نجوى عبدالقادر :هناك الكثير والكثير من القصص والروايات العربية القديمة التي دلت على عدم اهتمام البيئة العربية بالطفل – حتى جاء الإسلام ليثبت أهمية هذا المخلوق الضعيف وذلك في قوله تعالى :" ولا تقتلوا أبناءكم خشية إملاق , نحن نرزقهم وإياكم , إن قتلهم كان خطئأً كبيراً ".وفي المجتمعات غير العربية وجد الطفل الكثير من اللامبالاة وعدم قبوله في الوسط الاجتماعي كإنسان مستهلك لا يقدم شيئاً مقابل طعامه وشر ابه :وإذا عدنا الى بداية عصر الاسلام فإن المواقف العاطفية التي وقفها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاخيار تجاه الطفل والاهتمام به ورعايته تعدد ليلاً واضحاً على عناية الاسلام بالطفل والحث على تنشئته التنشئة السليمة .وفي توجيه الرسول للمسلمين أثناء الغزوات والمعارك أن لا يتعرضوا للنساء والشيوخ والاطفال وهنا تتجلى عظمة ذلك القائد وعظمة رسالته وكان عمر بن الخطاب قد استرد كتابه الولاية من أحد الولاة لجفاء عاطفته نحو ابنائه .وفي الادب العربي حظي الطفل ببعض الاهتمامات الادبية خاصة بعد الاسلام .وفي القصيدة القصصية للحطيئة صورة واضحة للمجتمع البدوي الذي كان الناس فيه يعيشون حياة شظف ومعيشة قاسية لايجد فيها الطفل حتى القليل من الاهتمام والرعاية صور الحطيئة في قصيدته هذه " ضيافة بدوية" أو " نهاية كرم" صورة لذلك المجتمع البدوي وصورةلذلك العربي الذي إذا لم يجد صيداً لضيفه همّ بذبح ابنه ليقدمه طعاماً للضيف وبينما هو يفكر في إطعام ضيفه مرت أمامه حمر وحشية تروي عطشها بشرب الماء :فأمهلها حتى تروت عطاشها فأرسل فيها من كنانته سهمافروى قليلاً ثم أحجم برهة وإن هو لم يذبح فتاة فقد همّاوكما نعرف أن الحطيئة شاعر هجاء إلاّ أن عاطفته الجياشة بالحب لابنائه انقذته من موت محقق ذلك عندما كثرت شكاوى الناس الى عمر بن الخطاب لكثرة هجائه المقذع فزح به عمر في بئر خربة .. فصرخ الحطيئة :ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ زعب الحواصل لا ماء ولا ثمر ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة فأعطف عليك سلام الله ياعمر فدمعت عينا عمر وعفا عنهوفي رثاء جرير لزوجته يبكي اطفاله الصغار الذين تركتهم أمهم ورحلت:ولهت قلبي إذ علتي كبرة وذوو التمائم من بنيك صغار ولم يسبق شاعر آخر قول الشاعر " حطان بن المعلى" الذي يصف ابناءه بهذه الرقة المتناهية :وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الارض لو هبت الريح على بعضهم لولا بنات كزغيب الفطا لأمنعت عيني من الغمض رددن من بعض على بعض لكان لي مضطرب واسع في الارض ذات الطول والعرضوزخر الادب العربي بنماذج متعددة للطفل تميزت أكثرها بظاهرة الرثاء ولابن الرومي قصيدة المشهورة في رثاء ابنه الاوسط محمد: محمد : ماشيء توهم سلوة لقلبي إلاّ زاد قلبي من الوجدأرى أخويك الباقين كليهمايكونان للاحزان أورى من الزند إذا لعبا في ملعب لك ندعافؤادي بمثل النار من دون ما عمدوفي أدبنا الحديث تجلت الصورة واضحة للاهتمام بالطفل والكتابة عن هذا الكائن الجميل بشتى الفنون والاساليب النثرية والشعرية وزخر الادب الحديث بالكتابة الادبية المتميزة بالصدق العاطفي والابداع الفني فظهرت قصائد الرثاء لشعراء رثوا ابناءهم .. كما تميزت قصائد عدة بالاهتمام بالطفل اليتيم – ولاقت ظاهرة الاشارة الى الاطفال اليتامى أهمية كبيرة في الادب الحديث .وجميع هذه النماذج الادبية كان لها دور عظيم في توجيه وتنشئة الاطفال اليتامى باعتبار هذه المسؤولية الاجتماعية تقع على عاتق الدولة والمجتمع:وكما كان للادب العربي مسؤولية إلقاء الضوء على ضرورة عناية المجتمع العربي بالطفل وخاصة الطفل اليتيم فإن ما قدمه الادباء المعاصرون من نماذج أدبية سواء في مجال الشعر أم القصة والرواية أم المسرحية يعد قمة في الابداع الادبي وغاية في النبل والبحث عن السبل الشريفة التي يمكن أن ترفع من شأن هذه القلة الضعيفة وتدفعها الى مواجهة الحياة بكل ثقة وشجاعة .من تلك النماذج التي وضعت للطفل مكانة رفيعة في الادب العربي الحديث:قصيدة مطولة لشاعر القطرين خليل مطران بعنوان " الطفل الطاهر والحق الظاهر".وكتب عمر أبو ريشة قصيدة يتيم – وكتب الشاعر معروف الرصافي قصيدة بعنوان أم اليتيم .. وهناك عدد من الشعراء الذين كتبوا على نفس النمط واضافوا الكثير من القول والفعل والعمل منهم الشاعر فؤاد الخطيب في قصيدته " الايتام" وسليم حيدر في قصيدته " اليتامي" وأحمد الصافي النجفي في قصيدته " اليتيم" وفي الادب اليمني نماذج رائعة لهذا النوع من الادب العاطفي فكتب الشاعر علي محمد لقمان قصيدته " يتيم" وكتب الشاعر لطفي جعفر أمان قصيدته " الطفل المتسول".كانت العاطفة الانسانية تغمر الشعر الحديث ذلك بعد أن طغت موجة الرومانسية في الادب عامة والشعر خاصة .. وهذه النزعة العاطفية المليئة بالاحاسيس الانسانية هي التي نبهت المشاعر وايقظت القلوب النائمة عن مثل هذا المخلوق الملائكي " الطفل" ولعل أرق ما كتب عن الطفل مقالاً أدبياً للاديبة مي زيادة بعنوان " بكاء طفل" وقصيدة " ترنيمة السرير" للشاعر نسيب عريضة .وللشاعر بدوي الجبل قصيدة طويلة يصور فيها الطفولة بكل براعة وإتقان وذلك من خلال قصيدة أهداها الى أحد أحفاده .ومن الطفل أتخذ كثير من الشعراء وسائل شتى منها :- الاحساس بالواجب الانساني نحو الطفل باعتباره جزءاً من المجتمع وصورة من صوره .- التنبيه لمكانة الطفل الانسانية وحقوقه المفروضة على المجتمع .- إتخاذ الطفل وسيلة من وسائل مهاجمة - التعصب الطائفي الذميم كما في قصيدة خليل مطران .- اتخاذ الطفل رمزاً لنهضات الشعوب ومستقبلها .- إتخاذ الطفل رمزاً للثورة وتحطيم القيود.- تصوير الثورة جنيناً ينمو في الخفاء ويدمر الطغاة ويسحق الطغيان. - اتخاذ الطفل رمزاً للتوسل الى الحكام الطغاة والمستبدين بإلغاء العقوبات ورفع الظلم .. كما جاء في قصيدة للشاعر اليمني الكبير محمد محمود الزبيري .ولا ننسى في ختام هذه المقالة الصغيرة أن نشير الى الدور الكبير الذي قام به الشاعر أو أمير الشعراء أحمد شوقي في الكتابة للطفل وهذا مهد الطريق لكثير من الادباء للعناية بقصص الاطفال والكتابة إليهم شعراً ونثراً فجأت القصص المسلسلة – ثم القصص المترجمة وتلتها المجلات الادبية والثقافية الخاصة بالطفل .. ثم ظهرت بعض الدواوين الخاصة بالكتابة لعالم الطفل .
|
ثقافة
الطفل في الأدب العربي
أخبار متعلقة