إسهامات الكويت في الثقافة العربية 2-1
يحيى قاسم سهل المحامي تتشعب إسهامات الكويت في الثقافة العربية إلى حد يصعب حصرها في محاور محددة، أو مجالات دون غيرها، ولهذا يستحيل الحديث عنها في دراسة، أو محاضرة واحدة، كما يتعذر إنصافها أو تقديرها حق قدرها، مهما كتب عنها هنا وهناك على الرغم من أهميتها.ذلك مما جاء في تقديم الأستاذ بدر سيد عبدالوهاب الرفاعي الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت للكتاب الصادر عن المجلس المذكور والموسوم «إسهامات الكويت في الثقافة العربية» الذي تم توزيعه مجاناً مع العدد «363» من سلسلة عالم المعرفة (مايو) 2009.[No Paragraph Style]عاديحسان ابيض/ بنط النص (الرياضي)ويعد الكتاب إصدار خاص بأعمال الندوة التي دعت إليها «المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم» في 11و12 أكتوبر 2002 تحت عنوان «إسهامات الكويت في الثقافة العربية» التي نظمتها بالتعاون مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت.ويتضمن الكتاب سبعة بحوث إلى جانب التقديم وكلمات افتتاح الندوة، إضافة إلى ملحق الصور..[c1]1 - شخصيات عربية رائدة أبدعت في الكويت «الكويت حاضنة ثقافية»[/c]ذلك هو عنوان البحث الأول للدكتور صلاح فضل «مصر» وقد أشار البحث إلى أهمية التهجين وأثره البالغ في تشكيل معالم الثقافة العربية وبنهضتها، والنموذج الأول للتهجين ما جرى في مصر خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين، النموذج الثاني ما حدث في الكويت خلال النصف الثاني من القرن ذاته. وفيما يتصل بالنموذج الأول فقد كانت القاهرة والإسكندرية بمثابة الحاضنة التي أحسنت استقبال الرواد الطليعيين من أبناء الشام خاصة الذين أشعلوا جذوة النهضة الثقافية العربية في مجالات:الصحافة والنشر والمسرح والسينما والموسيقى وغيرها. وقد تبنت مصر مشروعاتهم وهيأت لهم ما يسميه مؤرخو الحضارة «المجال الحيوي اللازم» للنمو والرعاية، بما يتسم به من أفق مدني وتسامح ضروري وحرية كافية، حتى تزدهر في رحابة هذه الفنون وتلتحم بنسيج مشروعها الوطني.[c1]العش الكويتي الوثير[/c]كانت الكويت هي النموذج الثاني للتهجين، فقد احتضنت الكويت كوكبة من العقول العربية اللامعة وضع بها ومعها مشروعه الثقافي الخطير، وأتاح لها فرص الإبداع ما سيظل يقترن بتاريخها ويلتحم بمشروعها.. وقد أسهمت تلك الكوكبة في إثارة الشعلة، وهي شعلة استمدت زيتها من أرض الكويت وذكاء بنيتها وحماسهم وقدرتهم على الاختيار والاستثمار ورعاية الشعلة الموقدة حتى لا تنطفئ.وبروح الناقد لا المؤرخ، ذكر الباحث البداية الحقيقية للمشروع الثقافي في الكويت احتضانها عام 1958م للدورة الرابعة لمؤتمر الأدباء العرب ثم إصدار مجلة العربي بإدارة واحد من أكبر علماء العروبة أدبائها هو الدكتور أحمد زكي، وأسترسل الباحث راصداً مجموعة من الإعلام العرب الذين توالوا على مجلة العربي بما فيهم قائد طاقم التحرير المبدع الصامت أبو المعاطي أبو النجا.وذكر كذلك الذين مروا بالكويت حينها وتركوا بصمات أمثال أمين نخلة وأمين الريحاني والزعيم النهضوي التونسي عبدالعزيز الثعالبي والمفكر الإسلامي العظيم تلميذ محمد عبده الأستاذ رشيد رضاء صاحب المنار.وفيما يخص مجال النشر الثقافي ودور الإعلام العربي في هذا المجال الذين أنشأه ورعاه الشاعر الكويتي والمثقف الكبير الراحل أحمد العرواني وأسند رئاسة تحريرها لعدد من قادة الفكر والثقافة في الوطن العربي. وقد تمثل هذا النشر في مجموعة السلاسل العربية من أهمها سلسلة «من المسرح العالمي الشهرية برئاسة د.محمد إسماعيل موافي، الذي كان مشرفاً على صدور نظيرتها في مصر قبل ذلك د. طه محمود طه. ومجلة «عالم الفكر» القنصلية الأكاديمية الرصينة التي صدرت 1970م وأشرف عليها كبير علماء الأنتروبولوجيا العرب المفكر د. أحمد أبو زيد. وكذلك سلسلة «عالم المعرفة» الشهرية التي ملأت المكتبات الغربية بنماذج فاتنة من الكتب المؤلفة والترجمة، والتي أشرف عليها منذ بداية صدورها 1978م حتى الآن المفكر العربي الكبير د. فؤاد زكريا.. ويصعب الحديث في هذا المقام المطبوعات الكويتية التي تنشر في العالم العربي وخارجه، وذلك من جهة، ومن الأخرى لا يتسع المجال لذكر الإعلام العرب الذين نهضوا بدور عظيم في مجال التعليم والجامعة في الكويت أمثال الرئيس الأول لجامعة الكويت د. عبدالفتاح إسماعيل ود. عبدالوهاب البرنس والعديد من قادة الفكر أمثال د. عبدالعزيز كامل وعبدالمنعم النمر، وأحمد كمال أبو المجد وعبدالسلام هارون وشوقي ضيف وزكي نجيب محمود، وشاكر مصطفى وحسين مؤنس.... ألخ.وقد حظيت ورقة د. صلاح فضل بنقاشات واسعة أسهم فيها أكاديميون وخبراء في الشأن الثقافي والأدبي من الكويت وغيرها وأهم تلك المناقشات تركزت في إتمام النقص المتعلق بإعلام عرب آخرين أسهموا في المشروع الثقافي الكويت غير المصريين أمثال قسطنطين زريق وسليمان حزين والانجليزي أيفور جيمنجج الذين وضعوا الدراسة التي على أساسها أنشئت جامعة الكويت.إضافة إلى عوامل ازدهار الثقافة ونموها في الكويت وأهمها الحرية وغياب النوايا الأيديولوجية ثم إن المشروع الكويتي انطلق من الكل إلى المشروع الحضاري العربي بدليل أن المجلة سميت «العربي» ولم تسم الكويت بمعنى العناية في المشروع للشأن العربي ولعطاء الحضارة العربية فكان التفاعل من قبل تلك الكوكبة من رجال الثقافة والفكر العرب.. إلخ [c1]2 - فهد العسكر وآفاق التنوير [/c]وصفت الأستاذة الدكتورة نورية الرومي أستاذ الأدب العربي الحديث (جامعة الكويت) فهد العسكر بأنه: (من الشعراء الذين تعلقوا بالتراث تعلقاً عقدياً اختلط في بعض الأحيان بالدين ولكنه كان مفتوح الفعل رحب الوجدان ولقد تراوح شعره التنويري بين الاتجاه الرومانسي والاتجاه الواقعي) واستشهدت بمجموعة من قصائده لتؤكد ما ذهبت إليه.وقد رصدت الباحثة حياة العسكر الاجتماعية وبداياته الأولى المتمثلة في المجتمع التقليدي المحافظ الذي عاش فيه وحتى بداية تشكله وتأمله لبعض التقاليد والعادات الموروثة وما عاناه من هذا المجتمع الذي رماه بالإلحاد تارة وبالمروق تارة أخرى.وتناول البحث فهد العسكر كأحد رواد الإصلاح في الكويت وذلك من خلال قصائده التي مجدت المعرفة والعلم والاهتمام بالشباب بوصفهم عدة المستقبل وهم الأمل في حمل مشاعل الحرية والحضارة.وقد حظيت المرأة الكويتية بنصيب كبير من أشعار فهد العسكر بوصف أن النهضة أو التنوير مرتبطان بتخليص المجتمع من التقاليد البالية وأهمها إهمال نصفه وهي المرأة.لذلك تناولت الباحثة موقف بل رؤية فهد العسكر في الإصلاح السياسي والقومي وانفتاحه على الآخر على الرغم من ثقافته التقليدية المحدودة.وخلصت في بحثها إلى القول: (كان فهد العسكر يمتلك رؤية للعالم رؤية قوامها النهوض بالكويت من كبوة العادات والتقاليد البالية إذا أشاءت أن تشق طريقها نحو الحداثة والتطوير.)وقد نال البحث معه من النقاشات [c1]3 - موقع الإبداع الأدبي والفني الكويتي في الثقافة العربية[/c]كان البحث الثالث للباحث التونسي الدكتور المنصف الشنوفي بعنوان (موقع الإبداع الأدبي والفني الكويتي في الثقافة العربية دراسة حالة بدايات الصحافة الكويتية خارج البلاد.)) بدأ البحث برفض ما أتفق أو كاد يسلم به البعض بشأن النهضة العربية وبدايتها والتي ارتبطت بحملة بونابرت على مصر سنة 1798م ليقرر أن النهضة العربية أسبق زمنياً من حملة بونابرت وأعمق جذوراً إذ هي من داخل الإسلام وفضاءاته بعد ذلك رصد الباحث بدايات الصحافة الكويتية خارج الكويت بمرحلتيها الأولى: (1928 - 1933) مع الشيخ عبدالعزيز الرشيد. والمرحلة الثانية:(1946 - 1954) مع بعثة الشباب الكويتي المبتعث إلى القاهرة لمواصلة التعلم أما الملامح التي تمكن رصدها بحسب النصف الشنوفي وتتمثل في الآتي:أ- أن الصحافة الكويتية بدأت متأخرة زمانياً بظهور مجلة «الكويت» سنة 1928م، أي بعد قرن بالتدقيق من «الوقائع المصرية» وبعد «المبشر الجزائرية» سنة 1847، و«الرائد التونسي» سنة 1860.ب- بداية الصحافة الكويتية كانت شعبية قام بها فرد أو جماعة بينما البداية المصرية والجزائرية والتونسية كانت بداية حكومية: وهذه ميزة تحتاج الوقوف عندها.ج- امتازت الصحافة الكويتية بظهورها قبل المطبعة، على عكس السائد، إن الصحافة تبعت ظهور المطبعة: إضافة إلى غياب التشريعات الصحافية وأستمر هذا الأمر إلى ما بعد ما اصطلح على تسميته بمرحلة الفراغ الصحافي. وظهرت «البعثة» خارج الكويت سنة 1946م واستمرت إلى 1954م وهذه ميزة وخصوصية أخرى توجب التوقف عندها.الصحافة في الكويتية على حد تعبير د. أحمد بدر «ولدت يافعة» وبأقلام كويتية، عكس الصحافة المصرية والتونسية التي اعتمدت على أقلام من «الشوام» مثل أحمد فارس الشدياق الذي رأس «الوقائع المصرية» و«الرائد التونسي» في البداية.هـ- الصحف الكويتية - وإن طبعت خارج الكويت - فقد كان توزيعها في الكويت أساساً، وبترخيص - غير كتابي - من أمير الكويت الشيخ أحمد جابر الصباح (1924 - 1950م) الذي أذن بتوزيع «الكويت» و»البعثة».وواضح مما سبق أن الريادة الصحافية الكويتية سبقت النفط بمعنى أن البذرة والريادة الصحافية عند عبدالعزيز الرشيد.بعد عبدالعزيز الرشيد رائد الصحافة الكويت، وعلى الرغم من وفاته وهو لم يتجاوز الحادية والخمسين من عمره، إلا أن الإرث الذي تركه خلفه يبرز مكانة الرجل وقيمته الفكرية والتاريخية في حياة الكويت الحديث والمعاصر. ومن الصعب الإلمام بحياة رجل كالشيخ عبدالعزيز الرشيد، ولكن ذلك لا يمنع من الإشارة إلى بعض إسهاماته وأهم محطات حياته كعلاقته بالسيد محمود شكري الألوسي (1857 - 1924) صاحب كتاب «بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب». وقد توطدت العلاقة بين الأستاذ الألوس وتلميذه وأوعزه الأول للأخير بأن يؤلف رسالة يرد فيها على أنصار سفور المرأة، وهي قضية الساعة آنذاك، خاضها قاسم أمين ومعروف الرصافي وغيرهما.فألف عبدالعزيز الرشيد باكورة أعماله ونشرها في بغداد سنة 1911م «مطبعة دار السلام» ولم يتجاوز الأربع والعشرين سنة وسماها «تحذير المسلمين من أتباع غير سبيل المؤمنين» وتناول البحث كذلك علاقة الشيخ الرشيد بالشيخ رشيد رضا ورغبته في الانخراط في دار الدعوة والإرشاد التي أسسها رشيد رضا في القاهرة عام 1912م وذكر الباحث رد الرشيد على كتاب السيد محمد بن عقيل الحضرمي «النصائح الكافية لمن يتولى معاوية» وذلك برسالة عنوانها «الصواعق الهاوية على النصائح الكافية» ثم ذكر كذلك انخراط الرشيد في الحركة الإصلاحية من الكويت، وتولي الشيخ الرشيد إدارة (المدرسة المباركية) سنة 1917م بعد عمر عاصم والشيخ يوسف القناعي وإدخاله المواد العلمية واللغة الإنجليزية في مواد التدريس والمعارضة التي واجهها من المحافظين ورده عليهم برسالة سماها «الدلائل البينات في حكم تعلم اللغات» وكذلك رسالته التي حشد فيها كثيراً من البراهين على ما تعتقده العامة مخالفاً للدين مثل كروية الأرض وحركتها سنة 1919م هذا ناهيك عن التمثيلية التي كتبها سنة 1912م وهي الأولى من نوعها في الكويت، وكانت بعنوان «محاورة إصلاحية» وقد مثلت عام 1924م من قبل طلبة الأحمدي.وإضافة إلى ذلك ذكر الباحث اشتغال الرشيد في تدوين تاريخ الكويت وكان سنة 1925م سنة تدوين أول تاريخ للكويت بدأ الشيخ عبدالعزيز في جمع المادة لكتابيه عن طريق الاستماع إلى الرواة الثقات في الكويت ... ألخ.