ثلاث ويلات تحاصرهم
تسببت مخرجات محطة معالجة مياه الصرف الصحي بالأمانة في الاضرار بالبيئة والانسان في مديرية بني الحارث عندما افاق الناس على خطر داهم يتهدد صحتهم وصحة اطفالهم وماشيتهم ودواجنهم ويضر ببيئتهم بزروعها وبتربتها، بمياهها وآبارها وهم يشاهدون انسياح مياه الصرف الصحي الملوثة متدفقة في جريانها دون رادع يردعها عن بيئتهم .هذه المشكلة كانت محل ورشة عمل نظمها المجلس المحلي بمديرية بني الحارث والمنظمات الاهلية العاملة في نطاقه الجغرافي حول (معالجة الاثار والمخاطر البيئية في المديرية وفيما يلي استعراض لأبرز جوانب واتجاهات المشكلة).[c1]جذور المشكلة[/c]شهدت مديرية بني الحارث بأمانة العاصمة في عام 1998م حدثاً غير مسبوق في تاريخها وذلك بادخالها عصر شبكة الصرف الصحي وبقدر فرحة الناس في المنطقة بدخول ذلك العصر اذا بهم بعد ان تحول المشروع الى انجاز يرددون القول العربي الشائع (رب يوم بكيت فيه فلما صرت في غيره بكيت عليه ) .* فأي يوم هذا الذي بكى منه سكان بني الحارث ثم عادوا بعد ان ولّى يبكون عليه ؟تقول المعطيات والحقائق ان الناس في المديرية مع بداية عقد التسعينات من القرن الميلادي الماضي افاقوا على حقيقتين مُرتين :1- تدفق مياه الصرف الصحي منطلقة من الروضة مارة بـ ( بني حوات) آخذة في الاتساع على جانبي جريانها بحكم بالتنامي المستمر بكمياتها المتدفقة الى حد يوصلها الى اقصى شمال المنطقة ( بني الحارث / بيت دُغيش).2- تسرب مياه الصرف الصحي ( العادمة / الغير معالجة الى الآبار القريبة من مجرى الوادي واضطرار السكان في هذه المنطقة الى اللجوء لشراء مياه الشرب المنقولة بواسطة السيارات ( الوايتات) وعلى سبيل المثال لا الحصر فان سكان المنطقة الشرقية من الوادي ( بيت قحيم - صالح قاسم- بيت الخاوي) يقدر - حينذاك- إجمالي المبالغ التي تنفقها الاسرة الواحدة في الشهر لشراء مياه الشرب بحوالي (2800-3000) ريال ، أما السكان في المنطقة الغربية من الوادي ونظراً لتلوث مياه الآبار القريبة من الوادي فانهم نتيجة لذلك كانوا يلجأون لسد حاجاتهم اليومية من الآبار الارتوازية البعيدة عن المنطقة الملوثة وعادة مايتم توفير المياه بواسطة النساء.وفي هاتين الحقيقتين استشعر الناس خطراً داهما يتهدد صحتهم وصحة اطفالهم وماشيتهم ودواجنهم ويضر ببيئتهم بزروعها وبتربتها، وبمياهها وآبارها وهم يشاهدون صباح مساء انسياح مياه الصرف الصحي الملوثة متدفقة في جريانها دون رادع يردعها أو صاد يصدها عن بيئتهم هذا فضلاً عن شعورهم بالخجل وهم يرون هذه المياه تستقبل وتودع القادمين والمغادرين عبر مطار صنعاء الدولي وقد ازكمت الرائحة انوفهم وخدش مرآها المشاهد الجمالية لصنعاء المدينة والانسان في اعينهم.كان إدراك الناس الفطري ووعيهم المتنامي بفعل تراكم التجارب والموروث لديهم قد ولد عندهم قناعات بان التصحر وتلوث التربة وتلوث الماء " من الويلات البىئية التي قد تدمر الانسان وتزيله عن وجه الارض " فكانت منهم الحركة وكانت من رب العباد البركة ومن ولاة الامر جاء الحل وان كان مجيئه بعد أعوام عشرة.جاء الحل وكانت بدايته ومنطلقه في 1997/1/15م حيث تم إصدار القانون رقم (6) لعام 1997م بشأن اتفاقية القرض لمشروع محطة معالجة مياه مجاري صنعاء مابين بلادنا وصندوق الاوبك للتنمية الدولية.وفي مايو عام 2000م اكتمل انشاء المحطة وبدأت في المعالجة لمياه الصرف الصحي ( العادمة) وذلك حتى ديسمبر 2000م وحسب تأكيدات الخبراء والاختصاصين فان المحطة ( صممت لتستوعب كحد اقصى نحو 5000 متر مكعب / يوم ، ومياه ذات اكسجين لازم حيوياً بقيمة 500 مجم / لتر ومواد صلبة عالقة بنحو 750 مجم / لتر وتقدر مياه الصرف الصحي المتدفقة للمحطة في الوقت الحالي بنحو 70000 مترمكعب / يوم ، وهذا يعني ان هناك زيادة في الحمولة بما يساوي 40 من الطاقة القصوى التي صُممت عليها المحطة ، كذلك فان قيمة الاكسجين اللازم حيوياً والتي يصل الى المحطة تبلغ في المتوسط 1082.9 مجم / لتر اي انها تفوق القدرة التصميمية للمحطة بنحو 100.[c1]التداعيات والآثار[/c]1- انتشار المياه العادمة في مجرى الوادي عبر قناة ترابية مكشوفة تمر من بين القرى والمحلات الآهلة بالسكان والمناطق الزراعية وصولاً الى مديرية ارحب بطول يزيد عن 9 كم فيما يبلغ عرض المنطقة التي تنتشر فيها المياه المعالجة عبر الشفاطات والقنوات البلاستيكية لما يزيد عن 6 كم على جانبي القناة .2- تدفق الملوثات الصناعية المعدنية- الكيميائية- مخلفات المسالخ- مخلفات المستشفيات مخلفات محطات السروسي وتغيير الزيوت ومرورها جميعاً عبر المحطة دون معالجة كاملة. (على الرغم من صدور قرار مجلس الوزراء رقم (253) لعام 1999م الذي يشمل المواصفات والمقاييس لمياه الشرب والري والمواصفات القياسية للمياه العادمة الصناعية والتجارية والخدمية كما حدد القرار عدداً من المهام اهمها مراقبة الموارد المائية وحمايتها من التلوث ومراقبة المياه العادمة الخارجة من المصادر المختلفة .. إلا ان هذا القرار لم يصل الى حيز التنفيذ ).3- تسرب المياه العادمة الى الخزان الجوفي عبر الطبقات المنفذة للمياه ممثلة بالقناة المكشوفة والمستنقعات والمسطحات المائية واختلاطها بالمياه الجوفية مما افقدها صلاحيتها للشرب بسبب زيادة الاملاح والنترات وجميع الملوثات .( من حيث نوعية المياه المستخدمة ومدى صلاحيتها للاستخدام الآدمي وخلوها من التلوث ، فلا توجد الى الآن دراسات متكاملة حول نوعية المياه وحماية الموارد المائية من التلوث كما لا يوجد حصر دقيق لمصادر التلوث سواء الطبيعي منها او ما ارتبط بالانشطة الانسانية المختلفة، ولم يتم تحليل الآثار الناتجة عن اي مصادر جرى رصدها كما لايتم مراقبة مواصفات مخرجات الصرف الصحي لا من المصانع ولا من اي مصدر اخر.4- تصحر الاراضي الزراعية التي غمرت بالمياه المعالجة اكثر من ثلاث مرات وفقدانها لخصوبتها.5-انتشار الامراض الجلدية والمعوية في الانسان والحيوان بصورة خطيرة وكذا انتشار الآفات الزراعية - في صورة وبائية- وارتفاع مستوى ضررها على النباتات وزيادة تكاليف مكافحتها وقد ظهرت آفات لم تكن موجودة في المنطقة مثل المن الاسود وغيرها.6- تدفق مياه الصرف الصحي منطلقة من الروضة ماره بـ ( بني حوات) آخذة في الاتساع على جانبي جريانها بحكم بالتنامي المستمر بكمياتها المتدفقة الى حد يوصلها الى اقصى شمال المنطقة ( بني الحارث / بيت دُغيش).7-تدفق كميات كبيرة من الزيوت الى محطة المعالجة ( حسب احصائيات رسمية يبلغ مايتم جمعه شهرياً من الزيوت 50م3).8- تدفق مخلفات المسالخ ومعامل الصناعات الكيميائية والمستشفيات وهي ( المخلفات) مشبعة بالمواد الكيميائية والمستعمرات البكتيرية ومصادر التلوث البيولوجي وجميعها تعطل تشغيل محطة المعالجة وتفقدها القدرة على اداء وظائفها.9- انتشار الذباب والبعوض والقوارض الى جانب نمو مستعمرات مكروبية جرثومية مما ادى اصابة سكان المنطقة بالعديد من الاوبئة والامراض التي الحقت بالغ الضرر بصحتهم وهذا ما تؤكده المعلومات والتقارير الصادرة عن جهات موثوقة بها.10- تدهور جودة الأراضي الزراعية وتراجع مستويات انتاجيتها بسبب تدفق المياه العادمة- قبل انشاء المحطة- وتفاقم تلوثها بالمياه حالياً مابعد انشاء المحطة - حيث يظن البعض ان المياه المتدفقة من الاخيرة مياه معالجة بينما هي في حقيقة الامر ليست كذلك حسب تقارير الخبراء الميدانيين.11- من خلال الدراسات والتحاليل التي اجريت لعينات من مياه الآبار الارتوازية الواقعة في المنطقة تبين انها تحتوي على مستويات عالية من التلوث البكتيرولوجي والنترات والفوسفات مما يشير بصورة اكيدة الى تلوث المياه الجوفية نتيجة تسرب المياه العادمة ( سابقاً ) وايضاً المياه المعالجة ( حالياً ) وتكمن خطورة تلوث الاحواض الجوفية بانها ليس لها القدرة الذاتية على التنظيف وبالتالي فان اصابتها بالتلوث يجعل تنظيفها صعباً وباهظ التكاليف ( تقرير الوضع البيئي في اليمن لعام 2000م- مجلس حماية البيئة صـ( 26/25).12- تدني وتدهور القيم الاجتماعية وضعف الوازع الديني لدى بعض المزارعين مما جعلهم يرجحون معاناتهم الاقتصادية وتلبية الضروريات المعيشية الى استخدام المياه المعالجة وري محاصيل زراعية بها رغم علمهم بعدم صلاحية استخدام هذه المياه لهذه الأغراض يقينهم بان هذا التصرف من المحرمات شرعاً لانه مبني على باطل- وما بني على باطل فهو باطل- وباقدامهم على هكذا تصرف انتشرت سمعة سيئة عن منتجات المنطقة بصفة عامة.. مما ادى الى إلحاق الضرر البالغ بالسواد الاعظم من المزارعين الذين يعتمدون في ري مزروعاتهم على المياه النقية المستخرجة من الآبار الارتوازية الخاصة بهم.[c1]مخرج المشكلة [/c]وحسبنا ماسقناه من تداعيات للمشكلة وآثارها وعز الاهتداء الى حلول ناجعة لها بالرغم من اياد كلت واصوات بحت واقلام نضبت والملفات اتخمت وتشبعت بالتوصيات والتقارير والمناشدات دون ان يثمر عن كل هذا مايرفع عن مديرية بني الحارث معاناتها.. بل وسيظل هذا المطلب على مشروعيته في مقام الغول والعنقاء والخل الوفي من حيث تحويله الى حقيقة ماثلة ذلك ان مساحة الحديث عن البيئة والحفاظ على سلامتها من التلوث يفوق كثيراً مساحة الاهتمام الفعلي.ومن هنا لا مخرج لـ ( بني الحارث) من محنتها دون مايلي :1- مشاركة منظمات المجتمع الاهلية في المشروعات والبرامج البيئيةباعتبارها ( المنظمات ) أداة فعالة لتحقيق رفع مستوى الوعي البيئي لدى الناس والاستفادة من الخبرات المتراكمة لدى الاجيال في التعامل مع البىئة والموارد الطبيعية وهذا كله من شأنه تعزيز اكتساب المعرفة.2- إدراك حاجة المؤسسة المحلية للصرف الصحي " لتطوير صلاتها بالهيئة العامة للموارد المائية لكي تكون قادرة على تنسيق الجهود في مجالين اثنين:أ- إعادة توزيع موارد المياه عندالاقتضاء.ب- تصريف المياه العادمة التي تمثل اخطاراً بيئية وصحية محتملة إذا تركت دون معالجة وفرصة كمورد إضافي اذا عولجت بشكل صحيح واعيد استعمالها".3- أن ندرك جميعاً إدراكاً واعيا ومسئولاً جذلية " الترابط الشديد بين توفر المياه من جهة والصحة العامة والبطالة والفقر وتعليم الفتيات والتنمية عموماً من جهة اخرى".واخيراً فـ " ان الامن المائي يشكل ركناً اساسياً من اركان الامن القومي لاي بلد وخصوصاً في بلد شحيح المياه كاليمن فالمياه علاوة على اهميتها لحياة الانسان تدخل في صلب عملية الانتاج الزراعي والنشاط الاقتصادي عموماً ولهذا فان شحتها وازدياد التنافس عليها يمكن ان يصبح مصدراً للأضطراب الاقتصادي والاجتماعي بما ينعكس على السلم الاجتماعي وبالتالي على الامن القومي خصوصاً وان اكثر من 50 من القوى العاملة تعمل في القطاع الزراعي".قال تعالى :" قل أرأيتم ان اصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماءٍ معين " (30 الملك)