التسجيل الصوتي الذي نشره زعيم القاعدة أسامة ابن لادن في الوقت الذي كان فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما يزور عواصم إسلامية وعربية هامة مثل الرياض والقاهرة على قدر كبير من الأهمية لنا، على صعيد ثقافي وفكري بشكل أكبر بكثير ربما من المستوى السياسي. من الواضح أن أفكار القاعدة الثقافية المتنوعة أصبحت أهم بكثير من قوة تأثيرها السياسي على أرض الواقع الذي لا يقارن بالقوة السياسية الأمريكية. كل هذا الصراع الثقافي تعكسه شخصية كل من أوباما وابن لادن (مع الفارق في المكانين) فهما يعبران عن عالمين مختلفين ويدعوان لقيم مختلفة ويحلمان بأن تسود أفكارهما في المستقبل في مناطق كثيرة بالعالم. من المهم عقد مقارنة تكشف بشكل أكبر عن هذين العالمين المتناقضين تماما حتى نعرف أيضا أياً من العالمين نفضل ونريد أن يسود ويعيش فيه أولادنا. دعونا نصحح منذ البداية مصطلح «عالم أباوما» الذي يرفضه أوباما نفسه الأمر الذي يعكس جزءاً من طريقة تفكيره المتشككة دائما والتي تؤمن بأهمية التنوع والتعدد. الذي يقرأ سيرة حياة أوباما يدرك أنه يكره الأحكام الجاهزة والمواقف المتحيزة ومؤمن بأهمية الحوار والالتقاء حول نقاط مشتركة. هذا ما أقصده أنا ب «عالم أوباما» حيث لا يتم فرض نمط معين من الأفكار كحقائق ولكن التنوع الثقافي هو الحقيقة الوحيدة التي يجب أن يقبلها الجميع. أما بالنسبة ل «عالم ابن لادن» المختلف جدا، الذي حلم بتأسيسه ونشره في العالم، فلا يعرف أي معنى للحوار والتنوع والتعدد، وابن لادن يرى نفسه رجلاً يقول الحقائق غير القابلة للشك ولا يؤمن بأهمية الثقافات المختلفة ولكنه يكفرها ويريد أن يفرض نمطه الخاص على العالم. لقد أوجد ابن لادن مثل هذا العالم لوقت قصير أيام طالبان وقد رأينا التطابق الذي فرضه على الجميع لم يكن فقط على مستوى الأفكار ولكن على مستوى الشكل وشاهدنا المناظر المخزية عندما يقمع الناس ويتم إذلالهم علنيا وتسلب منهم حريتهم، ليس فقط في الأفكار والمعتقدات والطموحات، ولكن حتى في اختيار الملابس التي يريدون أن يرتدوها. أوباما رجل متسامح ويحترم جميع الأديان والمعتقدات، ويتحدث دائما عن حبه للكتب المقدسة التي تواجدت على الدوام في حياته منذ البداية بسبب من شخصية أمه الرائعة التي كان لها التأثير الأكبر عليه، فكما يقول في كتابه الشهير «جرأة الأمل» كانت تدخل معه أمه في جدل طويل وعميق حول الأديان والثقافات المختلفة، الأمر الذي أمده بهذه الشخصية المتسامحة التي ترى في هذا التعدد والتنوع الديني مصدر ثراء وعمق وخير على الجميع. وقد عبر كثيرا عن احترامه للدين الإسلامي والإسهامات الهامة للمسلمين في الحياة الأمريكية. ولكن بالمقابل فإن فلسفة ابن لادن لا تعرف أي معانٍ للتسامح والتعدد وإنما هي قائمة بشكل أساسي على التكفير والإقصاء. وهو بالطبع لا يؤمن فقط بحرية المعتقد ولكنه أيضا لا يرى في هذا المختلف دينيا شخصاً يستحق الحياة لذا شاهدنا كيف كان يشرح بحبور طريقة ضرب الطائرات لأبراج نيويورك التي قتل فيها أكثر من 3000 إنسان. لقد كان يفعل ذلك بسبب طريقة إيمانه التي لا ترى هؤلاء بشراً ولكن مجرد حشرات يمكن سحقها فقط لأنهم يختلفون معه في الدين. لقد شاهدنا ذلك أيضا مرات عديدة حيث تبنت القاعدة والمجموعات المتطرفة التي تحلم بأن يسود عالم ابن لادن تفجيرات رهيبة حول العالم لأنها لم تر في المختلفين، حتى بين المسلمين، بشرا يستحقون الحياة. على عكس أوباما الذي يؤمن بأهمية التنوع الديني، لا يسعى ابن لادن فقط لفصل مثل هذا التنوع الهام وذلك بتهديداته الإرهابية لغير المسلمين ولكن أيضا هو يقوم بقتلهم عن طريق العمليات الإرهابية التي تبناها أو باركها. الاختلافات كبيرة جدا بين عالم أوباما وعالم ابن لادن. عالم أوباما منفتح وعالم ابن لادن مغلق، عالم ابن أوباما يخطئ ويصيب وعالم ابن لادن يصر على أنه مصيب فقط ولا يعترف بالخطأ - (كثيرة هي المرات التي يعترف أوباما باخطائه ولكن ابن لادن شخص لا يعترف بالخطأ أبداً لأنه يعتقد أنه يتحدث باسم الله)، عالم أوباما يحترم حريات الآخرين، وعالم ابن لادن لايعرف معنى الحرية، عالم أوباما تحترم فيه النساء وتمنح كافة حقوقها، وعالم ابن لادن تحتقر وتضرب وتهان في الأسواق، عالم أوباما يؤمن بالمحبة والمشاركة وعالم ابن لادن قائم على الكراهية والبغضاء. أنهما عالمان مختلفان وبالتأكيد أنه لا يعكس عالم هذين الشخصيتين تحديداً ولكنه يعكس نمطين مختلفين من الحياة التي يعتبر أوباما وابن لادن الشخصيتين الرمزيتين لهما. هذا الصدام «الأوبامي» «البنلادني» يعكس الصراع الثقافي الأكبر بين القوى الفكرية التي تؤمن بالتغيير والاندماج والتسامح و التأكيد على أهمية الانسان قبل كل شيء، وبين القوى الفكرية التي تؤمن بالعزلة والانغلاق ولا تعتقد بأهمية الانسان إلا إذا تطابق معها ليس فقط دينيا ولكن أيضا طائفيا وتفصيليا أيضا. المقارنة بين عالم أوباما وعالم ابن لادن مهمة بالنسبة لنا لأنها تجعلنا نرى بوضوح ماهو العالم الذي نريد اختياره لحياتنا وحياة أطفالنا. الرائع في الأمر هو أننا بإمكاننا أن نرى أن عالم التنوع والمشاركة والاحترام والتسامح الذي يعبر عنه رمزيا أوباما هو العالم القوي السائد، وهو الذي يعبر عن الخير الانساني، في الوقت الذي يبدو فيه عالم التطرف والانغلاق والكراهية الذي يعبر عنه رمزياً ابن لادن ضعيفاً ومنطوياً على شروره ووحشيته. أي عالم تريد أن تختار؟!. بالنسبة لي اخترت «عالم أوباما» حتى قبل أن أعرفه بمدة طويلة. لا داعي لأقول كم أنا سعيد بهذا الاختيار.[c1]*عن/صحيفة (الرياض)السعودية[/c]
عالم أوباما أم عالم ابن لادن؟!
أخبار متعلقة