إعداد/ أثمار هاشمالجمع بين مهنتين ليس بالأمر السهل خاصة وإن كانتا متناقضتين كأن تكون أحداهما تتطلب الصرامة والانضباط ولاتتعامل إلا مع الحقائق والثوابت بينما الأخرى تتسم بالرقة وعذوبة الكلمة والغوص في أعماق النفس البشرية للتعبير عما فيها. [c1]المولد والنشأة[/c] ولد يوسف محمد السباعي في 10/6/1917م في حارة الروم بالدرب الاحمربالقاهرة وكان والده محمد السباعي أديبا كبيراً ورائد من رواد النهضة الأدبية الحديثة في مصر وكان متحرراً ثائراً ضد المفاهيم التقليدية ولم يعبأ بالشهرة فقد كان أديبا رومانسياً عذب العبارة وكان يوسف شديد الإعجاب بما يكتبه والده ومع هذا فان جدته لأبيه هي أول من وضعته على طريق الحكايات التي كانت تقصها على أطفال الأسرة ومنهم الطفل يوسف ومع هذا لم يكن يوسف السباعي طالباً متفوقاً في دراسته بل كان مستواه عادياً وإن كان متفوقاً في موضوعات الإنشاء خاصة بعد إدمانه لقراءة القصص والروايات وناثرة ببعض الشخصيات القريبة منه.[c1]نقطة التحول[/c] في عام 1930م توفي الأب محمد السباعي وقد احدث وفاته شروخاً في نفس الابن يوسف الذي كان على مشارف المراهقة ودفعته إلى شرنقة الكوابيس والخوف من الموت الفجائي فتولت الأم مسؤولية الأسرة التي انتقلت إلى منطقة روض الفرج لتكون بجوار العم طه السباعي الذي كان ضابط كبيراً بالجيش وقد دفعت تلك الظروف أديبنا إلى أحضان الأدب فكتب الزجل والشعر لتناسب بعدها مشاعره ويبدأ بنشرها في المجلة المدرسية ثم مجلة المجلة لصاحبها احمد الصاوي والمجلة الجديدة لصاحبها سلامة موسى وبالرغم من هذا التحق بالحربية حتى يضمن الوظيفة والمرتب ليساعد أسرته خاصة وان والدته كانت تشعر بالقلق من احتراف الابن للأدب حتى لايعيش ويموت فقيراً كوالدة فكان التحاق يوسف السباعي للحربية في نوفمبر 1935م ليبدأ بذلك مرحلة جديدة من حياته تتسم بالصرامة ليتعلم الفروسية ويصبح فارساً كبيراً وفي عام 1944م حصل على شهادة (أركان حرب) ليبدأ بعدها في التركيز على الأدب.[c1]عالم الصحافة والأدب[/c]بدأت علاقة يوسف السباعي بالصحافة عن طريق جريدة (آخر خبر) حيث كان يكتب فيها (تعليق عسكري أسبوعي) لينتقل بعدها إلى ترجمة القصص الأجنبية ومن تم البدء في كتابة قصصه الخاصة التي لاقت استحسان القراء حينها إلا انه مالبث أن انتقل إلى جريدة (مسامرات الجيب) مؤكداً وجوده كقاص من جيل جديد ويعيش حالة من النشاط الأدبي تعويضاً عما فاته أثناء دراسته الحربية وفي تلك الفترة تم تعيينه مدرساً لمادة التاريخ العسكري الذي كان يدرسه بطريقة كتابة القصة فكان يجمع بين عالمي الأدب والحياة العسكرية.[c1]عطاءات السباعي[/c]كان لقاصنا يوسف السباعي عطاءات متعددة توزعت مابين الأدب والصحافة ففي المجال الأدبي أنشأ مع صديقة إحسان عبدالقدوس نادي القصة والذي كان له دور في إنعاش الحركة الأدبية كما اصدر المجددين وأعطاهم فرصة للشهرة مثل نجيب محفوظ،عبدالرحمن الشرقاوي،يوسف إدريس، مصطفى محمود وغيرهم ثم انشأ بعد ذلك جمعية الأدباء التي تحولت إلى اتحاد الكتاب وانشأ كذلك اتحاد الأدباء والكتاب العرب والمجلس الأعلى للفنون والآداب واتحاد كتاب آسيا وإفريقيا محتضناً من خلال تلك المؤسسات عدداً كبيراً من الأدباء كما قام كذلك بترجمة عدد من الأعمال الأدبية لكتاب مصريين إلى لغات عالمية مثل زينب لـ محمد حسين هيكل وسارة للعقاد.إما عطاءاته الصحفية فتثملت بإصدارة للعديد من المجلات منها(الرسالة الجديدة، الأدباء العرب، الثقافة) وكان أول رئيس لمجلس إدارة روز اليوسف بعد تأميم الصحافة كما تولى كذلك رئاسة تحرير مجلة آخر ساعة عام 1967م وإدارة دار الهلال عام 1970م ورئيساً لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام ورئيساً لتحريرها عام 1976م ليصبح عام 1977م نقيباً للصحفيين.[c1]يوسف الأديب[/c]احتل يوسف السباعي القمة الجماهيرية على مدى ربع قرن كامل منذ أواخر الأربعينات وحتى أوائل السبعينيات حيث حظي بشهرة واسعة لدى القراء وان كانت ذروة تلك الشهرة تمثلت بتحويل الكثير من أعماله الأدبية إلى أعمال سينمائية ناجحة في فترتي الخمسينيات والستينيات كما كانت قصص السباعي تتسم ببعد أخلاقي تؤكد على أن الأخلاق والدين والذكاء أسلحة ضرورية لحماية الجنس البشري من براثن الخطيئة كما طور السباعي دعوة قاسم أمين لتحرير المرأة ويتضح ذلك في روايته(إني راحلة) وهاجم كذلك الأمية والجهل العام في روايته (ارض النفاق) التي حظيت بشهرة محلية وعالمية وعند قيام ثورة يوليو 1952م عبر يوسف السباعي عن الوجدان المصري وقدم كافة انجازات الثورة في العديد من رواياته فقد كان كاتباً شديد الواقعية حتى في رومانسيته التي اتسمت بالأسلوب الرقيق واللغة الشابة التي تهمس ولاتصرخ والتي تحمل بين طياتها الفكاهة والنكهة الشعبية.[c1]السباعي والنقاد[/c]يعد السباعي ظاهرة في الحياة الثقافية المصرية بالرغم من تجنب النقاد التعرض لأعماله باعتبارها نهاية لمرحلة الرومانسية في الأدب والتي تداعب احتياجات مرحلة عمرية لفئة من القراء صغار السن ولم تكن مشكلة السباعي مع النقاد الذين انتقدوه بعنف فقط ولكنها كانت ايضاً مع النقاد الذين تجاهلوه باعتباره كان شخصاً متعدد المواهب يكتب القصة والرواية والمسرحية والسيناريو السينمائي فقد كان يوسف السباعي اديباً وروائياً ومورخاً ساخراً وناقداً اجتماعياً كتب في مختلف المدارس الأدبية بدأٍ من الفانتازيا ثم الرومانسية ثم الواقعية الشديدة وقد كان غزارة انتاجه الأدبي سبباً في انتشاره وترجمة أعماله فقد كانت رواياته تتطور بشكل دائم لتصبح أكثر احكاماً وانضباطاً في الإيقاع وبالرغم من هذا كان في حالة صدام دائم مع النقاد كما كان يرفض الاعتراف بالتحول الاشتراكي لثورة يوليو في مجال الأدب واتهام كل من يختلف معه بالشيوعية الأمر الذي دفع بالنقاد اليساريين لمعاداة أدبه واتهامه بانه قفاز في يد ديكتاتورية السادات السياسية عندما أصبح وزيراً للثقافة عام 1973م، على الطرف المقابل لذلك كانت هناك بعض الشخصيات التي كتبت عن يوسف السباعي وأدبه وأشادت به من أمثال توفيق الحكيم، طه حسين،بنت الشاطئ ومع هذا فان هذه الكتابات المحبة عنه وعن أعماله لم تستطع ان تزيل عن نفسه الإحساس المؤلم بالظلم والاضطهاد الذي ظل يعاني منهما فترة طويلة.[c1]رحيل السباعي[/c]بعيداً عن يوسف السباعي العسكري أو الأديب كان يوسف السباعي الإنسان يمتلك بداخله إيمان عجيب يجعله لايقلق على غد ولايخشى على مستقبل فهو كما يصفه البعض شخصية شجنية يعشق الغروب ويتمتع بخجل وحياء ولم يكن من هواة الظهور والأضواء كما انه لم يكن من هواة كتابة المذكرات فلقد كتب أدق تفاصيل حياته في قصصه ورواياته ايماناً منه بان حياة الكاتب ليست ملكاً له ولكنها ملك مشاع بين القراء وقد حصل السباعي على عدد من الجوائز والأوسمة المصرية وكذا الأجنبية منها وسام الاستحقاق الايطالي من طبقة فارس وجائزة لينين للسلام عام 1970م وذلك نظير أعماله الأدبية التي بلغ عددها اثنين وعشرين مجموعة قصصية وستة عشرة وراية وأربع مسرحيات وثماني مجموعات من المقالات في النقد والاجتماع وكتاب في أدب الرحلات إلى جانب مقالاته التي كتبها في الصحف والمجلات ومن أشهر أعماله على سبيل المثال لا الحصر ارض النفاق، إني راحلة، رد قلبي، بين الإطلال، العمر لحظة وغيرها.وفي يوم الجمعة 18 فبراير 1978م اغتيل يوسف السباعي على أيدي رجلين فلسطينيين في العاصمة القبرصية نيقوسيا عندما ذهب إلى هناك لحضور مؤتمر منظمة التضامن الافرواسيوي لتنتهي بذلك حياة واحداً من أهم الرموز الفاعلة والمؤثرة في المجال الأدبي.
|
ثقافة
يوسف السباعي فارس القلم
أخبار متعلقة