الشاعر مقبل نصر غالب
الشعر الحلمنتيشي، تسمية ساخرة لنوع من الشعر الضاحك كان قد أطلقها الشاعر المصري حسين شفيق المصري على ماكان ينظمه من شعر هزلي وفكاهي في العشرينات من القرن الماضي.وأساسه أن يأتي في بداية قصيدته الهزلية بمطلع قصيدة قديمة من أجود الشعر، ثم ينسج على منوال هذا المطلع شعراً فكاهياً هزلياً فيكون شعره أشبه بمعارضة هزلية للقصائد القديمة الرصينة التي نظمها كبار الشعراء، وقد بدأ حسين شفيق كامل بمعارضة المعلقات السبع التي نظمها أشهر شعراء الجاهلية وأطلق على معارضاته هذه مصطلح (المشعلقات) وبدأ مشعلقاته بمعارضة معلقة الشاعر الجاهلي طرفة ابن العبد التي مطلعها:لخولة أطلال، ببرقه ثهمد[c1] *** [/c]تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليدفقال حسين شفيق كامل:لـزيـنـب دكــان بـــحــارة مــنــجـد[c1] *** [/c]تـلـوح بـهـا أقـفـاص عيش مقددوقــوفاً بـهـا صحبي عليَّ هـزارها[c1] *** [/c]يـقـولـون لا تـقطع هزارك واقعدانا الرجـل الساهي الذي تعرفونه[c1] *** [/c]حويـطـاً كـجـن الـعـطـفـة المتلبدفـلـمـا تـنـاغـشـنـا الغداة وهزَّرت[c1] *** [/c]مـعـانـا واعـتـنـا بـرولاً بــمــوعــدرأت زوجـهـا يـدنـو فـغـطت عيونا[c1] *** [/c]بــشــال طــويــل كـالملاية أسودوتعتمد الفكاهة هنا على وضع الكلمة العامية بجوار الكلمة الفصيحة، لتضفي على القصيدة طابعاً هزلياً، وقد غلبت تسمية الشعر الحلمنتيشي فيما بعد على كل شعر هزلياً، وقد غلبت تسمية الشعر الحلمنيشي فيما بعد على كل شعر هزلي، أو يتسم بطابع السخرية. وقد تأثر بهذا اللون من الشعر شعراء كثيرون ومن أبرزهم الشاعر اليمني مقبل نصر غالب، الذي عرف بمعارضاته الساخرة لكثير من قصائد الشعر العربي الشهيرة، فقد كان يميل إلى تغيير القصائد الشهيرة بأسلوبه الساخر، ليضفي عليها نكهة جديدة ويعكس فيها رؤيته المغايرة للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة في الوطن العربي عموماً ووطنه اليمن خصوصاً، فهو يتناول سلبيات الواقع وينتقدها بجرأة غير معهودة، وبسخرية لاذعة، تثير القارئ، وتدفعه للضحك من الصور الكاريكاتورية التي يرسمها للواقع غير المرغوب فيه، والذي يتمنى تغييره نحو الأفضل، ومن ذلك على سبيل المثال، سخريته من الفساد الإداري والمالي المتفشي في بلده فقد استعار قصيدة شهيرة للشاعر المتنبي مطلعها: إذا غامرت في شرف مروم((إذا ماكنت ذا شرف رفيــع[c1] *** [/c]فلاتقع بمـــا دون النجــوم))وقال على منوالها:اذا ماكنت في وضع المديـر[c1] *** [/c]فلا نضع بشـيكـات الـوزيـرفتبني منزلاً مـن غيــر جهــد[c1] *** [/c]وتنفـذ مـن إهـانـات الأجـيـروعرف ايضاً بتحويراته لبعض المقولات الشهيرة، ليضفي عليها طابعاً هزلياً ساخراً كقوله:” كن حذراً، من العميل إذا افضحته ومن الوزير إذا نصحته ومن الوكيل إذا صارحته ومن المدعوم إذا ناطحته”. فهو بذلك يسخر من كثرة العملاء الذين يخونون وطنهم بارتمائهم في أحضان أعداء الوطن، كما يسخر من الوزراء الذين لا يقبلون النصح والمشورة من الآخرين، ويسخر كذلك من وكلائهم الذين يميلون إلى حجب الحقائق وتغطية العيوب بالزيف والمغالطة، وينفرون من الصراحة، كما يسخر من بعض الموظفين الفاسدين الذين يتكؤون على دعم من بعض المتنفذين في الدولة، ليتمادوا في فسادهم.ومن اساليبه في السخرية من العملاء انه لجأ إلى قصيدة شهيرة لإيليا ابي ماضي، يقول مطلعها:” كن جميلاً ترى الوجود جميلاً”.فيجري فيها تحويراً ساخراً على نحو:كن عميلاً ترى الزمـيــل عـــميــلا[c1] *** [/c]ولا تــرضــى بـواشـنـطـن بـديـلاولا تـجـزع إذا بـعـــت الــنـخــيــلا[c1] *** [/c]وبـعـت الأرض والأعـراض طــولافــكـم مـن خـائـن أضــحى جـليلا[c1] *** [/c]وكــم مـن مـخـص أضحى عليـلاومن أقواله في السخرية الوزراء الفاسدين قوله:“ قيل لوزيركم عمرك؟ فقال عشر وزارات وعشرين عمارة “.ومن شدة سخريته في الوزراء الفاسدين انه كان يلجأ احياناً إلى ابتكار قصص طريفة على طريقة حكايات الأطفال للتخلص من تبعات مسؤولية المساءلة عن تلك السخرية، ومن ذلك مثلاً سرده لهذه الحكاية التي سماها (وزير القطط) نشرت في صحيفة البورزان، العدد،9.8 أغسطس 1991م.قال فيها:يقال أن احد سلاطين الدولة العثمانية تقدم إليه احد أقربائه طالباً منه منصب وزير فأقنعه السلطان أن منصب الوزير يتطلب أن يكون لديه علم أو ثقل اجتماعي أو أن يكون ابن شهيد سياسي، ولكنه أصر على ذلك، ولو كان مجرد لقب يضفي عليه دون أن تكون لديه مسؤولية أو يمارس عملاً، حتى لو كان وزيراً للقطط.فضحك السلطان وقال: إما هذا المنصب فقد عينتك فيه ومستعد ان اكتبه لك خطياً فأخذ الرجل الأمر ووضع له (بروازاً) خشبياً وزجاجاً وقام بحصر القطط وتسجيلها ثم كان يدخل على لسلطان أثناء اجتماعاته فيهمس في آذنة ان القطة البيضاء رغم كذا قد ولدت فأنجبت ثلاث قطط.فيضحك السلطان ضحكاً عالياً، وكثيراً ماكان ينعي القطة في موتها.. وهكذا.وتمر الأيام الشهور فيخرج السلطان في نزهة فرأى قصراً شامخاً فسأل عن صاحب ذلك القصر، فقالوا له: انه لوزير القطط. ثم مر بجانب مزرعة كبيرة، فسأل عن صاحبها فقالوا له: انها لوزير القطط، وهكذا كلما مرَّ على متجر او سوق، يقال له: انها لوزير القطط.فطلب السلطان وزير القطط ليسأله: من أين لك هذا؟ فقال: إنني عندما كنت ادخل عليك واهمس في أذنك أثناء الاجتماعات فتضحك فيظن الناس أن لي عليك تأثير في قراراتك فيأتي الناس اليَّ، ويقدمون لي العطايا والهبات والأموال لا جعلك ترضى عنهم، وكنت أقدم لك بعض المعاملات لتنجزها على أساس إنها للقطط، فتوقعها وأنت تضحك، في حين إنها كانت لصالح بعض التجار أو كبار المسؤولين وفي مقابل ذلك كنت احصل على مبالغ طائلة.وتميز أسلوب مقبل نصر غالب بالسخرية من محيطه، ونقد مجتمعة نقداً لاذعاً سواء بالتلميح أو بالتصريح، إلا أن الغالب في سخريته لجؤوه إلى استخدام الشعر الحلمنتيشي على طريقة الشاعر المصري حسن شفيق المصري، ولكنه فاقة سخرية، وتصويراً للأمور التي تندر منها، وتنوع القضايا التي تناولها بأسلوبه الفكاهي المتميز. ووسيلته في ذلك تحوير القصائد الشهيرة لكبار الشعراء العرب في العصور المختلفة وإلباسها ثوباً قبيحاً مهلهلاً، لتصوير حال الواقع المعاش غير المرغوب فيه.ومن ذلك مثلاً معارضته لمعلقة عنترة ابن شداد الشهيرة التي يقول مطلعها:هــل غــادر الشعراء من متــــردم [c1] *** [/c]أم هل عرفت الدار بعد توهـــــموقد عارضها مقبل نصر غالب في أبيات يسخر فيها من الاختلال الأمني بقوله:هل غــادر الـمـدراء بــعــد تـجهــم[c1] *** [/c]أم هـل عرفــت الــعـدل بعد تقاسمحـتى رأيــت الأمن يـفرض نفــسه[c1] *** [/c]يـطفي ويـســرح في حـراب الأطقمهــلاَّ رأيت الكــرش يـا ابـنــة حمير[c1] *** [/c]أن كـنــت جــاهــلــة بـهــذا الـدرهميــنـبـئـك من قتل الـعـروس بقارح[c1] *** [/c]ومضى يـقـر بــجــرمـه فـي المأتــمومــثـقـــف كــــره الأبــاة نــفــاقــه[c1] *** [/c]يرغي ويـزبــد مـثل ثــور مـلـجــــــمومثلها معارضته لأبيات شوقي الشهيرة في تكريم المعلم ورفعة شأنه في المجتمع، والتي مطلعها:قــم للمـعــلــم وفــه التـبـجــيـــلا[c1] *** [/c]كــاد الـمـعــلــم ان يكـــون رســولافيقول على منوالها ساخراً من الوضع السيئ الذي يعيشه المعلم، واصفاً حاله باسوا حالة ، فقال:قـــم للـمعـلــم واســـتــمـعه قليلا[c1] *** [/c]كـاد الـمــعــلـم أن يـمـوت عـلـيــلافـانــا المعـلم والـحضـارة صنعتي[c1] *** [/c]حتى وان كان الـمـعــاش ضــئـيــــلاًوانـــا المـعلــم أن تـوانـي مـــــرة[c1] *** [/c]شــهـد الأنــام تــخلفـــاً وخمـــــولانمنــا زمانـاً فــاسـتـبــــد بأمـتــــي[c1] *** [/c]ظلــم الــطــغــاة مـنكـلاً تـنـكـيـلاأن المـعلــم أن قـصـصـت جـناحـه[c1] *** [/c]ترك العــلوم وأهـمـل التـحصيــــلاأن المعلــم لا يــقــود لـــنــهــضــة[c1] *** [/c]أن كــان اصــلاً يـعــدم الــتــأهــيلاوفي نقده لارتفاع الأسعار وجشع التجار، قام بتحريف أغنية شهيرة مطلعها:قل للمليحة ذي الخمــار الأســــود[c1] *** [/c]مــاذا فـعـلت بـنـاسك متـعـبــــدفقال على منوالها:قل للمليحـــة في الزمــان إلأنكــد[c1] *** [/c]مـاذا فـعلت بـتـاجــر مــستــــوردمـازال يرفع فــي الذرى أسعـــــاره[c1] *** [/c]لمـا رآك مـــع التـوحـــد تــسـعـديقد كـان يرغــب أن تكـوني مـلكـه[c1] *** [/c]وبرغم هـذا الجــوع لـم تستعبـديأن كـان لا يــرضــيــك إلا فـــــارس[c1] *** [/c]ماكـل هــذا الــصــبـر، كم تتجلدي؟