أضواء
محمد البلادي«من الحُمق أن يُعالج الخطأ بالخطأ»!.. كانت هذه المقولة تدور في ذهني وأنا أحاول جاهدًا تخليص بريدي من كمٍّ هائلٍ من رسائل المقاطعة التي أصبحت تداهم -دون استئذان- بريدك وجوالك وحتى سمعك وبصرك، لدرجةٍ قد تُشعرك -خطًأ طبعًا- أننا من يصنع تلك السلع!! أو أننا على الأقل قد أوجدنا من البدائل ما يمكن أن يغنينا عن العالم وحضارته.. عملاً بالمقولة البائدة «نأكل مما نزرع!! .. ونلبس مما نصنع!!» التي لم نحقق منها شيئًا رغم صدورها بعد (لاءات الخرطوم) الشهيرة، التي واكبت (نكستنا) الأشهر في العام 1967م!.الحقيقة -أيها السادة- نسبيةٌ دائمًا.. فما تراه حقًا وصوابًا قد لا يراه الآخرون كذلك، ما لم تجتهد بكل السبل الحضارية الممكنة في شرحه وتبيان صحته للآخرين.. فكم من القضايا العادلة باءت بالفشل لأن أصحابها لم يتمتعوا بالقدرة الكافية لإقناع الآخرين بصحتها.. ولعل قضايانا العربية أكبر مثال على هذا.. فنظرًا لأننا لم ننتج حتى الآن الخطاب العربي الذي نستطيع به إقناع الأمم الأخرى بعدالة قضايانا.. كان الخنوع لنظرية المؤامرة، ورمي التهم على الآخرين، والدعوة لمقاطعتهم هو أسهل الطرق وأسرعها لكي نشعر بقليلٍ من الارتياح الزائف نحو تقصيرنا تجاه قضايانا المزمنة!.لن أقول بخطورة المقاطعة على اقتصادنا حتى لا تتهم حروفي اليوم أنها مدفوعة الثمن!! لكنني أتساءل ما الفائدة التي سنجنيها من المقاطعة إن لم تقترن بخطاب إعلامي واسع وعميق التأثير يوضح عدالة القضية وشرعية المطالب؟ الإجابة لاشيء! غير مزيد من استعداء الأمم، وتصويرنا كطفلٍ غضوبٍ لا يعرف الناس ماذا يريد! سوى تركه قليلاً ليعود عن غضبته!.سأضرب لكم مثلاً أحداث غزة الأخيرة التي أعتقد أنها الحرب الوحيدة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي الطويل التي حقق فيها الجانب العربي انتصاراً إعلامياً كبيراً.. ليس بسبب محطات التلفزيون (الممانعة) وخطاباتها التعبوية التي ما انفكت تخاطب العالم بلغة الستينيات المضللة -التي كانت تصور للعالم أننا ذاهبون لنلقي بإسرائيل في البحر!! في الوقت الذي كانت فيه طائراتنا تُدك وتُقصف في مطاراتها- لكن ذلك الكسب الإعلامي جاء بفعل الناشطين من المدونين والمثقفين العرب الذين أوضحوا للعالم من خلال لغة الإنترنت العالمية بشاعة المجازر الإسرائيلية حين وثقوها صوتًا وصورة.. وقرنوها بـ(الهولوكوست الإسرائيلي) من خلال خطاب واعٍ وواضح.. كشف للعالم كله حقيقة الجيش الأكثر أخلاقية في العالم!.لست ضد المقاطعة إن كانت ذات منهجية وأهداف واضحة صادرة عن مرجعية موثوقة وبعد استنفادها لجميع الحلول الممكنة.. لكنني بالتأكيد ضد العشوائية والانتقائية (المُريبة) لتلك الدعوات؟! فالملاحظ أنها لا تخرج في الغالب عن مقاطعة بعض أنواع القهوة الأمريكية (حلوة المذاق) التي لا نحتاجها كثيرًا.. لأننا اعتدنا على شرب (المُر)!! من القهوة.. أو مقاطعة بعض مشتقات الألبان ربما لان لدينا الكثير من الأبقار!!.. أو بعض الوجبات السريعة لأن شعوبنا بـ(الأرز) وحده تحيا!.يا دعاة الصدام مع حضارات العالم: حتى لا تتهموا بالتناقض قاطعوا -إن استطعتم- سيارات الغرب الفارهة التي تمتطون ظهورها، وطائراته التي تقلكم إلى منتجعاته ومشافيه!.. قاطعوا أدوية (الضغط والسكري والكولسترول) التي تكاد تفتك بكم!.. قاطعوا علوم الغرب ومكتشفاته التي سهلت حياتكم وزادتكم كسلاً.. قاطعوا أجهزة الاتصالات والحاسبات والإنترنت التي أوصلت خطبكم ودعواتكم إلى مشارق الأرض ومغاربها!.. والأهم (يا فحول) العرب قاطعوا (الحبة الزرقاء) إن كنتم من الصادقين!.[c1]* عن/ صحيفة «المدينة» السعودية[/c]