عند تجوالك في شوارع صنعاء القديمة والحديثة تشعر أنك تنزع أحلامك من أنفاس الصحو .. حين يدهشك جمال أشجار البن والعنب والرمان وأشجار الفستق واللوز ، حيث تجذبك المناظر الخضراء التي تكسو المدينة حيثما تسير ، وتزف نفسك للتاريخ والشجن وتتأمل النهضة الحضارية الحديثة التي بدأت تزحف نحو المعمار القديم ، وعندما تجد نفسك وسط صنعاء تشاهد لوحة معمارية فريدة ذات طابع خاص لها تاريخها وحضارتها وفنها المعماري والغنائي ومفردات أخرى تختزلها العين وكل مبنى حوله أشجار البن والعنب ، وكلما اقتربت من المعمار الصنعاني والقمرية المزخرفة بأجمل الألوان تشعر بأصالة المعمار اليمني حيث يعد من أرقى العمارة في الجزيرة العربية، تقول الأستاذة سلمي سمر الدملوجي العراقية في جامعة لندن هي وحدها من أدرك ذلك فقد خلصت من خلال تخصصها في فن العمارة العربية ( إن العمارة اليمنية أكثر تطوراً من الناحية الهندسية وزخرفة القمرية اليمنية ).[c1]البيت الصنعاني فنياً [/c]هيئة البيت الصنعاني تثير إعجابك فهو يتميز بالزخرفة ويبني من أحجار الجرانيت ذات اللون الفاتح والأهتمام بالقمرية المزخرفة ذات النقوش وألوان الزجاج ، أما أنواع المباني فتكون إما مبنى عادي يمكن إدخال بناء ملاصق له وبدرجة ( سلم ) مشترك ، أما الأسقف فتكون خشبية من النوع الجيد ومعظم الأهالي يهتموا بزخرفتها .[c1]زخرفة القمرية في العمار الصنعاني[/c] قد يسأل القارئ لماذا سميت بهذا الاسم ( القمرية ) والإجابة على هذا السؤال كأسباب العشق وواضحة كحدوثة يجب أن تكون في الأعلى شاهده على ومطلعة على كل همسة بل هي الإبداع الهندسي للعمارة اليمنية وتعلو القمرية كأنها تاج يزين المبنى . ومرت صناعة القمرية في اليمن بعدة مراحل، فكانت بدايتها عبارة عن لوح من المرمر دون نقوش أو مزج مع أي مادة أخرى ،غير أنه كان مصقولاً بشدة بحيث ترق سماكته ويسمح بمرور الضوء بلونه البلوري الأبيض .. كان أداؤه يشبه إلى حد كبير أداء القمر في إرسال ضوءه وأشعته الفضية ويبعث في النفس الهدوء والاستقرار ما زاد اهتمام الإنسان اليمني في هندسة القمرية وزخرفتها . ومع بداية القرن العشرين ودخول مادة الزجاج في الصناعة اليمنية المحلية استخدم الزجاج في القمرية حتى يدخل الضوء إلى الغرفة وتنوعت أشكال زخرفة الزجاج مما يثبت الإبداع عند اليمنيين في مجال الزخرفة والبناء وجاءت الألواح الزجاجية بألوان مختلفة ولكن لون واحد لكل قمرية .. ثم ما لبثت الابتكارات أن توالت حتى أخذت القمرية شكلها الحالي .ومع الأيام تنوعت أشكال القمرية وأحجامها حسب البناء المعماري منها على شكل أقواس توضع في أعلى النوافذ إذ يقوم البناء بعمل قوس أعلى النافذة يسمى العقد بواسطة قطع الأحجار او الأجر من مواد البناء التقليدية في اليمن . ويعتبر صانع القمرية فنان مبدع في أعمال الزخرفة والنقوش فهو يأخذ قياسات العقود ، وحسب هذه القياسات يصنع هيكل القمرية من مادة الجص واسعة الاستخدام وهي عبارة عن أحجار جيرية يتم حرقها وطحنها وبعد ذلك تتحول إلى مسحوق ابيض له عدة استخدامات ، بعد ذلك يتم عمل خلطة الجص عبر مزجه بالماء وسرعان ما تتجمد الخلطة ويتم تثبيتها على لوح خشبي ليسهل نزعها بعد ذلك ، بينما تبدأ بالتماسك يقوم العامل الذي قدر حجمها بصورة تقريبية بتحديد قياسها مستخدماً (بيكار) لضبط شكلها نصف دائري بدقة ، وبواسطة سكين خاص يقوم برسم وتحديد النقوش على السطح الطري وتتسم تلك النقوش بطابعها اليمني الإسلامي لتبدأ ملامح القمرية اليمنية بعد أن يتم تعريضها لأشعة الشمس عدة أيام حتى تجف تماماً ، ثم تبدأ مرحلة تعبئة الزجاج الملون بالأشكال الهندسية مع الزخرفة التي تناسب النقوش المحفورة ثم توضع هذه القطع في أماكنها .. بعد ذلك يتم عمل خلطة خفيفة من الجص تصب على قطع الزجاج لتثبيتها .. وبعد ذلك تجفف وتنظف من تلك الطبقة الخفيفة وهكذا تكون القمرية اليمنية التي جعلت المعمار اليمني مميزاً وجعلت صنعاء تأخذ شكلها المميز بين عواصم العالم .[c1]حضارة عمرها ثلاثة الآف سنة [/c]تعتبر صنعاء من العواصم القديمة في العالم ، وتتميز بمبانيها ذات الطابع الإسلامي المميز .. ، وقد عرفت حضارتها وأرضها قبل مليون سنة ، وشهد سكانها العصور المختلفة، وفي بداية الألف الأولى كانت الحضارات اليمنية القديمة قد بلغت أوج ازدهارها وأسهمت بنصيب وأخر في المعرفة والتطور الإنساني ويمكن مشاهدة المفردات الحضارية للحضارات اليمنية القديمة في مختلف المتاحف اليمنية، وهي المواقع التاريخية والأثرية في المناطق الشرقية، وفي أنحاء البلاد عموماً .أما عن الحضارة الإسلامية فقد أتت بعناصر جديدة نشاهدها في المدن والعواصم الهامة ومدن الأقاليم والمدن الواقعة على الطرق التجارية وطرق الحجيج وفي مقدمتها جوهرة المدن العربية والإسلامية ( صنعاء القديمة ) الجميلة وشبام في حضرموت وزبيد وقد أعلنت ( اليونسكو ) المدن الثلاث من بين التراث الإنساني العالمي، وفي المدن التاريخية الأخرى مثل جبلة وصعدة، وترميم، ذمار، تعز، ثلا ، شبام ، كوكبان ، عمران ، رداع ، وجمعيها بديعة وجميلة الطراز وإن أختلفت قوام البناء ومواده بين الأحجار والطواب الأحمر واللبن والطين المخلوط باللبن ، وهذا ما أعطى المدن اليمنية طابعها المميز ، وجعل صنعاء متحفاً مفتوحاً ، ولنا جولة في هذه المدن التي سنذكرها في استطلاعات قادمة على الصفحة الثقافية لصحيفتنا الغراء 14 أكتوبر . إن ما يميز سكان صنعاء عن بقية المناطق هو تمسك سكانها بارتداء الملابس الشعبية وعاداتهم وتقاليدهم ، فإذا وصلت عزيزي القارئ إلى الساحة وسط صنعاء ستجد الباعة تعلو أصواتهم من كل مكان بقول المكسرات والتوابل ، ومزادات على بضائع قديمة ، وتجار يصنعون بضاعتهم، وآخرون يخرمون مشترياتهم بقطع من الورق العتيق.. والخبازون الذين يخبزون الخبز الساخن والطعام اللذيذ .. وصناع الأدوات الحديدية والسيوف والخناجر اليمنية المميزة ، كما ستجد المحلات التجارية التي تبيع أدوات الزينة والحلي الذهبية والفضية .إن الفن المعماري في صنعاء كان ومازال يحتفظ بتاريخه وأصالته ما جعلها مميزة بين عواصم العالم .
|
ثقافة
المعمار الصنعاني ..فن برائحة التاريخ القديم
أخبار متعلقة