الأعمال الأدبية والفنية للشاعر الأديب الراحل.. الدكتور محمد عبده غانم
د. زينب حزامالدكتور محمد عبده غانم واحد من رواد الحركة الشعرية اليمنية ومجدديها، ولم يقم بذلك على المستوى النظري ولكنه قام بتأسيس العديد من الجمعيات والمنتديات لتطوير الحركة الأدبية والفكرية في اليمن.تحتاج المجتمعات البشرية إلى رواد يقومون بالتجديد والتطوير وحفظ ملامح الثقافة والحضارة من أجل تطوير المجتمع وتقدمه.وتشدد حاجة المجتمع في لحظات التحول التي يخشى فيها على خصوصيته وهويته من مخاطر التآكل والذوبان مع الثقافة الأجنبية.وهنا يأتي دور الرواد في الحفاظ على الهوية الوطنية واستمرار الثقافة الوطنية،ودليل قدراتها على الخلق والإبداع والتطور.ويعد التراكم المعرفي رافداً مهماً يدعم الثقافة والفكر الوطني في مجال الأدب والفنون والنصوص الإبداعية .. وفي هذا السياق العديد من الأعمال الأدبية والإبداعية للأديب الراحل الدكتور محمد عبده غانم في عدد من المجلدات الأدبية،تحوي على الكتابات النثرية والشعرية في الجزئين الأولين بالمؤلفات النثرية الكاملة، التي قدمها ونشرها في الصحف والمجلات المحلية والعربية.[c1]سمات إبداعية [/c]يجد القارئ للأعمال الشعرية للراحل الدكتور محمد عبده غانم سمة البساطة التي تتجلى في ابتعاد عن المعاني المبهمة والغامضة، وميله إلى الهدوء في طرح الأفكار، أيضاً فإن إنتاجه النثري خاصة يؤكد تمتع رؤيته بنفاذ بصيرة ويكشف عن وعي خاص وخبرة واسعة بالنفس الإنسانية.تلك الخبرة التي تتجاوز بشعره أفق الزمان والمكان المحددين لتصبح من قضايا المجتمع الذي يعيشه ويعاني همومه من قضايا الجهل والمرض والاستبداد من حكم الإمامة في شمال الوطن والاستعمار البريطاني في عدن ... ويجد القارئ للأعمال الشعرية للأديب الكبير الراحل الدكتور محمد عبده غانم، أنه قد نظر مبكراً إلى الإبداع بصفة نتاج فكري للشعوب وبناء حضارة الأمة، ورأى العقل البشري آلة قد يصبها الوهن اذا أهمل الإنسان العلم والقراءة والاطلاع الثقافي وربط بين الفكر والإبداع وحيوية الوهن وصفاء الروح.وهناك العديد من الأعمال الشعرية التي أطلعت عليها للشاعر الراحل ومنها ما نشر في الصحف المحلية والتي تبني دفاعه عن التجديد والتطور، وتؤكد رؤية الشاعر الراحل تميزه بالحكمة والرؤية الموضوعية التي لاتنفي التراث بقدر ما ترى التجديد مشروطاً بفهم الماضي والوعي بموضوعية ما يمثله التراث من حلقات حضارية إبداعية إنسانية .. وهذه القصيدة التي أنقلها من مؤلفاته سيجد القارئ القيمة الأدبية والإنسانية لهذه القصيدة الرائعة:[c1].. لم أبكها..[/c]شعر .د. محمد عبده غانملم أبكها وهي التي كنت أدعوها بماماوهي التي حلت محل الأم قربا والتحاما لما هوت كف السلال فأوردت «أمي» الحماماوأنا الذي كنت الرضيع شكت رضاعته الفطامالم أبكها وهي التي ملأت حياتي في الطفولةبحديثها العذب الحنون با لأقاصيص الجميلةوبقلبها المفتوح يفهم ما أحاول أن أقولهوببسمة كالفجر كانت في سواها مستحيلة لم أبكها وهي التي قاست الأجلي كل محنة لما استبد بها العوائل في الملام وعتبهنه وبأنها قد أسرفت حباً وأطلعت الأعنة لحنانها والعطف يجلب كل مفسدة وفتنةلم أبكها وهي التي كم أحرقت في الدموعاولكم جفت أجفانها_ ضنا بأجفاني_ الهجوعاوتحملت عن كاهلي عبثاً أحاط به ذريعاًفمشت تنوء به وسرت مجنحاً أعدو سريعاً لم أبكها، لا خلقة منى ونقضاً للعهودكلا ولا حل «السو» محل إخلاصي العنيدفأناالذي لايعرف السلوان في القلب العميدمهما تقادم، فالهوى في القلب باق في مزيد لم أبكها جزعاً لأن الموت للعانين رحمةيجدون فيه الخلاص إذا دهاهم ألف نعمةمن كابد الاستقامة أدرك كيف يشفى الموت سقمهمن جاوز السبعين لم تكشف له التسعون غمهلم أبكها جزعاً لأن بقاءها أضحى عذابا ماذا تريد الحياة إذا جلت مراً وصاياوعدت عليها العاديات فأطلقت فيها للخرابا وتحولت جناتها ورياضها فقراً يباباً لم أبكها دمعاً لكيلا أملأ الدنيا عويلافالقلب فيه من المدامع ما ينوء بها سيولالو شاء أغرقت الجبال بفيضها بل السهولاوطغت فلم تبق الديول كما تلوح لنا أصولالم أبكها دمعاً فجئت اليوم أندبها بشعريفالشعر أبقى من دموع العين في الخدين تجري فلتبق(ماما) في النشيد مناحة تسري وتسريحتى برى الأنباء كيف الحزن بالألحان يغرى[c1]صنعاء يونيو 1979م[/c]لقد تميز الأديب الراحل الدكتور محمد عبده غانم بطموح إلى العرفان وكشف خبايا النفس أعانه على ذلك ما التمسه في وصف «شكسبير» من خبايا الحياة والنفس البشرية وما طالع في القصص العالمية لكبار الأدباء والمفكرين والقصاصين، فضلاً عن دراسته للفنون اليمنية التي جعلته يعد الفنون جزءاً هاماً من الثقافة اليمنية.. غير أن الأديب الراحل الذي استطاع يجمع إلى الثقافة العربية الأصيلة قراءة واسعة واعية بالأدب الإنجليزي،وقد تأثر على النحو واسع بعلم النفس وبخاصة نظرية يونج في«العقل الجمعي» وقاده هذا إلى استخدام الوعي بمهارة فائقة، ويتجلى ذلك واضحاً في قصيدته التي قدمناها للقراء الصفحة الثقافية الأدبية والنقدية للأدباء والكتاب اليمنيين.لقد أستطاع الأديب والمفكر اليمني الراحل الدكتور محمد عبده غانم أن يستخدم الموال حتى في كتابة الشعر الفصيح، كما استخدام الشعر في تصوير الحياة في مدينة عدن ومدينة صنعاء، ورصد حياة العمال على المستوى الإنساني وعكست أعماله الأدبية التعبيرية الواقع الاجتماعي والسياسي وغموضه وتناقضه خاصة في فترة الإطاحة بحكم الإمامة والاستقلال الوطني في جنوب اليمن ليبدأ تاريخاً من التحولات النوعية في الشكل، وعلاقات عناصره، وكيفية النظر إلى العالم، وكيفية إعادة تشكيله عبر سرده وحكاية أخباره، وعلى الرغم من أن الإرهاصات الأولى لتغيير كيفية النظر إلى العالم كانت كامنة في الحقبة الزمنية السابقة على هذا التاريخ الذي حورته حركة التحرر الوطنية بدءاً لقيام مرحلة جديدة في تاريخ الشعب اليمني بعد قيام ثورتي 26 سبتمبر و14أكتوبر .