ضريح معاذ بن جبل
الجَنَد، منطقةٌ تاريخيةٌ شهيرة في اليمن، تقع على بُعد اثنين وعشرين كيلومترا إلى الشمال الشرقي من مدينة تَعِزْ. هذه المنطقة كانت مركزا حَضَريا مُهما، في عهد البعثة النبوية.ولذلك فإن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عندما بعث مُعَاذَ بنَ جبلٍ رضي الله عنه إلى اليمن، في العام التاسع للهجرة، قاضياً وداعيةً وأميراً، أمَرَه أن يبني مسجدَه فيها، فصار بذلك من أقدمِ المساجدِ في الإسلام بعد مساجدِ المدينة المنورة، وأصبح مقراً لقيادة معاذٍ في اليمن، ومُنطلقاً لدعوته، التي مَهَّد لها الصحابيُ الجليل أبو موسى الأشعري. وكان لهذيْن الصحابيِّيْن الفضلُ في نشرِ الإسلامِ بالكلمةِ في اليمن، وصارتْ هذه البلاد، ثانيَ منطقةٍ ينتشرُ فيها دينُ الله، بعدَ الحجاز. حقق معاذٌ رضي الله عنه نجاحاً غير مسبوق في هذه البلاد، وبرزت فيها خصالُه العلميةُ والقيادية. ولم يكن الأمرُ مصادفةً أن أُصولَه الأولى تعودُ إلى اليمن. شارك معاذُ بنُ جبل بفاعليةٍ ونشاطٍ في جُهود نشرِ الإسلام في المدينة قبل الهجرة النبوية، وكان من المجموعةِ الأولى التي ساهمت في تهيئة المدينةِ لاستقبال الرسولِ والمسلمين المهاجرين. وبعد الهجرة، كان معاذٌ من أبرزِ المشاركين في بناءِ الدولة الإسلامية في المدينة. وكان قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظهرت سريعا قُدراتُه العلمية، وفَهمُه لكتاب الله، ومَلكَاتُه في استنباطِ الأحكام الشرعية، حتى اشتُهر بأنه من أعلمِ الناسِ بالحلال والحرام. كان لمُعاذِ بنِ جبل أثرٌ كبيرٌ في جَمْعِ القرآنِ الكريم وتدوينِه في العهدِ النبوي، فضلاً عن أثرِه الكبير في استخراجِ الأحكامِ الشرعية. وهذه الخصائصُ هي التي جعلت الرسولَ صلى الله عليه وسلم يختارُ معاذا لتلك المَهمةِ الكبرى، وهي قيادةُ إنشاءِ مجتمعٍ إسلاميٍ كبير في اليمن. وقد خرج الرسولُ في وَداعه، وهو يُلقِي إليه بوصاياه الشهيرة. ووصايا الرسول صلى الله عليه وسلم، تُشير إلى أنه أرسلَ معاذاً ليكون أميراً على اليمن. وبذلك أصبحت الجَنَد أولَ عاصمةٍ إسلاميةٍ لتلك البلاد. وعلى يد معاذ تَخرجت في اليمن أجيالٌ من كبارِ العلماء، في مختلِفِ العلومِ الدينيةِ واللغوية وغيرِها. وخلال سنواتٍ قليلة، استطاع معاذُ بن جبل أن يُجنِّد من أهلِ اليمن آلافاً من المقاتلين الذين برزَ دورُهم في مقاومةِ حركاتِ التمردِ الداخلية، مثلَ حركةِ الأسْوَدِ العَنْسي. ثم كان للجيل الذي صنَعه معاذٌ في اليمن، دورٌ كبيرٌ في الفتوحات الإسلامية في عهدِ أبي بكر الصديق ومَن جاءَ بَعدَه.شارك معاذُ بنُ جبل رضي الله عنه، مع المقاتلين الذين أحضرهم من اليمن، في معارك بلادِ الشام، واشتُهر بقدرتِه الفذةِ على التعبئةِ المعنوية للمقاتلين. وعندما انتشر الطاعون في بلاد الشام، كان شطرٌ كبير من جيوشِ المسلمين في غور الأردن، ففتك بها المرض. وبعد وفاةِ أبي عبيدة، تولى معاذٌ قيادةَ الجيوش.لكن معاذا لم يلبث طويلاً حتى تُوفي بالطاعون، في السنةِ الثامنةَ عشرةَ للهجرة، وهو دون الأربعين من عُمُرِه، ودفن إلى الشمال من مقامِ أبي عبيدة في غور الأردن، بعد أن سبقه في الوباءِ ذاتِه عددٌ من أفرادِ أسرته.