عندما يدور الحديث عن الشعر العربي المعاصر ، يقفز إلى الصدارة موضوع الاتجاهات الشعرية ، شعر التفعيلة وقصيدة النثر ، وغالباً ما ينتهي الحديث بين (الفرقاء الشعريين)إلى التشنج والذهاب إلى مذاهب الغائبة جدية ، فانصار قصيدة التفعيلة والتجديد يذهبون إلى القول إن قصيدة النثر لم تستطع رغم نصف قرن على ظهورها أن تقدم إنجازات حقيقية ، ولم تتحدد ملامحها كنوع شعري خاص ، ناهيك إنها لا تزال تجارب لا يعد والابتكار فيها سوى إفراغ القصيدة من الوزن الشعري ، وأن مشهد قصيدة النثر يضج بالمئات من (الناثرين) الذين ينسخون بعضهم بعضاً بشكل عبثي لا طائل منه.وازاء ذلك ينافح شعراء النثر عن اتجاههم بالقول إن قصيدة التفعيلة قد استنفدت طاقتها واضحت تقيد الإبداع ، وإن قصيدة النثر تفرض نفسها على الواقع الشعري بوصفها البديل القابل لمواكبة العصر .والحق إن كلا الرأيين الآ نفين يجانبان الصواب بنفس الوتيرة ، حيث انهما لا يصدران الا عن أناس متشنجين يحكمهم التعصب ، إن كانوا من المثقفين ممن يفترض أن يكونوا في أول الصفوف لمحاربة التعصب ، ولعل مرد ذلك إلى جبلة العرب في هذا الشأن ، هذه الجبلة التي تضيق بالرأي الآخر والحرية والتعدد .واللافت في الحوارات حول الشعرية العربية إننا قلما نجد من ينأى بنفسه عن هذه الحرية في النقاش والأحكام ، وهؤلاء نجد آراءهم توفيقية ، فنجدهم يعترفون بانجازات معينة حققتها قصيدة النثر في المشهد الشعري العربي ولكنهم عند الإشارة إلى الاخقاقات والأضرار التي يلحقها الكثير من كتاب قصيدة النثر بالمشهد الشعري بدءاً من التغريب الناتج عن محاكاة المدارس الغربية وانتهاء بالاستقراء التجريبي الذي لا تستوعبه لغتنا العربية ، نجدهم يكتفون بالقول إن قصيدة النثر لا تزال تسعى إلى التحقق كنوع خاص .وبالمقابل نجدهم يمجدون حركة التجديد الشعري وإنجازات قصيدة التفعيلة في الحفاظ على الهوية الشعرية العربية وموسيقى الشعر العربي ، لكنهم لا ينقدون ذلك الكم الهائل من قصائد التفعيلة التي تخرج لنا جافة جامدة لا روح فيها ولا موهبة وهم بذلك يتركون المشكلة بلا حسم .وعليه فإن الجدل الدائر حول الشعرية العربية راهناً لا يفترض به أن يقدم بهذه الصورة السجالات التي تثير اللفظ دون جدوى تذكر ، بل يفترض أن يقوم الجدل داخل الدرس النقدي العلمي والمنهج الذي يأخذ بدرس كافة أشكال الإبداع الشعري بعمق ويتبع مساراتها وإنجازاتها وتأثيراتها سلباً وإيجاباً من دون تعصب أو انحياز أو تقيه.وبأ ثناء ذلك علينا أن نعمل بالمثل الصيني ((دع مليون زهرة تتفتح )) فلندع الشعر يتدفق إلينا بكل أشكاله التعبيرية ولندع الفرصة لهذه الأشكال تتعايش وتتراكم مخرجاتها في المشهد ، ففي الأخير ستفرز تلقائياً الأعمال الأصيلة القابلة للحياة والديمومة ، وستموت كل الأعمال اللقيطة التي سترفضها تلقائياً البيئة الثقافية للمجتمع.فلا يبقى إلا ما ينفع الناس وأما الزبد فيذهب جفاء .
|
ثقافة
اقواس
أخبار متعلقة