الروائي والصحفي المصري صلاح مطر في حوار خاص مع ( 14أكتوبر ) :
حاوره: بسام الطعان روائي وقاص وصحافي مصري، عضو هيئة التحرير والمسؤول عن القسم الثقافي في مجلة (الصدى) الإماراتية، عضو اتحاد الكتاب المصريين،عضو نقابة الصحافيين المصريين، سكرتير تحرير بمؤسسة الأهرام المصرية قبل المجيء إلى دبي ، صدر له: 1ـ أحلام فقيرة . مجموعة قصصية 1999، فازت إحدى قصصها بالجائزة الأولى لنادي القصة في مصر 1994باشراف الأديب الراحل نجيب محفوظ. 2ـ نمل وفتات. رواية 2000 3ـ الجسر الأزرق. رواية ـ جزء أول 2004 شارك في ندوات ومهرجانات ومؤتمرات ثقافية في مصر ودول أخرى. [c1]* قدمت للمكتبة العربية أعمالاً روائية مهمة ؛ منها “ نمل وفتات “، و” الجسر الأزرق”، ماذا يعني لك كل هذا؟[/c]- يعني لي أولاً أنني حيّ، فالكتابة عندي هي الحياة بكل مفرداتها، وثانياً أن لي وجوداً في هذه الحياة، إذ لا أجيد إثبات ذاتي إلا بالكتابة، ثالثاً- وهو الأهم عندي من ممارسة فعليْ الحياة وإثبات الذات- التواصل مع الآخر، وأعني به الإنسان بغضّ النظر عن جنسه وجنسيته ودينه، أو حتى جسمه وكيانه المحسوس؛ إذ ما يهمني في المقام الأول هو روحه، وهي الهبة العظمي من الخالق، ويكفي أنه سبحانه عرّفها في القرآن الكريم بأنها «من أمر الله»، لذا فهي لا تفنى، على العكس من الجسد الذي يتحلل في أمه الأرض بعد الموت، ويعلم الله وحده هل يعود عند البعث كما كان أم في هيئة مختلفة غير التي نعرفها. من هنا تنطلق روايتي الثانية «الجسر الأزرق» بأجزائها الثلاثة: الجزء الأول حمل العنوان نفسه وصدر سنة 2004، وأوشكت على الانتهاء من الثاني، وسيصدر بعد أشهر بإذن الله. أما الثالث فمازال مجرد نقاط وعبارات خططتها في مفكرتي، لكنه مكتمل في خيالي.. هذه الثلاثية ترتكز على «روح الكون» إن جاز التعبير، وتأثيرها في البشر وبينهم من جانب، وفي المخلوقات كلها في هذا الكون، وبينها وبين بعضها، وعلاقة الإنسان بها من جانب ثانٍ. [c1]* «نمل وفتات» عنوان مثير، ما العلاقة بين هذا العنوان المثير وبين السرد الروائي، ماذا تقصد بالنمل؟[/c] - لا وجود لتلك الحشرات التي نعرفها- وهي النمل- في الرواية؛ بل لم يرد لفظ «نمل» فيها أبداً.. إنما قصدت عامة الناس، المطحونين، المنسحقين، ولا أقول «المسحوقين» أي الذين ارتضوا أن يسحقهم الأقوياء، فعاشوا كالنمل على بقايا الخبز وفتات الحرية، وإن كان في حياة وعالم النمل الحقيقي مثال رائع على الصبر والعناد وحب الحياة والاستمساك بها. «نمل وفتات» تصوّر الصراع الأزلي الأبدي بين كل متناقضين، وهي جزء من ثلاثية أخرى مكتملة الخطوط في مفكرتي ورأسي، لكن داهمتني شقيقتها «الجسر الأزرق» وأصرّت على أن تولد، فاستجبت لقوة المخاض.[c1]* الرواية العربية هل تتطور بشكل متصاعد؟ وما موقعها بين الأجناس الأدبية الأخرى؟ [/c]- لا شك في تطور الرواية العربية في السنوات الأخيرة؛ متأثرةً بحركة ترجمة واسعة للأدب العالمي- لاسيما الرواية في أمريكا اللاتينية، وهذا لا ينقص من قدر الرواية العربية، اللهم إلا محاولات تقليد ساذجة وسطحية؛ سيتكفل الزمن وما يمكن تسميته «الضمير الجمعي الأدبي» بإسقاطها وإلقائها في سلة مهملات التاريخ، ومثالاً على ذلك تلك الطفرة في الروايات النسائية- لاسيما في السعودية- التي انساقت وراء تحدي المجتمع لمجرد التحدي، واتبعت في ذلك أسلوباً مبتذلاً بزعم حرية الكاتب، فتندم عندما تنتهي من الرواية على إضاعة وقتك في قراءتها. أما بالنسبة إلى الشق الثاني من السؤال فالرواية تتصدر الآن قائمة الأجناس الأدبية، بحيث يمكننا تأكيد ما ذهب إليه بعض النقاد؛ وهو أننا نعيش زمن الرواية، ولعل هذا ما أغرى هؤلاء الدخلاء عليها باقتحام حماها، إضافةً إلى شعراء حولوا مسارهم الأدبي إليها أيضاً، فلم ينجح منهم أحد! [c1]* ما المقومات التي يجب أن يستخدمها الروائي حتى يمكن لعمله الإبداعي أن ينجح بكل المقاييس؟[/c] - على الروائي أن يكتب ذاته وواقعه من دون افتعال ولا تقليد لأحد، وأن يكون متمكناً من أدوات الكتابة وأولاها اللغة؛ سواء لغته السردية والأدبية الخاصة، ولغته العربية «الفصحى» السليمة، وأنا- في الحقيقة- ضد القصص المكتوبة باللهجات العامية؛ فهذه لا يمكن أن نسميها روايات، بل لا تتعدى كونها «حواديت» تُروى في المقاهي وجلسات السمر التي لا فائدة منها!. على الروائي أيضاً أن يحدد لنفسه منهاجاً في العمل؛ بمعنى أن يكون لديه مشروعه الخاص (لا أقصد هنا تكرار ما سبق أن قلته عن التقليد) ويجاهد من أجل إنجازه حتى لو لم يجد فرصةً لنشره في وقته الراهن.[c1]* لكل كاتب أسلوبه ولغته الخاصة به، قارن مثلاً بين أسلوب ولغة أميل حبيبي والطيب صالح، وبين عبد الرحمن منيف وغائب طعمة فرمان، ستجد فروقاً شاسعة.. هل لك أسلوب معين تتبعه في كتاباتك، وما اللغة التي تفضل الكتابة بها؟[/c]- أكتب بطريقة القصص القرآني (أول من لاحظ هذا وكتبه الناقد المصري المعروف الدكتور مجدي توفيق)؛ إذ إن القرآن لا يأتي بالقصة في السورة نفسها كاملةً- باستثناء سورة يوسف عليه السلام- بل يصورها من زوايا رؤية مختلفة، ويوزع المشاهد على أكثر من سورة، فإذا أتممت قراءتها في السور التي وردت بها تكونت لديك القصة كاملة.. لقد تربيت على القرآن الكريم، فلما كتبت اتبعت طريقة القص نفسها لا شعورياً، وصدقني حين أقول لك: إنني لم أفطن إلى هذا إلا بعد أن قرأت ما كتبه الدكتور مجدي توفيق، حتى إنني اندهشت وكأنني أقرأ عن كاتب آخر غيري!. بهذه الطريقة أجعل القارئ شريكاً في فعل الإبداع وليس مجرد متلقٍّ سلبي. هي طريقة مجهدة جداً لي، وتتطلب مجهوداً مضاعفاً عدة أضعاف عن الطريقة التقليدية، لكنها في الوقت نفسه تكون مميزة وممتعة أيضاً. أستخدم- من حيث الأسلوب أيضاً- تقنيات مساعدة يمكن أن تسميها حداثية، وأضرب لك مثالين من رواية «الجسر الأزرق»: عندما يعتزل البطل «الخليل ناجي خليل» الناس، ويعيش مع طفله في مغارة بعيدة في الجبل يخترع لغة خاصة جداً بهما، ويدوّن مفرداتها مرتّبةً أبجدياً في مفكرة/معجم بخط يده ( خط يدي أنا في الحقيقة في مفكرة حقيقية)، تعثر «بثينة» البطلة الصحافية على هذا المعجم وتصفه في أثناء السرد،ليجد القارئ الفصل التالي مباشرةً عبارة عن صورة لصفحة منه بمفرداتها، وكأنه هو الذي عثر عليها. المثال الثاني: يطالع القارئ فصلاً من الرواية نفسها ليس إلا صورة من رسالة تركتها زوجة الخليل وحبيبته له قبل أن تنتحر (كتبتها كذلك بخط يدي مع بعض التغيير المتعمد في أشكال الحروف).. وهكذا. أما عن اللغة فقد تأثرت بالشعر وبلغة القرآن الكريم أيضاً، بحيث تجد معاني وتعبيرات داخلةً ضمن نسيج السرد من دون نقل الآية أو جزء منها حرفياً. كما أجد نفسي أكثر في الحكي بضمير المتكلم، حتى لو كان على لسان امرأة؛ وهذا ما حدث في «الجسر الأزرق» حيث تروي البطلة «بثينة» الأحداث من وجهة نظرها في فصول مسلسلة تحت عنوان «من أوراق صحافية مشهورة».[c1]* هل اسم الروائي يكفي لتكون روايته ناجحة؟[/c]- اسم الروائي يكون عاملاً مساعداً على توزيع الرواية؛ انطلاقاً من المثل الشعبي القائل «الصيت ولا الغنى»، أما نجاح الرواية فمرهون بمضمونها، فالرواية غير الجيدة فاشلة حتى لو وزعت مليون نسخة،والرواية الجيدة ناجحة حتى لو بيع منها عشر نسخ فقط.[c1]* كيف تقيم المنجز الروائي المصري في المرحلة الراهنة؟ [/c] - هو يدخل ضمن نطاق المنجز الروائي العربي بمميزاته وعيوبه، كما سبق توضيحه، وإن كانت الرواية المصرية- من دون تحيز- هي الأكثر حضوراً في المنجز العربي الذي يصطدم إجمالاً بعقبات كثيرة؛ أخطرها عقبة أمية القراءة والكتابة، والأمية الثقافية، ثم ما أسميها «أمية حب القراءة» التي ينظر المصابون بها إلى الذين يقرؤون نظرتهم إلى «مصاب بمرض مُعدٍ»، وهذا في حد ذاته من المضحكات المبكيات!.. وعلى الرغم من ذلك دعنا نتفاءل بما حققته الرواية من حضور في الآونة الأخيرة أعادها إلى كونها مصدراً مهماً للأعمال السينمائية.[c1]* ما مقدار الجرأة التي يمتلكها الروائي صلاح مطر في كتاباته: هل يقترب بكتاباته من المسائل الحساسة (الثالوث المحرم)؟ وهل يحسب حساباً كبيراً للرقيب؟[/c]- الجرأة عندي ليست مرادفاً للتبجُّح ولا للوقاحة، بل إنها بهذا المفهوم السلبي- من وجهة نظري- تكون هي الجبن بعينه، وهي الإفلاس الذي يدفع الكاتب إلى الخوض في ما ليس لموضوع الرواية من ع لاقة به؛ حتى يلفت الأنظار إلى بضاعته الكاسدة، وهو يوقن بأنها كاسدة حتى قبل عرضها، فيحقق انتصاراً وهمياً لا يتعدى أمده عمر فقاعة صابون تفقؤها نسمة ضعيفة من الهواء. في رواية «نمل وفتات»وصفت اغتيال «سالمين» البطلة (واحدة من النمل المنسحق) وانتقدت ضعف وصمت الجميع:السلطة ممثلةً في عمدة القرية وضابط الشرطة،والطبيب الشرعي، وخطيب المسجد(السلطة الروحية)،والمثقفين أيضاً ويمثلهم «جمعة» الطالب الجامعي الذي كان يحب سالمين، وانتقدت حتى عصر الرئيس السابق أنور السادات الذي وقعت فيه الأحداث، ليتبين أنه لم يكن «عصر الأمن والأمان» كما كان السادات يحب أن يقال عنه. وفي «الجسر الأزرق» تحدثت عن فساد بعض الوزراء ورجال الأعمال، بل فساد صحافيين (وأنا أعمل صحافياً) وعن علاقة محرمة بين البطلة الصحافية ورئيس تحرير الصحيفة التي تعمل بها، لكني لم أغرق في تفاصيل جنسية مقززة للقارئ رأيت أنها تضر بالعمل أكثر مما تفيده، معتمداً على ذكاء القارئ وقدرته على أن يكون شريكاً فاعلاً في النص كما أسلفت، ومتمثلاً أسلوب القرآن الكريم في التلميح الموحي إلى ما من شأن التصريح به أن يجرح الحياء.. هذه هي الجرأة التي أعرفها وأمارسها في كتاباتي. أما عن الرقيب فإنني أترك نفسي على سجيتها في لحظة الكتابة، موقناً بأن كل الخبرات التي صادفتني في حياتي وشكلت شخصيتي هي التي تصنع بداخلي «رقيباً مثالياً لا شعورياً» يطمح إلى أقصى درجات التحقق والنجاح، وإلى احترام الذات والقيم في الوقت نفسه.. رقيب قادر على إثارة المتلقي إلى أقصى درجة بكلمات وعبارات راقية غير مبتذلة.[c1]* كيف يمكن للأدب ككل أن يقلب الموازين، يحرك الجماهير، ويسبر أغوار الجرح العربي، هل يقدر على ذلك؟[/c]- هو قادر على أكثر من ذلك، لكن أثره لا يبين بسرعة، هو كالشجرة؛ تنمو ببطء لكن جذورها تتعمق في الأرض وتترسّخ بمضيّ الأيام.. كنت أتحدث عن الأدب عموماً، أما الأدب العربي فلا تنتظر منه- ولنكن واضحين مع أنفسنا- أن يقلب الموازين ويحرك الجماهير؛ فهناك العقبات التي تحدثنا عنها، والتي نتج عنها تدنٍّ مشين في توزيع الكتب ونسبة القراءة مقارنة بعدد السكان. وأضف إلى هذا كله المنافسة الشرسة من جانب ثقافة الصورة ويتزعمها وباء الفضائيات. أما عن قدرة الأدب على سبر أغوار الجرح العربي فهذه لا شك فيها. [c1]* نرى الكثير من الروائيين يصدرون عشرات الروايات، ولكن لا أحد يسمع بهم أو برواياتهم، ما تعليقك؟[/c] - هناك أسباب مختلفة- ناهيك عما ذكرته من قبل: قد تكون الرواية ضعيفة، أو لم تحظَ بالدعاية المناسبة، لكن المؤكد أن الواحد من أمثال هؤلاء لا يكون عضواً في «شلة» من كتاب ونقاد يهللون له، ويصعِّدون نجمه إلى السماء، حتى لو كانت رواياته- أقول عنها روايات مجازاً- لا تستحق ثمن الحبر الذي كُتبت به![c1]* المكان، هل هو حاجة ضرورية للروائي-المكان ليس بعزلة جغرافية، وإنما بعزلة روحية- حتى يتأمل ويستعيد الشخوص والأحداث وتحليلها وتركيبها، ومن ثم ضخها على الورق؟ [/c] - بالتأكيد هو في غاية الأهمية بالنسبة إلى محترف الكتابة عموماً والروائي خصوصاً، فعلى الرغم من أنني لا أجد في نفسي انتماءً إلى أي مكان عشت فيه طوال حياتي (لا أخجل من ذكر ذلك؛ فالكلب- مضرب المثل في الوفاء- يكون انتماؤه لصاحبه، لا للمكان، على العكس من القطة التي من شيمها الغدر بصاحبها والوفاء للمكان) فإنني تأخرت في إنجاز الجزء الثاني من «الجسر الأزرق» بسبب تركي مصر قبل أكثر من سنتين للعمل في دبي؛ حيث اقتطع ضغط العمل كثيراً من وقتي وجهدي وعزلتي، والأخيرة هي الأهم، فلم أجد وقتاً كافياً للكتابة، لكني مرنت نفسي على تحقيق عزلة إجبارية حتى وسط الناس وأوراق وزحام العمل والشوارع.[c1]* فنية وجمالية الرواية هي حلقة الوصل بين الروائي والمتلقي، وعليها يتوقف نجاح أو فشل تلك العلاقة.. ماذا على الروائي أن يفعل، وكيف عليه أن يكون حتى ينجح في تحقيق التوازن داخل تلك العلاقة ويجعل القارئ يعيش اللحظات الحاسمة الحلوة والمرة إلى درجة أن يغمض عينيه ويمضي مع خياله إلى آفاق بعيدة؟[/c] - عليه بالصدق، وأن ينسى أن أحداً سيقرأ ما يكتبه.. عندما يقرر الكتابة عليه أن يدخل حجرة ذاته، ويتعرى تماماً من دون خجل حتى من نفسه.[c1]* الأدب العربي بشكل عام، هل له هموم؟ وهل يعيش راهناً حالة يمكن أن نسميها أزمة تجرده من أصالته المعهودة؟[/c]- الأدب العربي لا يمكن فصل حاله عن حال المجتمع العربي، والإنسان العربي، والسياسة العربية.. هذا بوصفه مرآة للواقع الذي ينبع منه، أما بوصفه أدباً خالصاً يُفترض أن له هموماً فأنا ضد تسمية « أدب عربي» و»أدب أجنبي»؛ فالأدب عموماً شأن إنساني، وإذا لم يكن له هموم فهو ليس بأدب، وفي الوقت نفسه ليس مطلوباً من الأدب أن يكون منشورات سياسية، وليس على الأديب أن يكون زعيم حزب أو تنظيم يسعى إلى تغيير الواقع بيده. الأديب الحقيقي يقول كلمته، ثم يتركها وحدها توجد طريقاً لجذورها في أرض هذا الواقع. [c1]* يواجه الأدب بأشكاله المألوفة- الرواية والقصة والشعر- تحدياً كبيراً يحس به كل أديب وشاعر، هذا التحدي يتجسد في أشكال التعبير المرئي عبر التلفاز والحاسوب.. برأيك ما مستقبل هذا الصراع؟ وما مدى تأثير الفنون المرئية في الرواية؟[/c]- لا خوف على الأدب أبداً من كل هذه التقنيات الحديثة، على العكس هي- شاءت أم لم تشأ- مُسخَّرة لخدمته، لاسيما الرواية التي هي أسمى أنواع الحكي، والتاريخ نفسه حكي وروايات، والفيلم والمسلسل ما هما في الأصل إلا رواية، حتى الكلام العادي بين اثنين هو الرواية في أبسط صورها. ومهما يتقدم العلم، ويُخرج من جعبته، ستبقى للكتاب «الورقي» قيمته ومكانته العليا، ويكفي أن الله سبحانه وتعالى اختار الورق وعاءً لحفظ رسالاته السماوية السامية، ثم أتت من بعد الورق أوعية أخرى: شرائط كاسيت، وأقراص مدمجة، وشاشات عرض، و.. و...[c1]* كيف هي العلاقة بينك كروائي وبين النقد والنقاد، وهل حركة النقد العربية هي حركة نقدية حقيقية أم أنها مجرد حركة صداقات لا أكثر ولا أقل؟[/c]- أرد على سؤالك بحكايتين، مع ملاحظة أنني يُفترض- بصفتي صحافياً أيضاً- أن أستثمر علاقاتي الكثيرة في الترويج لرواياتي: بعد صدور « الجسر الأزرق» طلب مني ناقد- وهو صحافي في الوقت نفسه يشرف على الصفحة الثقافية في صحيفة يومية- أن أجري حواراً كاملاً مع نفسي؛ أضع الأسئلة وأجيب عنها وأسلمه إياه مع صورة شخصية لينشره «على الجاهز» في صحيفته! لم أفعل طبعاً، ولما ألحّ عليّ أكثر من مرة اعتذرت له بضيق وقتي ولم أشأ أن أحرجه برأيي، فما كان منه إلا أن نشر خبراً من ثلاثة سطور فقط عن الرواية، وذكر فيها عنوانها خطأً «الجسر الأول»!!. وذات مرة كتبت عن أديب معروف مقالةً أثبتُّ فيها بالأدلة أن عناوين معظم كتبه سرقها من عناوين كتب التراث العربي القديم، وكانت زوجته- وهي ناقدة- قد أثنت على رواياتي، وأخبرتني أنها كتبت عنها دراسة كبيرة؛ اتفقت على نشرها بمجلة متخصصة، لكنها بعد مقالتي عن زوجها «عاقبتني» بالتكتم على تلك الدراسة، بل خاصمتني، وتعمدت تجاهلي في المحافل والملتقيات الثقافية.. أوجز لك، فأقول: «أنا لي شلَّة.. إذاً أنا موجود» هذه هي النظرية العظمى السائدة والقانون الذي يحكم العلاقة بين الكاتب والناقد في الوطن العربي للأسف، إلا من رحم ربك؛ فهناك نقاد يحترمون أنفسهم، لكنهم قليلون جداً.[c1]* بعض النقاد يريدون من الروائي أن يلتزم بقوانين معينة على الرغم من أن الأدب لا يمكن وضعه في قوالب جاهزة.. أنت كروائي هل تضع آراء النقاد في ذهنك حين تشرع في الكتابة؟ ومن الناقد، وما مواصفاته؟[/c]- العمل الإبداعي عموماً يجب ألا تحده قوانين ولا قيود؛ فهو خلاصة نتاج الخيال الإنساني الحر الذي يصل إلى أقصى حدود الكون..هذا ماأؤمن به، وعندما أشرع في الكتابة أدخل «كوني» الخاص، فلا أفكر لا في الناقد ولا في القارئ. أما عن مواصفات الناقد من وجهة نظري فأهمها أن يعرف أنه كالقاضي في المحكمة تماماً، وأنه مسؤول أمام ضميره الإنساني والمهني عن كل حرف يكتبه،وأن يكون قارئاً جيداً ربما أكثر من الكاتب نفسه. [c1]* بعد هذه المسيرة الجميلة والطويلة في عالم الإبداع، ما جديدك؟[/c]- أفكر في إعادة طباعة الجزء الأول من «الجسر الأزرق»، وسيليه خلال أشهر بإذن الله الجزء الثاني الذي أوشكت على الانتهاء منه، وعنوانه « الجراد الأبيض وثلاث مومياوات أعلى النهر»، ولديّ مجموعة قصص قصيرة جاهزة للطباعة، لكن لم يأتِ أوانها بعد.