عادة أتردد كثيراً في الكتابة عن المناسبات السنوية. ولكن قصة وحدة اليمن والاحتفال بها دائما كان أمرا يثير دوافع الكتابة عندي. فلسبب ما لا أدري متى حدث ولا دوافعه، كنت ولا آزال اتصور وحدة اليمن شبيهة بفتاة صغيرة تكبر، أتابع نموها واتسامح مع هفواتها، وأغفر لها عثراتها. استمر ذلك عندي حتى العام الماضي حيث اعتبرت أنها بلغت سن الرشد وحان وقت محاسبتها على أعمالها بدءاً من هذا العام، وقصدي ليس محاسبتها على ما قامت به وهي تكبر وتحبو فتقع، ولا وهي تتهته وهي تتعلم الكلام ، ولا على اخطائها الإملائية وهي تتعلم الكتابة والحروف، ولا على الحركات الرعناء وجسدها ينمو ويترعرع، ولا ضحكاتها الصاخبة حيث يجدر بها الصمت، و لا انفعالاتها المفاجئة وهي تدخل في سن المراهقة وتتواجه مع معارك اضطرابات الهرمونات في عروقها والخلايا، بل ما تقوم به الآن وهي ابنة تسع عشرة.وفعلا بشكل غريب متوافق مع تخيلاتي عن هذه الوحدة الشابة أجد العام التاسع عشر بداية مسؤولية ومحاسبة وانفعالات جماعية بين كل الفئات. يتصدر هذا الموكب كل أولئك الشباب الذين ولدوا لسنوات قليلة قبل أو خلال أو بعد قيامها. هؤلاء الذين لا يعرفون ماضي التشطير لا يتشاركون مع الكبار في السن في مخاوفهم ولا يفهمون منطقهم. وهؤلاء الذين ولدوا لعائلات لديها رواية واحدة للماضي صدقوا ما قيل لهم عن ماض مصنوع من حلم وتطور لأنهم لم يجدوا سوى رواية رسمية واحدة لم تهتم بتقديم حسنات الماضي وسيئاته في وقت واحد بل قدمت السيئات فقط، وقامت العائلة باستكمال الفراغات بمعلومات ليست بالضرورة صحيحة.لذا اختلط هذا العام بتصرفات واحتفالات عن وحدة بلاد لها ألوان مختلفة حسب المكان والأشخاص الذين يتحدثون عنها. فالغاضب من النظام يحمل الوحدة المسؤولية. وأولئك الذين مرت بهم سنوات وخطوات التعلم خلال الثمانية عشر عاما الماضية على نحو تجاوزهم أوهمشهم حملوا الوحدة مسؤولية ما حدث لهم. واولئك الذين تطبعوا لفترة طويلة من الزمان على نظام يقوم هو بكل شيء حيث يفكر لهم ويتخذ القرارات نيابة عنهم ويتولى توظيفهم سواء انتجوا أم لم ينتجوا، صدمتهم حقيقة أن عليهم القيام بالمبادرات بأنفسهم فلم يبادروا، فألقوا لوم تقصيرهم على الوحدة.الاحتفال مع الافتعال: الاحتفال بالعام التاسع عشر للوحدة هذه المرة له مذاق محير، به قلق ويشوبه خوف المستقبل. يحتاج اليمنيون اليوم أكثرمن أي فترة مضت إلى إعادة نظر وتصحيح خريطة الطريق لمعرفة أين المسير. فلو كانت الوحدة فتاة لكانت الآن في السنة الاولى بالجامعة غيرمؤهلة بعد للقيام بوظيفة كبيرة، ولا فرق أن تكون الكلية التي تدرس بها هي كلية علمية أو أدبية أو حتى كلية مجتمع للتأهيل المهني، فهي قد بلغت سن الرشد كي تستطيع أن تقوم بعملية التصويت في الانتخابات، لكنها لا تتقن عملا فكريا أو يدويا واحدا يصلح للمنافسة بمهاراتها في زمن العولمة.ولو حاولت العمل بالثانوية فستجد القليل من الوظائف المتاحة وربما الحاجة إلى وساطة كبيرة، ومن يدري فقد تضطر إن لم يرشدها أحد أن تسير في الطريق الغلط.لو كانت الوحدة فتاة لقلنا اليوم لكل أهل اليمن وهم يحتفلون بعيد ميلادها التاسع عشر، أن قولهم أنهم يحبونها أو قول بعضهم أنهم يكرهونها ليس هو المدخل الصحيح. فالمحبون عليهم أن يترجموا حبهم إلى عمل يوصلها إلى الجامعة بآمان، ويجعل زملاءها يحترمون أفكارها وقدراتها ولا ينتقصون من شأنها.عليهم أن يفكروا معا في قيمة التخصص الذي أرادوا لها أن تتقنه، هل سيعطيها فرصة في سوق العمل داخل اليمن أو حتى ضمن الكوادر المؤهلة الذين ستسمح لهم دول الخليج والسعودية العمل فيها؟. إذا أرادوا لها أن تكون أما وربة بيت فأي تهيئة خلال التسعة عشر عاما الماضية تجعلها قادرة فعلا على أداء هذا الدور على نحو يوجد أجيالاً قادمة اكثر قوة وثقة بالذات ومعرفة بالهوية؟الاحتفال هذا العام ليس فقط مع وحدة بالغة راشدة عاقلة ولكنها ثقافيا وفكريا وعلميا لاتزال في طور النمو. بل هو احتفال مع أنفسنا وارواحنا، مع مسؤولياتنا وضمائرنا، كي نجعل من الاحتفال هذا العام حالة من التفكير الجماعي المسموع صوتا وصورة. لسنا مطالبين بافتعال الفرح، لكننا مطالبون بالتفكير السليم حرصا على بعضنا البعض ومحبة لكل ذرة في هذا الوطن.تسع عشرة ولكن:لأن الوحدة بلغت تسع عشرة، فإن المسؤوليات يجب أن تكون واضحة. كل مواطن ومواطنة له حق اليوم أن يتكلم عن نفسه وعمن يعتقد أنه يعبر عنهم كي يجعل الآخرين ينخرطون معه في عملية التفكير الجماعي الواعي.هناك أسئلة لابد أن تطرح وتثير النقاش، فوحدة التاسعة عشرة تحتاج أن نعرف ونحدد معا أي صورة وخط طريق عليها أن تسلك. فمستقبلها هومستقبلنا جميعا. [c1]* عن / الزميلة صحيفة ( الثورة)[/c]
التاسعة عشرة.. عمر للمسؤولية
أخبار متعلقة