طه أمانأصدر فقيدنا وشاعرنا الكبير لطفي أمان ستة دواوين شعرية في فترة حياته القصيرة التي عاشها معنا - رحمه الله- ولم يلحق أن يرى نور ديوانه السابع الذي كان قد أعد ورتب قصائده بغرض النشر. وبقدر الكم الذي له من القصائد والأغاني العاطفية التي اشتهر بها.. فإن قصائده الوطنية تعتبر مكملة لها. وبقدر حبه وعشقه لتراب الوطن الحبيب ( اليمن) الذي عبر عنه في كثير من قصائده وفي أكثر من مناسبة ، كان حبه الكبير للوطن العربي وتفاعله مع كل حدث وطني في كل بقعة من ترابه ايماناً بقضية الامة العربية ووحدة نضالها. ومن دواوينه الستة أقتطف بعض قصائده التي قالها في مناسبات وطنية .. في ديوانه الأول (بقايا نغم) نظم قصيدة (أنا حامي الضمير) التي كتبها إلى جريدة (صوت اليمن)، يقول فيها: أي نور يلوح ثمة كالومض.... يشق الظلام في سريانه خاطف يرتمي كل هامة الأفق... ويرفض مطلقاً من عنانه ضج منه الدجى وثار يحاكي... وثبات العباب في هيجانه كل حي له التفاتات من ضل ... سبيلاً وغاب عن وجدانه ما ترى ذلك الذي يقحم الليل .... ويلقى الهدى على سكانهما تراه ؟ فرن صوت قوي ... ففض الصخر من متين مكانه أنا حامي الضمير، هذا حسامي... في ركاب الطغاة حد سنانه ومن ديوانه “ الدرب الأخضر” قصيدته المشهورة “ يا بلادي “ التي لحنها وغناها فناننا الكبير محمد مرشد ناجي يقول فيها: يا بلادي ... يا نداء هادراً يعصف بي يا بلادي .. يا ثرى جدي وابني وأبي يا رحيباً من وجود .. لوجود أرحب ياكنوزاً لا تساويها كنوز الذهب اقفزي من ذروة الطود لأعلى الشهب اقفزي .. فالمجد بسام السنا عن كثب اقفزي .. فالمجد ما دان لمن لا يثب يا بلادي .. يا بلادي .. يابلاد العرب! في قصيدته “ ثورة البركان” يقول: هنالك .. فوق أعالي القمم وللثأر وثب يصيد الديـــــم هنالك .. ضاعت بقايا نغم تأوه يوماً شجى بهـــــــــا جنى عمره من زهور الألم كل سفح “ شمسان” تجثو قبور وفي شط “ حقات” تغفو قبور وفي روية “ العقد “ تربو قبور أهدي حياة؟ ومن حولنا قبور قبور وناس قبــور ومن ديوانه “ ليل إلى متى “ قصيدته المشهورة “ يا جمال” التي قالها في الزعيم الراحل جمال عبدالناصر رائد العروبة في الشرق العربي. والمؤسف أن بعض صحفنا بمناسبة ذكرى ( 26 سبتمبر) انفردت بنشر قصائد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر لشعراء مصريين وتناست شعراءنا اليمنيين الذين انفردوا بنظم قصائد عن زعيم الأمة العربية جمال عبدالناصر ومنهم شاعرنا الفقيد لطفي أمان الذي يقول في قصيدته: أنت من يزرع قلب الشمس أضواء جديدة أنت من يعقد فوق المجد امجاداً عديدة أنت من يبني من التخليد آيات فريدة أنت هذا .. معجزات تبهر الشمس العتيدة يا جمال .. يوم دوى صوتك الجبار في أرضي الحبيبة وصحا الحق انتفاضاً ورمى الشرق شعوبه سار ركب المجد من خلفك يستوحي وثوبه يا ضياء ثائر الشعلة في قلب العروبة يا جمال.. ومن ديوان “ ليل إلى متى “ هذه القصيدة الدكتاتور “ التي وجهها إلى “ الحاكمين بلا دستور ولا قرآن - إلا بالسيف وبالسجان “ يقول فيها: أنا لا أراك ضعفي عماي .. فلا أراك وأنت تزحف في قواك عمي الضياء .. وجثتي الملقاة ترجف من خطاك في القيد في ذلي الذي الهته في كبرياك دعني اعش في كوخي المنبوذ في الظلم الرهيبة لم منك ارتجف في سكوني ؟ في خيالاتي الكئيبة؟ لم لا أحس الكون ينبض بالأماني الحبيبة الا انني هذا الغريب أهيم في ارضي الغريبة؟ ابداً أحسك في دماي لظى فاصرخ : لا أراك أنا لا أراك ! وفي قصيدته “ أقطاع “ يقول : أحسبتني حجراً .. فتجلدني وتذلني شرفاً بلا ثمن وتبيحني للشمس عارية يصلي بها الحديد على بدني سوط ، وشمس وانتهاك دم وبراءة مخنوقة الشجن! ماذا جنيت أقول : ذا سكني فتشدني بالقيد في سكني ! وأصيح: أولادي ! فتنزعهم مني ! وتنكر فيهم سحني وتريدني عبداً بلا وطن .. عبداً ! غريب الدار في وطني!! وفي قصيدته “ سأنتقم “ التي نظمها في عهد الاستعمار البريطاني ولحنها وانشدها فناننا الكبير محمد مرشد ناجي يقول: أخي.. كبلوني وغل لساني .. واتهموني باني تعاليت في عفتي ووزعت روحي على تربتي فتخنق أنفاسهم قبضتي لأني أقدس حريتي كذا كبلوني وغل لساني واتهموني ويقول فيها : أخي يا أخي أيصفعني الخوف .. لا يا أخي أأحبس ناري ؟ لا يااخي أنا لطخة العار في موطني إذا انهار عرضي ولم اصرخ وعرضي هو الحق في تربتي هو الحق احميه في عزتي ومن ديوانه “ إليكم يا إخوتي “ قصيدته “ بطاقة العيد “ التي وجهها إلى الإخوة في فلسطين وسط النار والحديد يقول فيها : يا إخوتي لا يبسم النعش .. لان بسمةتطفلت وداعبت زهوره لا يصدح الهزار في مقبرة مهجورة والفن لا يحدد الحياة. أو يعيش قيثارة ماسورة والشاعر النبي لا تحمله أجنحة مكسورة والليل لا يفتح النجوم للفيالق المقهورة والوطن الكبير في زنزانة كبيرة جدرانها هزيمة مصبوغة بعار حراسها الخوذات .. والنعال .. والدولار ! فلتعذروني فلم أزل أشم من بلادنا المقهورة الحدود رائحة البارود رائحة الدمار .. والدماء .. والصمودرائحة القدس التي دنسها اليهود ! وفي قصيدته “ بعد النكسة” قال: عدت مجروحاً إليك عدت مكسور الجناح بعد ما انهار على سفح الليالي المقفر كل نجم لا فتخاري ونضالي الأحمر عدت يا أنشودة الوهم غريقاً في جراحي عدتلا املك شيئاً من عتادي وسلاحي عدت مكسور الجناح وأنا النسر الذي علياؤه لم تقهر وأنا الصانع تاريخي عبر الخطر وأنا عشرون عاماً من لظى مستعر وأنا.. ماذا أنا الآن؟ ولا حتى بقية بعض أوهام غبية لفتة ستلهم الأضواء من شمس خفية ظل مأساة لأمجاد ذبحناها ضحية هكذا عدت ولا املك من مجدي بقية هكذا تحطم زندي وزناد البندقية! وبمناسبة الذكرى الثانية لاستقلال جنوبنا الحبيب في 30 نوفمبر 1967 كتب الملحمة الغنائية (في موكب الثورة ) لحنها وانشدها الفنان الكبير الراحل احمد قاسم باسم “ يا مزهري الحزين” يقول فيها : يا مزهري الحزين من يرعش الحنين ؟ إلى ملاعب الصبا .. وحبنا الدفين؟ هناك .. حيث رفرفت على جناح لهونا أعذب ساعات السنين يا مزهري الحزين الذكريات الذكريات تعيدني في موكب الأحلام للحياة لنسوة الضياء في مواسم الزهور يستل من شفاهه الرحيق والعطور وبعد هذا كله .. في صحوة الحقيقة ينتفض الواقع في دقيقة يهزني .. يشد أوتاري إلى آباري العميقة يشدها.. يجذب منها ثورتي العريقة ويغرق الأوهام من مشاعري الرقيقة ويخلق الإنسان مني وثبة وقدرة عواصف .. وثورة ويقول فيها : يا مزهري الحزين يا مزهري الضعيف ما عاد شعبي ينسج الأوهام في لحن سخيف عن “ قيس وليلى”.. “ روميو جوليت” .. السماء كثيرة دبت دبيب النمل في أسفارنا المثيرة ويقول فيها : وهكذا تفجر البركان في “ ردفان” ورددت هديره الجبال في “ شمسان” وانطلقت ثورتنا ماردة النيران تضيء من شرارها حرية الأوطان وتقصف العروش في معاقل الطغيان وتدفع الجياع في مسيرة الإنسان يشدهم للشمس نصر يبهر الزمان؟ وهكذا تبددا عهد من الطغيان لن يجددا وحلقت على المدى ثورتنا.. تهتف فينا أبدا يا عيدنا المخلدا غرد فان الكون من حولي طليقاً غردا غرد على الأفنان في ملاعب الجنان الشعب لن يستعبدا وقد نال حريته بالدم والنيران وقتل القرصان.. عندما زمجر الشعب اليمني بفرحة وسعادة ليلة الاستقلال الوطني المجيد في 30 نوفمبر 1967م كتب شاعرنا لطفي أمان هذه القصيدة المخلصة التي تتنفس الحرية وغناها مع الشعب في كل مكان وهي من ديوانه “ إليكم يا إخوتي”: على أرضنا بعد طول الكفاح تجلى الصباح لأول مرة وطار الفضاء طليقاً رحيباً بأجنحة النور ينساب ثرة وقبلت الشمس سمر الجباه وقد عقدوا النصر من بعد ثورة وغنى لنا مهرجان الزمان بأعياد وحدتنا المستقرة واقبل يزهو ربيع الخلود وموكب ثورتنا الضخم أثره تزين أكليله ألف زهرة وينشر من دمنا الحر عطره ويرسم فوق اللواء الخفوق حروفاً تضيء لأول مرة بلادي حرة..كتابات عن لطفي في شعره السياسي والوطني كتب الأستاذ د . احمد علي الهمداني :” الشاعر لطفي أمان المثقف ثقافة عالية لم يكن يتحرك مع هذه الأحداث تحركاً أعمى وإنما كان يعيش هذه الأحداث التي رآها قد غيرت في حاصل الوعي الوطني والاجتماعي في مجتمعه . ويقيني أن القناعة الصادقة هي التي جعلت هذا الشاعر يتفهم عن دراية ومعرفة أوضاع الحياة والناس في بلاده فأرسل قيثارته الشجية تردد أغاني الوطن وأناشيد الحب للإنسان والأرض .. فالشاعر الكبير لا تحركه الأحداث وإنما هو يتحرك في داخل هذه الأحداث ويهبها من حرارة موهبته الحياة التي تعبر عن صدق الوطن وعمق الوطنية”. وكتب الأستاذ حسين سالم با صديق - رحمه الله - : ( حب لطفي لوطنه ومجتمعه الذي عاش فيه وتأثر بتطوراته البطيئه صادر عن إحساسه الوطني الذكي وقد أحس بوجع الوطن العربي عموماً فجمع في شعره خلال تقدمه في حياته الأحاسيس الوطنية والمشاعر القومية العامة معاً ولم يخل شعره من إظهار هذه الأحاسيس والمشاعر مواجها صلافة المستعمر في ديوانه « إليكم يا إخوتي»). وكتب الأستاذ سعيد علي نور (تجلى عن الشعراء العرب رفضهم لواقع الاستعمار الذي جثم على كل بلاد العرب مدداً تجاوزت القرون أرسى خلالها التخلف الاجتماعي - الاقتصادي وأثقل المجتمع بقيود الاستغلال والتبعية .. وقد كانت اليمن خير نموذج لما تقدم فقد استشعر لطفي أمان واقعها وهو واقع الاستعمار والإقطاعية اللذين تقاسما اليمن وظلت ترزح تحت نيرهما إلى وقت صدور ديوانه “كانت لنا أيام “ ). وكتب الأستاذ عبدالمطلب جبر : “ نجح الشاعر لطفي أمان كثيراً في التعبير عن وجدانه وإبراز أحاسيسه بواسطة الشكل التعبيري .. ونجد ذلك بشكل بارز في ديوانه “ ليل إلى متى؟ “ وربما كانت فورة الحماس الوطني خلال المعركة مع الاستعمار البريطاني .. فقد أراد لطفي المشاركة فكرياً في خوض المعركة من خلال الكلمة”.
أخبار متعلقة