صباح الخير
ونحن نعيش لحظات الفرح بالعرس اليماني الذي أذهل العالم كله، عُرس تحقيق الوحدة المباركة في الثاني والعشرين من مايو عام “1990م” أي قبل عقدٍ وثمانية أعوام، من حقنا، بل واجب علينا خاصة نحن الذين عايشوا الوطن قبل وبعد هذا المنجز التاريخي العظيم، أن نفكر أولاً بعقلية منفتحة لا منغلقة، بيضاء لا سوداء، كيف كان الوطن “جنوباً وشمالاً” قبل صبيحة الثاني والعشرين من مايو “1990م”؟! .. كيف كنا نعيش هنا وهناك ! كيف كانت أوضاعنا الاقتصادية خاصة نحن أبناء الجنوب؟! ثم واجب علينا أن نتحدث وبصوت مرتفع عّما وصلنا إليه اليوم مقارنة مع ما كنا فيه قبل الوحدة.من نافل القول وحقيقة وأمانة للتاريخ الذي أهملناه ولم يهملنا، نقول وفق معرفتنا ومعايشتنا للحدث قبل المنجز التاريخي الذي نقل شعبنا اليمني في الشمال والجنوب من مرحلة التمزق والاقتتال والتخلف الاقتصادي وضياع الثروات إلى مرحلة السلام والاستقرار ألف حساب في المعادلات والأحداث العربية والدولية .. مرحلة تميزت في كل مراحلها بالمشاريع التحتية الضرورية في المحافظات الجنوبية والإنمائية في المحافظات الشمالية .. مشاريع شملت كل المجالات وأبرزها الطرقات التي شقت الجبال والوديان والصحاري لتربط الوطن كله من صعدة إلى المهرة بطرق معبدة تسهل تنقل المواطنين من دون عناء والبضائع من دون تأخير .. وتربط اليمن بشقيقاتها المجاورة.ناهيك عن المشاريع الخدمية التي أنهت من حياة شعبنا ثالوث “الفقر والجهل والمرض” .. نقول إن تحقيق منجز الوحدة المباركة كان ضربا ًمن ضروب المستحيلات، بسبب اختلاف سياسة كل شطر من الشطرين بشتى المناحي السياسية والايديولوجية والاقتصادية وحتى الثقافية والفكرية .. لكن نقطة الالتقاء كانت تتمحور في إرادة الشعب الواحد ورصيده النضالي المشترك ضد الحكم الإمامي الكهنوتي المتخلف في الشمال والحكم الاستعماري البريطاني المستبد في الجنوب، وهي نقاط استطاعت أن تتجاوز ما عداها من اختلافات راهن الكثيرون وفي المقدمة أعداء اليمن على جعل اليمن ممزقاً ومشروع الوحدة لن يكتب له النجاح.أتذكر وبحكم مهنتي الصحفية التي جعلتني أحضر تغطية العديد من اللقاءات المتنوعة، “السياسية والحكومية” واللجان المشتركة بين قادة ومسؤولي الشطرين قبل إعلان يوم الوحدة، أتذكر أنني سمعت وشاهدت كيف كانت الوحدة وتحقيقها تتجاوز بل تتحدى كل التحديات .. كانت الوحدة وآمال تحقيقها ترتسم في عيون ووجوه كل قيادات ومسؤولي الشطرين .. سمعت إصرار الرئيسين “علي عبدالله صالح و علي سالم البيض” في سرعة تحقيق الوحدة وبأي أسلوب، وأن الوحدة إن لم تتحقق اليوم فإنها لن تتحقق أبداً ..لا أقوي بل لا أملك إمكانية الحديث عن هذه اللقاءات، ولا عن كيف تم إعلان الوحدة وكيف تم الاتفاق على تحقيقها .. بل أحب كما قلت في بداية موضوعي محاولة التفكير والحديث عن واقعنا قبل الوحدة وما نحن عليه اليوم بعد مضي عقد وثمانية أعوام، وماذا لو لم تكن الوحدة اليوم في حياتنا؟! وكيف هو الوطن اليوم دون الوحدة؟!ثلاثة أسئلة خلصت إليها من خلال محاولة تفكيري ومحاولة إجابتي من واقع الحال المعاش، إن الوحدة المباركة جاءت في زمن مناسب وصعب في أن واحد .. زمن مناسب أنقذت الوطن شمالاً وجنوباً من الانجرار وراء التجاذبات الدولية بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وتفكك قوة هذه المنظومة “الاتحاد السوفيتي سابقاً”، وهيمنة القوة الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي كان سيدفع اليمنيين إن لم يتخذوا قرار الوحدة، إلى الاقتتال نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاختلاف الايديولوجي وانتماء كل شطر من الشطرين إلى معسكر تفكك وآخر انفرد بالهيمنة الدولية .. فكانت الوحدة المباركة المنقذة التي جنبت اليمن ويلات وحروب أهلية كان سينجر إليها إذا لم تكن الوحدة حاضرة.أشياء كثيرة وإجابات لا أدعي أنني أمتلكها بقدر رغبتي في المساهمة الصحفية في إحياء ذكرى قيام الوحدة وإعلان الجمهورية اليمنية .. وهي رغبة استبدت بي لتجرني إلى الخوض في بعض التفاصيل التي اختزنت في الذاكرة، وهي تفاصيل تؤكد أن المارد اليمني حقق حلم الأجيال، وسطر وهو يمزق أعلام التشطير صفحة ناصعة جديدة في تاريخه الذي هو مليء بالصفحات الناصعة المطرزة بالذهب، غير أن الصفحة الجديدة طرزت بالألماس والجواهر ..نعم كان الوطن على وشك الهاوية إذا كانت الوحدة تأخرت عن زمن إعلانها .. ومهما كان حجم الصعوبات والمشكلات فإن الوحدة والمارد الذي أعلنها وحققها قادراً على تجاوزها والمضي بها ـ أي الوحدة ـ إلى الرسوخ والشموخ كالجبال.ولعل هذا العام وسفر الوحدة يمضي معانقاً السماء فإن منجزاً جديداً تضيفه إلى بحر من الانجازات تحققت خلال عقد وثمانية أعوام، وهو منجز ديمقراطي تمثل في انتخاب أمين العاصمة والمحافظين، انتخاباً جسد مصداقية قائد الوطن وباني نهضته الحديثة في تسليم الشعب سلطة قيادة نفسه بنفسه في إطار الحكم واسع الصلاحيات .. وهنا نعود للقول ماذا إذا لم تكن الوحدة حاضرة في الجسد اليمني؟! هل كنا سننعم بمثل هذا المنجز؟! والأكثر هل كنا سنعيش في أمن واستقرار وعدم الخوف من المستقبل كما نعيشه اليوم ونحن في حضن الوحدة المباركة؟! هل كان “الرفاق” سيتحدثون بكل حرية بدلاً من حديث السلاح الذي كانوا يتحدثون به قبل الوحدة في الجنوب وحتى في الشمال قبل قيادة الزعيم علي عبدالله صالح، هل كان العالم سينظر إلينا كدولة وشعب يصنع كل يوم نصراً جديداً في التنمية والعلاقات مع الآخرين؟!هل .. وهل .. وهل .. ملايين الأسئلة، ولكن الجواب واحد بأن الوحدة المباركة هي الشمس التي أحرقت وأخرجت وأضاءت وجه اليمن ومدت جسده بالقوة وأخرجت الإنسان اليمني من النفق المظلم .. وجعلت الديمقراطية والتسامح والحب عناوين لوحدة لن تزول مهما كانت التضحيات والصعوبات.