صباح الخير
مساء أمس الأول اتصلت أختي المقيمة في ألمانيا الاتحادية منذ قرابة ثلاثة عقود , لتخبرني بأن اليوم عيد ميلادها الحقيقي لأنها منحت رخصة قيادة سيارة في المانيا !! ..أعترف أن الدهشة تملكتني بعد أن ظلت السخرية هي الشعور الذي استحوذني لبعض الوقت .. ماذا يعني أن ينال إنسان رخصة قيادة سيارة ؟! الأمر عادي جداً , لا يحتاج إلى كل هذا الفرح والتهاني المنهاله عليه من كل شخص يعرف بالأمر !! ..لم اشعر أختي التي كانت تتحدث وكأنها تغني من الفرح , لم أشعرها بسخريتي من فرحتها لأنني اعتبرها قدوتي في الحياة لصمودها في الغربة وشجاعتها في تربية أولادها بنتان وولدان بعد وفاة زوجها – أبو الأولاد – تربيتهم على الأصول الإسلامية الحنيفة , المحافظة في بلد كل شيء فيه مباح ومفتوح والمعصية فيه أقرب إلى التوبة فأنا أعرف المانيا الاتحادية وزرتها -عند أختي- مرتين وشاهدت بأم عيني كيف يعيش فيها الشباب وعلاقتهم بأسرهم .. عرفت أن الفتاة أو الفتى إذا بلغ الخامسة عشرة من العمر فهو حر في كل شيء يعمله حتى وإن قرر أن ينام خارج المنزل .. الوالد والوالدة مهمتهم فقط التوجيه وإعطاه ما يريد فان عجزا عن فعل ذلك فالدولة تتحمل المهمة , هذا إذا كان الشخص يحمل جنسية البلد .. كما هو الحال مع أختي التي اكتسبت الجنسية الألمانية لطول إقامتها وإنجابها أولاد حتى وإن كان والدهم ليس ألمانياً .. فزوج أختي رحمه الله ينتمي إلى اليمن من محافظة الضالع هاجر إلى ألمانيا قبل نحو أربعة عقود .. عاش فيها ربيعاً حتى رحل عن العالم فيها ولكنه أوصى بأن تكون أرضه اليمن مرقداً أبدياً له وكان له ما أوصى به فدفن في عدن .هذه المقدمة التي اسردها لكم أحاول من خلالها في سطور قليلة جداً توضيح الصورة التي يعيشها مغتربونا في المهجر وكيف هي التضحية من أجل تربية الأولاد .. ولا أقصد بذلك أن كل شيء " سايب " هناك وأقصد الدولة الأوروبية , بل على العكس فإنك تجد أنه حتى هذا التسيب يحكمه قانون صارم صدقوني .. لا نفهمه نحن العرب .. ولتوضيح الصورة حول هذا الجانب سأتحدث في مقالاتي القادمة لأهمية الموضوع موضوع " اليمنيون في المهجر " .عودة إلى موضوع فرحة أختي بمنحها رخصة قيادة سيارة , هو أمر في اليمن عادي جداً جداً .. حتى الأطفال مع كل الأسف يمكنهم امتلاك الرخصة إما بالواسطة أو دفع المعلوم أو الانتماء إلى مسؤول كبير أو شيخ قبيلة .. وهذه حقيقة لا نفزع من التحدث بها , إذا أردنا تصحيح أخطاءنا !!في المانيا ومن تجربة أختي منح رخصة قيادة سيارة أصعب من منح الجنسية .. لماذا ؟! لأن الأمر لا يتعلق بالدولة وسياستها , بل بالمواطن واحترام حقوقه في السير الآمن وسلامة عيشه دون حوادث قد تؤدي بحياته أو تصيبه بعاهة !! ..فإذا أردت استخراج رخصة قيادة سيارة عليك اتباع خطوات بالغة الشدة والصرامة مع احترام عامل السن بأن لا يكون طفلاً ولا في سن الشيخوخة .. عليك أولاً الدخول في مدرسة تعليم قيادة السيارة حيث لا مجاملة فيها ولا مراعاة للحجم الاجتماعي أو السياسي الذي ينتمي إليه الطالب في هذه المدرسة .. كل شيء في المدرسة محسوب بالوقت لأنه مرتبط بالمال .. ورسوم الدراسة أغلى شيء يدفعه الطالب .. وعند الامتحان النهائي الذي بموجبه تمنح الرخصة أو عدمها تكون لجنة الامتحان أشبه بالكمبيوتر يحسب كل حركة لك , فلا أخطاء حتى وإن كانت بسيطة .. فالخطأ البسيط يعني العودة من أول وجديد للدراسة .أختي وكما أنا شاهدت نظام السير في ألمانيا خاضت معركة حقيقية سلاح الرغبة الجامحة لسياقة سيارة تعينها على مشوار الذهاب إلى العمل والعودة منه والتسوق خارج المدينة التي تسكن فيها لذلك هي قالت إنها تحتفل بعيد ميلادها الحقيقي .مما سبق تذكرت يوماً وأنا في إحدى جلسات القات هنا في عدن , أخبرت احد الحاضرين ذوي العلاقات الواسعة , بأنني أرغب في قيادة سيارة ومشكلتي هي الليسن – الرخصة - , فقال لي صاحبي بكل ثقة : " هذا سهل جداً .. هات صور والمعلوم ( الفلوس ) وأعتبر الرخصة في جيبك خلال أسبوع " هكذا والله قال لي , لم يسألني إن كنت أعرف القيادة أم لا فالأمر عادي .. لذلك نسمع اليوم عن المئات من حوادث المرور أغلبها عدم الالمام الصحيح بفن القيادة وأصول وقواعد المرور والنتيجة مئات الضحايا الغالبية لا ذنب لهم سوى جهل السائق بقواعد وأصول السواقة .. لهذا نحن محلك سر وغيرنا يتقدم !! فمتى نتعلم أن هناك أشياء لا تتطلب وساطة ولا حق أبن علوان بل ضمير !!