القاهرة / 14 أكتوبر / أيمن محمود :صدر حديثاً عن دار الشروق في طبعة أولى عام 2008 كتاب بعنوان (حكمة الحياة ) مختارات وحكم وتأملات من أعمال نجيب محفوظ ، قامت باختيارها وجمعها وإعدادها من مختلف رواياته على لسان أبطال هذا الروايات الأستاذة عليه سرور التي كانت وكيلة أعمال نجيب محفوظ الأدبية بقسم النشر بالجامعة الأمريكية.وفي مقدمة هذا الكتاب كتب مقدمته نجيب محفوظ نفسه شاكراً للمؤلفة جهدها ومثنياً عليها، وإن كان ما يرد على لسان أبطال الكاتب بوجه عام في رواياته قد لا يعبر عن رأيه بالضرورة.. إلا أننا نجد في هذه الجمل الكثير من روح نجيب محفوظ وفلسفته الخاصة في الحياة وتحمل خلاصة حكمه وتجربة السنين ورحيق العمر الجميل.. تطرح آراءه في معنى الوجود والحياة والموت وما وراء الحياة، وفي الحياة والدين والتصوف والتجربة الروحية التي يتضمنه، وفي السياسة والحرب والفن والأدب والعلم وحتى في بعض القضايا المعاصرة كتحرر المرأة وحرية الصحافة والاستنساخ، إنها خلاصة تجربته في الحياة بكل ما فيها حلوها ومرها.. جليها وغامضها. وتقول المؤلفة:(إن الكتاب الحالي مجموعة مركزة من الجمل والفقرات المقتبسة من بعض أعمال هذا المؤلف العظيم، والتي تعكس بوضوح بصيرته العميقة، وفلسفته وآراءه حول موضوعات مثل الشباب والحب والزواج والموت والحرية والإيمان والروح، أي كل الموضوعات التي مربها خلال مرحلة الحياة، تقول نادين جورديمير في مقدمتها للترجمة الإنجليزية لكتاب (أصداء السيرة الذاتية): إن جوهر الكاتب يكمن في أعماله وليس في شخصيته وإني أعلن أن (الحكمة) هي الصفة التي يتسم بها الأديب نجيب محفوظ) ونتوفف نحن عند بعض العبارات ذات الدلالة العميقة والنظرة المتأملة وأحيانا الساخرة والتي تحمل فلسفة في الحياة مماورد بالكتاب منها: (من كان يحلم بهذا المصير ونحن صغار نلعب؟ (بداية ونهاية) (عليك ألا تقترب من رجل يكره نفسه)، (ميرامار) (عسي أن يختلف اثنان وكلاهما على حق! (رادوبيس) ،(إن الحرية حياة الروح، وإن الجنة نفسها لا تغني عن الإنسان شيئاً إذا حسر حريته) (ليالي ألف ليلة).وفي عبارة ساخرة يقول عن الزواج: (لماذا يصر الناس على الزواج منذ بدء الخليقة؟ لأن الزواج كالموت، لا ينفع معه التخدير ولا الحذر)(بين القصرين) .وببدي رأيه في قضية حرية المرأة قائلاً: إن تحرر المرأة لا يقتصر فقط على المطالبة بمساواتها في الحقوق والواجبات مع الرجل بل يعني اشتراكها الكامل في الحياه السياسية والاقتصادية (نجيب محفوظ في سيدي جابر) وها هي بعض عباراته ذات الدلالة الروحية والتي تحمل معني التأمل الديني العميق وتخطو خطوات في عمق التصوف، منها على سبيل المثال: (أول درجة في السلم هي القدرة على التركيز الكامل، بالتركيز الكامل يغوص الإنسان في ذاته بذلك توثق المودة بينكم وبين روح الوجود إنه مفتاح أبواب الكنوز الخفية(: (رحلة ابن فطومه) الحب من منبع الدين يقطر صافياً: (قصز الشوق).رأيت جميع الموجودات مطوية في قلبي، إذا كان القلب هكذا فكيف يتسنى لأحد إدراكه، ولهذا قال الحديث القدس: (ما وسعتي أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن) (يوم قتل الزعيم) ثم يعبر نجيب محفوظ عن معاني الحب فيقول :(لا شئ أقوى من الحب إلا الألم) (يوم قتل الزعيم).(الحب كالصحة، يهون في الوصال ويعز عند الفراق) (بين القصرين).(إنهما اثنان ، بقوته خلق الأول الآخر، وبضعفه خلق الآخر الأول (أصداء السيرة الذاتية).(من الأخوة إلى الحب يحدث تغير بطئ مثل قرون أوراق الشجر التي تسبق بالظهور في أوائل الربيع ولا تري إلا عند التأمل) (يوم قتل الزعيم).وعند السياسة والتاريخ والفن والأدب والعلم يقول: (إن للتاريخ قوانينه وهي أقوي من الحرب والنصر)( المرايا).(لا تحتقر السياسة أبداً، فالسياسة هي نصف الحياة، أو هي الحياة كلها، إذا عددت الحكمة والجمال مما فوق الحياة،) (قصر الشوق). (الاستعمار أعلي مرحلة الرأسمالية) (السكرية).(للأسف إن السياسة لا تترك مكاناً للدين): نجيب محفوظ في (سيدي جابر) (مهما يكن من قذارة الفأر، فإن منظره في المصيدة يثير الرثاء): (الشحاذ)،(كل تحرر خير وكل قيد شر) (رحلة ابن فطومة).(التاريخ واسع الصدر وسيدافع عن نفسه بعد انقراض المتخاصمين جميعاً): (السمان والخريف).(إن السياسة لا تعرف كلمة أخيرة (رادوبيس).(لا يمكن أن يكون الفن نشاطا غيرذي جدي): (السكرية). (الجمال مقنع كالحق سواء بسواء): (رادوبيس).(إن الأدب الذي لا يرتقي إلى مرتبة الشعر ـ حتي لو لم يكن منظوماً ـ ليس من الأدب في شئ ) (نجيب محفوظ في سيدي جابر ).(إن العمل الفني يجب أن يقاس بالمقاييس الفنية وحدها، وليس بأي مقاييس أخرى أخلاقية كانت أو اجتماعية(: (نجيب محفوظ في (سيدي جابر).(إن العلاقة بين السلطة السياسية والثقافية هي دائما علاقة فيها قدر من التوتر تحت جيمع الأنظمة السياسية، فالسلطة دائما تريد من يؤيد، أما المثقفون فهم ضمير الأمة) (نجيب محفوظ في سيدي جابر) (العلم لغة عالمية، أما مهنتنا (ككتاب، فألغاز محلية): (المرايا).(إنني لا أقول إن الاستنساخ خير أو شر، كل ما أقوله هو أنه تجربه علمية جديدة، ويجب ألا نقف أمامها، والتاريخ شاهد على ذلك، ففي كل مرة تصدى فيها الإنسان للاكتشافات الجديدة كان مخطئا،من جاليليو حتي الآن) (نجيب محفوظ في سيدي جابر).(أنا مع حرية الصحافة بدون قيد أو شرط، لأن الصحافة هي الرئة التي تتنفس بها الأمة، لكن عليها في الوقت نفسه أن تكون صحافة مسؤولة وأمينة) (نجيب محفوظ في سيدي جابر).(إن العالم يطلب العلم من المهد إلى اللحد ويموت جاهلاً ) :(عبث الأقدار ).(إن العلم لم يبق شيئا للفن، ستجد في العلم لذه الشعر ونشوة الدين وطموح الفلسفة): (الشحاذ).ثم يلخص فلسفته حول الموت قائلاً: (قالت إن الذي منعها من الحضور الموت، فلم يقبل هذا الاعتذار، وقال إن الموت لا يستطيع أن يفرق بين الأحبة) (أحلام فترة التفاهة).(الموت أرحم من الأمل، لست أعجب لهذا، فالموت من صنع الله والأمل وليد حماقتنا) (بداية ونهاية) (إن الإنسان ليعيش كثيراً في دنياه عارياً ، أما عتبة القبر فلا يمكن أن يجوزها عارياً مهما كان فقره) (زقاق المدق) ( لا أخاف الموت، أرحب به حالما يجيء ولكن ليس قبل ذلك)(يوم قتل الزعيم) ونعود إلى آرائه العامة الفلسفية في الحياة والجود حيث يقول: (ديننا عظيم وحياتنا وثنية!(رحلة ابن فطومة).(المصائب تقل حدتها بالتكاثر): (يوم قتل الزعيم).(على الذي يرضي بهجر الدير أن يوطن النفس على معاشرة الأرذال) :(ميرامار).(إن لم يوجد قديم حسن فليوجد جديد سيئ أي شيء خير من لا شيء):(يوم قتل الزعيم).(عندما نهاجر إلى القمر فسنكون أول مهاجرين يهاجرون من لا شيء إلى شيء)(ثرثرة فوق النيل).(حذار .. فإنني لم أجد تجارة هي أربح من بيع الأحلام) (أصدار السيرة الذاتية).(هبوط .. صعود .. موت .. بعث.. مدني.. عسكري. فلتسر الدنيا في طريقتها أما أنا فإنني استعد لرحلة أخرى).(الرايا):وفي خاتمة الكتاب تقول المؤلفة، (سئل الشيخ عبد ربه التائه: هل تحزن الحياة على أحد.. فأجاب : نعم ، إذا كان من عشاقها المخلصين)، وقد كان نجيب محفوظ أحد أكبر عشاق الحياة المخلصين بكل معانيها الإنسانية المشرقة ، فأحبته الحياة ذاتها وحزنت على فراقه أكثر من حزن محبيه وأصدقائه، كانت الجملة السابقة للشيخ عبد ربه التائه (إحدي الجمل التي كتبها نجيب محفوظ وأوردها في (أصداء السيرة الذاتية).
أخبار متعلقة