وزارة العدل السعودية
الرياض / متابعات : في خطوة انتظرها القضاة وتوقعوها في ظل الاهتمام الشخصي بأوضاعهم المالية وما يواجهونه من تكاليف المعيشة، رغم ما يفرضه وضع القاضي الوظيفي والاجتماعي والأدبي، تتم الآن صياغة لائحة وظيفية موحدة للقضاة في القضاء العام والقضاء الإداري، تتضمن إضافة مزايا مالية ووظيفية الهدف منها تحسين أوضاع القضاة ومساواتهم بالقضاة في بعض دول العالم، حيث تعمل القوانين في تلك الدول على توفير أفضل وضع معيشي للقضاة. ولقد تم تحسين أوضاع القضاة في مرات سابقة، ورغم ذلك، فإنها لم تصل إلى الحد الذي يمكن معه المقارنة بأوضاع القضاة في دول مجلس التعاون الخليجي مثلا، حيث يمكن أن تكون المقارنة معقولة لتشابه ظروف المعيشة وتقارب الأوضاع الاجتماعية والمادية. واليوم هناك لائحة تحت الصياغة والتدقيق وسيتم عرضها على الجهات المختصة لتعتمدها أو تطلب إدخال تعديلات عليها مع ترجيح فكرة اعتمادها، لأن صياغتها كانت مشتركة بين مجلسي القضاء في القضاء العام والقضاء الإداري. إن إجراء مقارنة بين دخل القاضي ودخل من يماثله في الوضع الوظيفي في بعض القطاعات الحكومية، يظهر أن هناك فارقا كبيرا، ليس في الكادر الوظيفي أو المرتب، لكن في المزايا الإضافية التي تحدث الفرق الكبير في الدخل الشهري الإجمالي. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم تتم منذ وقت سابق معالجة الأوضاع المادية للقضاة بما يلائم التغير المتتابع في الأوضاع المعيشية؟ والواقع يعكس أن هذا لم يكن محل اهتمام واضح من القائمين على إدارة شؤون القضاء في القضاء العام والقضاء الإداري رغم أن الاهتمام بكل ما يؤدي إليه من وضع أفضل للقاضي يؤدي حتما إلى أداء أفضل في الأعمال المسندة إلى القضاة. والواقع أن اهتمام القيادة بأوضاع القضاة تخطى بمراحل اهتمام القائمين على إدارة مرفق القضاء، فقد تبنى ولي الأمر - حفظه الله - مشروعا وطنيا ضخما لتحسين مرفق القضاء وإعادة هيكلة المحاكم بشكل عام وإنشاء محاكم استئنافية وعليا ومحاكم متخصصة رغم أن مثل هذه الأفكار التطويرية والتنويرية أيضا يجب أن تنبع من القضاة أنفسهم ومن القائمين على هذا المرفق بالغ الحساسية. يبدو أنه كان من السائد وجود أفكار تبناها أفراد محدودون أدت إلى جمود طويل تحول مع الزمن إلى علل يعانيها القضاء، ما أدى إلى تدخل الدولة لفرض ما تقتضيه المصلحة العامة وتحريك الموقف نحو ما يتطلبه المستقبل من تبني مشاريع الأنظمة الحديثة وتقنين ما يلائم من القواعد الإجرائية، والأخذ بوسائل التقنية الحديثة والانتقال من فلسفة جامدة لا تمثل ثقافة الأمة إلى رؤية واضحة المعالم، وشفافية في الكيفية التي يعمل بها المرفق القضائي. إن الاعتراف بأن أوضاع القضاة المادية غير جيدة، أمر مفروغ منه، لذا يتم البحث عن حلول أفضل لنصل إلى الهدف المقصود وهو إغناء القاضي عن التطلع إلى ما هو خارج كسبه المشروع، وفي الوقت نفسه لا بد من الاعتراف بأن مكانة القاضي في الإسلام وكيف تعامل معها المسلمون في السابق هي ما يجري عليه العمل اليوم في كثير من الدول المتقدمة التي تفاخر بنزاهة قضائها واستقلاله وحياديته، بل ذلك السلوك المثالي للقاضي رغم كل ما لديهم من ملهيات ومغريات وانفتاح لا يلام في الوقوع فيها سوى القاضي فقط. ومع ذلك فإن من العسير جدا استدعاء تلك الرؤية وتطبيقها كما كانت، ليس لاختلاف الظروف الزمنية، لكن لانعدام التهيئة العلمية والذهنية والرقابة الذاتية التي تجعل من القاضي الرقيب الأول على نفسه. ولقد قال أحد الخبراء في ندوة عن أعمال تطوير وإعادة هيكلة القضاء (أعطوهم بكل سخاء وحاسبوهم بكل قسوة) وهي نصيحة في مكانها الصحيح نظريا وعمليا.