وروى الدكتور الشمري أنّ أهل عدن حذقوا في صناعة العطور والطيب ، ولكنه لم يوضح أي البيوت من عدن ، كانوا مختصين بتلك الصناعة ، ويبدو أنّ شحة المصادر التراثية لم تسعفه في مده بذلك الموضوع ، ومن المرجح أنّ أهل عدن اكتسبوا تلك الصناعة في بداية الأمر من الجاليات الهندية الذين مكثوا واستقروا في عدن ، وربما تعرفوا على صناعة العطور التي كانت تأتي بها السفن القادمة من جزر الهند الشرقية إلى ميناء عدن ، ومن المحتمل أنّ أهل عدن ، قد قلدوا تلك الصناعة - كما أسلفنا - ثم أبدعوا فيها بصورة كبيرة حتى تفوقوا على أصحابها الأصيلين . وأما بخصوص الطيب فهى في اعتقادنا صناعة محلية أصيلة نابعة من لحج الخضراء والمعروفة والمشهورة في صناعتها من فترة ليست قصيرة . ونورد نص ما ذكره الدكتور الشمري حول صناعة العطور والطيب في عدن لأهمية المعلومات الذي ذكرها ، قائلاً : “ أخذت صناعة العطور , والطيب في عدن مكان الصدارة ، فقد اشتهرت بها شهرة واسعة ، وقد وصف المرزوقي تلك الصناعة ومهارة أهل عدن بها فقال : “ وكان طيب الخلق جميعاً بها يعباً ، ولم يكن أحد يحسن صنعه من غير العرب ، حتى أنّ تجار البحر لترجع بالطيب المعمول تفخر به في السند (الباكستان الحالية ) والهند وترتحل به تجار البر إلى فارس والروم ... “ . ويعقب الشمري ، قائلاً : “ وهذا النص يوضح لنا شهرة أهل عدن وتخصصهم بصناعة الطيب ، وتصديره إلى بلاد فارس والروم والهند والسند ، فطفقت شهرته الآفاق ، وفي ذلك دلالة على حذق وذكاء أهل عدن الذي تخصصوا بتلك الصناعة “ .[c1]صناعة السفن[/c]وفي الحقيقة أنّ الأمير عثمان الزنجبيلي الحاكم الجديد لعدن ، عمل جاهداً على تأسيس مؤسسات اقتصادية قوية تدفع بعجلة التطور والازدهار التجاري في المدينة أو في إمارته الجديدة المستقلة عن كيان الدولة الأيوبية في مصر - كما قلنا سابقاً - ، ومن بين الصناعات الهامة الذي اعتنى بها الزنجبيلي هي صناعة السفن في عدن . وكان من الطبيعي أنّ تحتل صناعة السفن الأولوية الكبرى في تفكيره لكونها ، ومن الطبيعي أنّ يكون لعدن دار صناعة السفن لكونها ميناء يطل على البحر العربي ( المحيط الهندي) ومن ناحية أخرى يعد من أهم الموانئ في العالم فكل تلك العوامل لا بد أنّ تؤسس دار لصناعة السفن . وعلى أية حال ، تروي المصادر التراثية أنّ بني زريع الذين حكموا عدن ، كان لديهم أسطولاً قوياً ، استطاعوا أنّ يهددوا أعدائهم به ، فأعملوا فيهم القتل ، والسلب والنهب , وفي هذا الصدد ، يقول المؤرخ عبد الله محيرز : “ إذ يفيد عمارة اليمني في كتابه ( النكت العصرية في أخبار الوزراء المصرية ) عن وجود أسطول حربي أيام الزريعيين هاجم به سواحل زبيد في حوالي ( 540هـ / 1145م ) : “ أنّ الشيخ بلال بن جرير الداعي بعدن غزا أسطوله سواحل زبيد ، فقتل ، ونهب ، وأحرق ، فانقطع الناس عن السفر من زبيد إلى عدن ، ومن عدن إلى زبيد مدة ثلاث سنين “ . وتصفه كتب التاريخ أنّ بلال بن جرير هذا رجل حرب ، ودولة ، وإدارة ،. وفي هذا يقول ( بامخرمة ) أنه : وزير الداعي محمد بن سبأ بن زريع بن العباس اليامي صاحب عدن ، كان رجلاً عاقلاً ديناً كاملاً “ . وعن وفاته يقول ( بمخرمة ) “ وكانت وفاة بلال في سنة 546 هـ ( 1152م ) “ . والحقيقة أنّ اختفاء بلال بن جرير تلك الشخصية القوية عن مسرح أحداث بني زريع في عدن ، كانت له عواقبه الوخيمة على دولة بني زريع ، حيث دار صراع مرير بين أحفادها ، واضطربت أحوالها السياسية اضطراباً عنيفاً ، وتلاحقت الأحداث سريعة ، فقد سقطت عدن في يد السلطان توران شاه قائد الحملة الأيوبية على اليمن في “ يوم الجمعة 20ذي القعدة سنة 569هـ ( 1174م ) “ . - على حسب قول المؤرخين - .[c1]( الشواني ) السفن الحربية[/c]قلنا سابقاً : أنه عندما تولى الأمير عثمان ألزنجبيلي أو الزنجيلي مقاليد حكم عدن ، وصار الحاكم الجديد والفعلي فيها في سنة ( 569 هـ / 1174م ) ، فقد عمل على تحصينها بهدف الدفاع عنها من أية خطر يهدد إمارته الجديدة ، فعمل على تسويرها بالحجارة ، والآجر ، وقد كان هنا سور بناه بني زريع ، ولكنه كان سوراً ضعيفاً سرعان ما تعرض للانهيار ، وفي نفس موقع ذلك السور القديم ، أعاد بناءه من جديد ولكن بشكل متين وقوي . ومن الطبيعي فكر وقدر ألزنجبيلي أو الزنجيلي وهو رجل حرب ، ودراية في شئونها أنّ يدعم استقلال إمارته عدن بسفن حربية تعمل على صد من تسول نفسه الهجوم عليها . فأغلب الظن ، أن ألزنجبيلي شيد عدداً غير قليل من السفن الحربية المعروفة ب- ( الشواني ) . حقيقة كانت توجد بعض منها في فترة حكم بني زريع - كما سبق وأن شاهدنا - هجوم وزير بني زريع بلال بن جرير ، عندما هاجم سواحل زبيد بالسفن , ولكن عندما قدم الأيوبيون إلى اليمن أكثروا من تلك الشواني أو السفن الحربية لحماية سواحل اليمن مثل زبيد وعدن .[c1]السفن الأيوبية تحاصر عدن[/c]ولقد روت المصادر التاريخية ، كيف حاصرت السفن الحربية الأيوبية ( الشواني ) عدن من البحر قبل اقتحامها عن طريق البر أي قبل دخولها عبر بوابة ( العقبة ) . وفي هذا الصدد ، يقول الأستاذ حسن صالح شهاب : “ ويبدو أن فتح توران شاه لعدن كان من جهة البر والبحر . فالشواني ( شونة ) ، وهي سفن حربية ، لم يأتِ بها توران شاه من مصر إلاّ لغرض محاصرة المواني اليمنية ومهاجمتها من ناحية البحر “ . ويضيف ، قائلاً : “ ففتح عدن من جهة البر أمر صعب ، ولم يكن يتم إلاّ بتواطؤ حاميتها ، المرتبة على الجبال المحيطة بها من جهة البرزخ “ . ويقول حسن شهاب عن السفن الحربية في اليمن ، أنها “ لم تكن ( الشواني ) معروفة في اليمن قبل توران شاه “ . ولكن المؤرخ عبد الله محيرز ، يؤكد أن الشواني ، كانت معروفة من قبل في فترة حكم بني زريع لعدن ، قائلاً : “ ووجود أسطول ( يقصد أسطول بلال بن جرير الذي هاجم سواحل زبيد ) في هذه الفترة ، ينفي أدعاء ابن المجاور أنه لم يكن للزريعيين معرفة بالشواني وهي نوع من المراكب الحربية ، وإنما عرفتها اليمن حين دخلها الأيوبيون “ .[c1]الهروب من عدن[/c]وكيفما كان الأمر ، فقد تمكن الأمير عثمان الزنجبيلي أو الزنجيلي ، أنّ يستقل بعدن ويحكمها لمدة تسع سنوات - كما أشرنا في السابق - بعد وفاة سيده السلطان توران شاه وفي عهد حكمه شهدت عدن ازدهاراً اقتصادياً كبيراً ، ونشاطاً تجارياُ واسعاً ، وحركة عمرانية عريضة . والحقيقة أن الإنجازات الاقتصادية الضخمة الذي حققها الزنجبيلي لم تكن لأهل عدن بل كانت من أجل زيادة ثروته ، فكانت الغاية من زيادة إيرادات ميناء عدن هو الحصول الأموال الطائلة منها لحسابه الخاص ، فقد كانت عدن تمثل له البقرة الحلوب وملكية خاصة له . فعندما أرسل السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي أخيه طغتكين بن أيوب للقضاء على الحركات الانفصالية في اليمن وعلى وجه التحديد في عدن ، زبيد ، وتعز وغيرها من المناطق الخاضعة لنواب توران شاه . فقد أدرك عثمان ألزنجبيلي ، أنّ مجيء طغتكين إلى اليمن هو نهايته في حكم عدن ، ولقد أثبتت الحوادث والمشاهد صدق ما توقعه ، حيث قتل خطاب بن منقذ أمير زبيد على يد طغتكين الأيوبي ، ولذلك قرر الهروب من عدن ، ولقد حمل على ظهر سفنه القناطير المقنطرة من الذهب والفضة ، ورءوس المواشي ، وفي هذا الصدد ، يقول عبد الباقي بن عبد المجيد عن هروبه : “ وأمّا عثمان الزنجيلي فعمر سفناً عظيمة ، وشحن فيها جميع ما يملكه من الصامت والناطق (الصامت من المال الذهب والفضة ، والناطق : الإبل والغنم ) ، وتوجه إلى العراق “. وفي رواية أخرى ، تقول أنه عندما هرب من عدن من قبضة طغتكين بن أيوب سكن دمشق ، وتوفي فيها سنة 583هـ / 1187.[c1]الهوامش : [/c]الدكتور محمد كريم إبراهيم الشمري ؛ عدن دراسة في أحوالها السياسية والاقتصادية ، الطبعة الثانية 2004م ، إصدارات جامعة عدن .الدكتور قاسم عبده قاسم ؛ في تاريخ الأيوبيين والمماليك ، طبعة سنة 2003م ، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية - مصر العربية - .بامخرمة ؛ تاريخ ثغر عدن ، الطبعة الثانية 1407 هـ / 1986م ، منشورات المدينة - صنعاء - .حسن صالح شهاب ؛ عدن فرضة اليمن ، الطبعة الأولى 1410 هـ / 1990م ، مركز الدراسات والبحوث اليمني - صنعاء - .عبد الله أحمد محيرز ؛ صيرة ، طبعة سنة 1425 هـ / 2004م ، الناشر: الجمهورية اليمنية - وزارة الثقافة والسياحة - صنعاء - .عبد الباقي بن عبد المجيد ؛ تحقيق : مصطفى حجازي ، تاريخ اليمن ، دار الكلمة - صنعاء -.
|
تاريخ
عدن والأمير الزنجبيلي
أخبار متعلقة