الحرية أغلى بكثير من كل القيم التي يحلم بها الإنسان، بل هي من أغلاها ! .. بدون الحرية لا يمكن للإنسان أن ينطلق نحو المستقبل بخطى واثقة وحثيثة وقادرة على بلوغ عتبة النهضة والثبات عليها بثقة متناهية !.والحرية هي التي كرم الله بها الإنسان.. وخلقه حراً في كسبه وأفعاله.. قال تعالى : (( من عمل صالحاً فلنفسه .. ومن أساء فعليها .. وما ربك بظلام للعبيد )). وبدون الحرية لا تعني حياة الإنسان شيئاً يذكر (!) .. ولذلك كانت الحرية مع الألم أكرم للإنسان من العبودية مع السعادة (!) .. ولهذا خلقنا الله نخطئ ونتألم لكي نتعلم قيمة الحرية مع ألم الأخطاء (!!) . وقبول التوبة من العبد المخطئ لم يكن أساسه أن الخطأ نتج عن الجبر والتسيير كما زعم الجبرية صراحة ، ( والسلفية على طريقة بلا كيف ) .. وإنما كان أساسه أن الخطأ نتج من حرية العبد في صناعة كسبه وأفعاله واختياره بإرادته كل ما صنع فكان ألمه من سيئات أعماله كرامة لها وسبباً في شفاعة الله له بقبول توبته !وأحسب وأزعم أن تحقق نهضة البشرية في القرنين الماضيين لم يكن إلا بسبب سيادة قيم الحرية في العالم .. وأحسب وأزعم كذلك أن نهوض الغرب ومن قبله أميركا التي اكتشفت في 2 /10 /1492م من قبل كولمبس وكان قد وصلها مرارا ولم يعرف أنه اكتشفها ومات على ذلك ! حتى اكتشفها ( اميريجو ) في 20 /5 /1509م ونسبت إليه (!) . أزعم أن نهوض أميركا واستيعابها للتطور الحضاري والصناعي والعلمي في خمسة قرون فقط كان بسبب انتصار قيم الحرية فيها منذ استقلالها عن بريطانيا ، وهي - أي أميركا - التي قال أحد رؤسائها السابقين : الدولة ، التي تضحي بالحريات من اجل الأمن ، لا تستحق الحرية ولا الأمن !! .ويستحيل قطعاً تحقيق أي نهوض في شتى المجالات في غياب الحرية ، وإن حدث لن يكتب له البقاء كما حدث في الاتحاد السوفيتي السابق والمعسكر الاشتراكي ! هذه العلاقة الجدلية بين الحرية والمستقبل هي علاقة استيعاب التنوع الثقافي والاجتماعي وتوجيه المجتمع نحو حل مشكلة ( السلطة ) بالديمقراطية والانتخابات الحرة والنزيهة والتداول السلمي الحقيقي لها وهذا هو صمام أمان الاستمرار في التقدم العلمي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي وغيره ووقاية فاعلة من استحالة العودة إلى أدغال القرون الوسطى وعهود الرق والاستبداد والإقطاع والتناقضات الاجتماعية المتنامية باطراد (!) . إن الحرية في المعتقد والدين أساس هذه الحريات جميعاً ولذلك يقول الله تعالى : (( فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر )) .. من سورة الكهف ، وقال تعالى : (( لست عليهم بمسيطر )) .. من سورة الغاشية ، وقال تعالى : (( لا إكراه في الدين )) .. من سورة البقرة ، والأدلة من القرآن والأحاديث على ذلك كثيرة ! وليس صحيحاً أن هذه الآيات نسختها آية السيف (!) فقد جعل بعض أهل الحديث آية السيف ناسخة لأكثر من 114 آية في القرآن بما في ذلك آيات تحث على الخير والفضيلة والأخلاق (!) كقوله تعالى : (( وقولوا للناس حسنا )) .. وقوله تعالى : (( وجادلهم بالتي هي أحسن )) .. وقوله تعالى : (( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها )) .. وغيرها زعموا أن آية السيف قد نسختها وآية السيف هي آية سورة براءة ! (( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ... )) آية رقم (5) من سورة التوبة . وعليه .. فإن حرية المعتقد والتفكير والتعبير والرأي والكلمة والصحافة واحترام حقوق الإنسان ومغادرة العصبيات القبلية والجهوية والعرقية المتخلفة هي سلم ثابت نحو سماء المستقبل مع ما في هذه الحريات والحقوق من أخطاء وامتعاضات تعتبر مجال امتحان حقيقي لدعاة النهضة والتطور ! إن ضوابط الحرية هي من نتاج الحرية نفسها ومن تعريفها .. فالاعتداء على حقوق الآخرين ليس من الحرية في شيء بل اعتداء عليها .. ومن هنا فإن الحرية تحمي نفسها ولا يمكن أن يحميها أو يدعي حمايتها المعتدون عليها (!) . إنني شخصياً لا أؤمن ولا اعتقد ولا أثق بمحاسبة الآراء والتعبير والكلمة والقلم مهما بلغ الشطط بأصحابه (!) فالحرية كفيلة بإضاءة ميدان فرسانها (!) والعاثرون في هذا الميدان هم الخائبون وحدهم (!) .. ما أعظم ترك الوصاية على العقول !! وما أعظم اكتشاف الأخطاء وتسديد الإصابة بعيداً عن أسواط الجلادين ونعيق الواعظين !! وما ألذ الحرية مع الألم ! وما أتعس العبودية مع السعادة !! .
الحرية أغلى .. وأبقى !!
أخبار متعلقة