أضواء
العنف ضد الآخر بجميع أنواعه سوءة إنسانية قد لازمت الإنسان منذ وجد على الأرض وذلك عندما قتل قابيل أخاه هابيل. أي مارس الإنسان العنف أول ما مارسه ضد أقرب الناس إليه، وعندما نجح في أخذ ما يريد عن طريقه، مارسه ضد أبعد الناس عنه. كما أن سبب ارتكابه كان تافهاً وغير مبرراً البتة. مما يعني أنه ليس هنالك حصانة ضد العنف لا بدواعي القرابة ولا بدواعي الأسباب (القانونية) ولا حتى بدواعي عنف قد صدر من الضحية.والعنف السافر من فرد لفرد مفضوح، ويمكن معاينته وكشفه وإيقافه، وإيقاع العقاب على مرتكبه. ولكن العنف المستور هو مستور، أي هنالك تواطؤ على ستره، وهو عنف المجتمع ضد فئة أو فئات منه. ومجتمعاتنا الشرقية بصفة عامةٍ، ومجتمعاتنا العربية بصفة خاصة، ما زالت تمارس فيها وتقنن فيها ممارسة العنف ضد المرأة وبشكل فاضح ومفضوح. وقد أطر مجتمعنا العنف ضد المرأة، في أطر ثقافية ودينية وأخذ يمارسه كقاعدة وما عداه شذوذ. ولذلك فقد صاغ مجتمعنا أنظمته وقوانينه لتتوافق مع معطياته الثقافية في نظرته القاصرة والمعطلة للمرأة والتكرس لها. وتحت وطأة العنف المنظم والمتتالي لقرون، قبلت المرأة وضعها المعنف والشاذ في المجتمع، وبدل أن تقاومه، أصبحت تمارسه على بنات جلدتها نيابة عن الذكر وبمباركة منه.وتبدأ ممارسة العنف الأنثوي الأنثوي أول ما تبدأ من المرأة ضد أبنتها، وهي لا تفعل ذلك كرهاً لفلذة كبدها، وإنما تطبيقاً للسنة الذكورية المستفحلة بشراسة في مجتمعها. حتى تضمن لها حياة مستقرة ولو نسبياً، في كنف عالم ليس بعالمها. فالأم أدركت وعن سابق خبرة ومعاناة ومشاهدات، أن لا مكان للمرأة قوية الشخصية، ذات الميزات الفردانية المختلفة عن غيرها، في مجتمع يعد ويشكل المرأة لتكون خادمة وتابعة للذكر، لا غير.. وحتى الذكر الذي يتغاضى عن خرق قاعدة أقرانه الذكور، بالسماح للأنثى في بيته، بأن تظهر ميزاتها الفردية الإبداعية للعلن، والوقوف خلفها، فسيرمى بالدياثة ( ديوث ) وهذه من الأدوات الدفاعية التي تستخدمها المجتمعات الذكورية، للدفاع والذود عن حياض ثقافتها الذكورية المقدسة.والثقافة الذكورية، هي ليست نابعة، من أصولية دينية، كما يود أن يصفها المتمسكون بها أو المعارضون لها، وإنما هي نتاج أصولية اجتماعية. فقبل توحيد المملكة، كانت المملكة وخاصة وسطها، تتكون من بلدات صغيرة، فقيرة في إمكانياتها الاقتصادية، وعليه في حراكها الاجتماعي. وكما هو معروف بأن قيمة الإنسان، في الأول والأخير، يحددها دور الفرد في عملية الإنتاج الاقتصادي. وفي البلدات غاب دور المرأة تماماً عن واجهة الاقتصاد وحراكه، وعليه تقلص دورها في خدمة الذكر الذي تقع على عاتقه عملية الإنتاج الاقتصادي. ولذلك تم اختزال دور المرأة اجتماعياً، بخدمة الذكر المنتج وإنجاب أطفال ذكور يكونون عضداً له في عملية الإنتاج.وكما هو معروف بأن ثقافة أي مجتمع يحددها ويشكلها العنصر المسيطر فيه، والتي هي تعبير واضح وفاضح لعملية كسبه المادي. وبما أن الشيخ الذي ظهر في تلك المجتمعات ذات الآفاق الضيقة والمحدودة؛ هو ابن بار لمجتمعه الذكوري، فقد صاغ فقهها ليتماشى ويخدم وضعها المختزل للمرأة كخادمة للرجل ومنتجة أطفال له. ولذلك تمت صياغة فقه المرأة بطريقة متشددة وسالبة لحقوقها كإنسانة ومؤكدة عليه.ولذلك فالطفلة منذ أن تولد وهي تعد وتهيأ لخدمة الرجل، وعدم الاعتراض أو التحجج على ما يفعل بها أو يراد لها. أي يتم إعدادها حتى لتتقبل لعب دور الزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة بأريحية وتفان، وما عليها حينذاك إلا أن تثبت جدارتها بأن تكون الزوجة المفضلة عند الزوج، ولو أدى ذلك أن تسخن الماء في عز البرد القارس، ليستحم به زوجها وضرتها قبل صلاة الفجر. وهذا بالطبع لا يتم إلا خلال عملية قاسية وممنهجة لسحق شخصيتها وقتل طموحاتها الفردانية وتحويلها من إنسانة عليها كامل الواجبات ولها كامل الحقوق، إلى مجرد رقم في البيت، عليها كامل الواجبات، وليس لها من الحقوق شيء يذكر، سوى أن تبذل قصارى جهدها لخدمة سيدها الذكر.وعندما تتزوج الطفلة، وتنجب طفلات وأطفالاً، فهي تمارس دورها القمعي المناط بها ممارسته، كما مورس ضدها من قبل وبأمانة وتفان، إن لم يكن أكثر تفنناً في القمع ومحق الشخصية ضد طفلاتها، ومن ثم ضد زوجات أولادها. ومن أخطر وأعنف ظواهر الاضطهاد، عندما يصبح الضحية جلاداً.وكان في البلدات آنذاك نوعان من التعليم البدائي: الكتاتيب، وهم رجال يدرسون الأولاد القراءة والكتابة والحساب. وآخر للفتيات يسمى، القرايات، وهن نساء يحفظن البنات بعض سور القرآن القصيرة، التي يحتجن لها لأداء الصلاة. أي كتاتيب، الدافع له طبعاً هو حياتي، تعلم الكتابة والحساب وغيرهما، مما تحتاجه متطلبات الحياة. أما قراية طبعاً، الدافع هو ديني أي قراءة القرآن لا غير.فعندما ظهرت الدولة بمؤسساتها الحديثة، تم مأسسة مفهوم الكتاتيب والقرايات، بوزارة المعارف والرئاسة العامة لتعليم البنات. ولذلك فلم يكن من المستغرب أن نجد آنذاك، أن حوالي أكثر من 90% من مقررات الرئاسة المفروضة على البنات هي دينية، وحتى لو لم تكن دينية. وعمليات الاضطهاد ولا أقول الانضباط التي تمارس على الطالبات من قبل المديرات والمشرفات والمعلمات تمارس على أعلى مستوياتها فيها. أي بأن سحق شخصية الفتاة وسحلها، أصبح وكأنه المطلب الرئيسي في سياسة الرئاسة. وهنا نجد بأن دور قتل شخصية الأنثى وسحلها، تقوم به مرة أخرى وبتفان منقطع النظير الأنثى ضد الأنثى، نيابة عن السيد الذكر وإرضاء له وإخلاصاً منها للحفاظ على ثقافته الذكورية.فمدارس البنات بما فيها الكليات، أقرب ما تكون لمعسكرات اعتقال منها لمدارس تربية وتعليم. ففيها من الشروط والضوابط ما يفوق بمراحل ما هو موجود في السجون. زي واحد حركة واحدة مشية واحدة وحتى شرائط واحدة للف الشعر.. لقد دخلت صدفة مدرسة بنات غير مأهولة، فوجدت بأن ثلاجة شرب الماء المعدنية اللامعة قد طمست بلون عشوائي!! فسألت ألهذه الدرجة الفتيات شقيات ؟! فقيل لي لا فقد تم طمس المعدن اللامع من قبل الإدارة حتى لا تشاهد الطالبات أشكالهن المنعكسة على الصفيح اللامع!!!وقد استلمت من مدرسة ابنتي تحذيرا موجهاً لكل الفتيات يجب بأن يوقع عليه أولياء أمورهن، لو سمعت بأنه يوجه لسجينات لاعترضت عليه من قبيل حقوق الإنسان. ومنه ألا تسرق وألا تتحرش جنسياً وألا تسمح بأن يتحرش بها جنسياً وإذا رأت زميلة تتحرش جنسياً بأخرى أن تبلغ عنهما ووووو..... الكثير مما يخجل ويندى له جبين الإنسانية. ولذلك فالعنف الأنثوي الأنثوي الذي يمارس في مدارس وكليات البنات ضد البنات أنتج لنا الملايين من الأرقام المتكدسة في البيوت من الخريجات اللواتي ينتظرن دورهن في خدمة سيدهن الذكر كما كانت جداتهن يفعلن.ألا ترون معي كيف تعيد الثقافة إنتاج نفسها في ظل غياب خطط تنموية واضحة الأهداف وبينة المعالم ودقيقة التفاصيل، وشديدة المتابعة والمساءلة ومراجعة منجزاتها وتقييمها بين كل فترة وأخرى، لكي لا تلدغ الأنثى من جحر قديم أو مؤسسة حديثة مرات ومرات، فأنينها من شدة اللدغ وتكراره إن لم يتوقف سيئن له جميع الوطن إن عاجلاً أم آجلاً.[c1]*عن / صحيفة “الوطن” السعودية[/c]