منبر التراث
كان يا ما كان في قديم الأزمان في عدن المحروسة المطلة على البحر العربي , حاكم يسمى الأمير عين الزمان ، كان شابًا يافعًا ، ممتلئ بالحيوية والنشاط ، و في عهده شهد البلاد والعباد العدل , والأمن , والأمان ، والازدهار . كان فارسًا شجاعًا لا يشق له غبار في القتال والنزال , تربى وترعرع في بيت كريم وهو بيت خاله الناصر صلاح الدين بن أيوب حاكم مصر وبلاد الشام ومؤسس الدولة الأيوبية ومحرر الأرض المقدس من الفرنج الصليبيين ، ولقد عطف عليه السلطان صلاح الدين وجعله واحدًا من أبنائه بعد أن فقد والده الذي استشهد في ساحة الوغى ضد الفرنج الصليبيين في بيت المقدس . وتشربت روح الفتى الصغير عين الزمان بخصال خاله الحميدة وهى الفروسية التي تعني الشهامة ، والكرامة ، والجرأة على مقارع الخطوب والمحن . وأهم الدروس الذي استقها من خاله صلاح الدين الأيوبي هو العدل الذي هو أساس المُلك . وفهم وحفظ ذلك الدرس جيدًا , وغُرست تلك القيم والخصال القيمة والمبادئ المُثلى في نفس الغلام عين الزمان , وكلما كبر الغلام ، كلما كبرت تلك المعاني السامية في ثنايا نفسه . وكان عين الزمان ولعًا وشغوفً في قراءة كتب التاريخ ، فخلص من قراءته أنّ الحاكم العادل يبقى دائما وأبدًا في وجدان ونفوس الناس مهما تعاقبت الأيام والشهور والسنين. [c1]مع الحملة الأيوبية [/c]وعندما شب عين الزمان عن الطوق , وصار شابًا يانعًا يافعًا ، وفارسًا مغوارًا ، رافق خاله السلطان توران شاه الأخ الأكبر للسلطان صلاح الدين الأيوبي في حملة عسكرية إلى اليمن سنة 569 هـ / 1173م لتأمين سواحل البحر الأحمر وخصوصا بلاد الحجاز من هجمات الفرنج الصليبيين الذين كانوا يفكرون بالزحف على مكة المكرمة ، والمدينة المنورة . وأعادت اليمن إلى حظيرة الخلافة العباسية السًنية بعد أن سيطرت عليها الدولة الفاطمية الشيعية في مصر فترة من الزمان من خلال الصليحيين الذين كانوا على مذهب واحد معها . وزيادة إيرادات الخزانة المصرية لمواجهة نفقات الحروب الصليبية الضخمة وذلك بالسيطرة على عدن ثغر اليمن المشهور بحركة التجارة التي يموج بها حيث كانت تأتيها السفن من كل مكان من الهند ، والسند , والصين , ومن مصر ، وشرق أفريقيا . كانت عدن ملتقى التجارة العالمية حينئذ . وكانت من أغراض الحملة الأيوبية على اليمن هو نشر الاستقرار في ربوعه أن بعد أن اشتعلت الفتن فيه في كل مكان من مدنه وكذلك القضاء على البقية الباقية من نفوذ الفاطميين في اليمن. [c1]في زبيد[/c]وتروي الروايات الشعبية أنّ الأمير عين الزمان ، أبلى بلاءًا حسنًا في القتال في تلك الحملة وطبقت شهرته الأفاق في اليمن بأنه فارسًا صنديدًا يهزم أشجع الشجعان . وكان يقود الجند من نصر إلى نصر بسبب شجاعته , ومهارته في إدارة فنون الحرب . وعندما أقتحم مدينة زبيد وسقطت بيده ، أصدر أوامره الحازمة إلى جنده بعدم النهب والسلب وترويع الأهالي ومكث فترة من الزمن في المدينة يرتب أمورها ، ويعيد لها الأمن والأمان . وبدأت الحياة فيها تعود إلى طبيعتها وآمن الناس على حياتهم وأموالهم . وهذا ما لفت إليه الملك توران شاه وأثنى عليها ثناءًا كبيرًا . [c1]في عدن[/c]وقاد الأمير الشاب عين الزمان جنوده إلى مدينة عدن دُرة المدن اليمنية , ومثلما أصدر أوامره الحازمة والقوية إلى جنوده في مدينة زبيد ، أصدر تعليماته إلى جنده بعدم المساس بأموال وممتلكات وأعراض أهل عدن , فكان يقول لجنده أنهم جاءوا إلى المدينة لنشر السلام والأمان والطمأنينة في المدينة . ، أتخذ الأمير عين الزمان دار المنظر في حقات بالقرب من جبل صيرة مقرًا لحكمه . وكان عين الزمان حريصًا كل الحرص أن ينشر رداء العدل على العباد والبلاد . وكان يمشي بنفسه في شوارع ، وأحياء عدن القديمة ، يتفقد أحوال الرعية وعندما يمد الليل ستاره على المدينة ، يخرج من دار المنظر مقر حكمه إلى جبل صيرة دون أن يعلم به أحد , يتأمل النجوم وهى تطرز قبة السماء ، وأمواج البحر وهى تداعب شاطئ صيرة ، ونسيم البحر يداعب جوارحه . [c1]وداعًا عين الزمان[/c]وتعاقب الليل والنهار ، ومضت الأيام ، والشهور ، والسنون والأمير عين الزمان ساهر على خدمة الرعية باذلاً كل جهده بأن يسود العدل بين الناس , لأن العدل أساس المُلك كما علمه خاله القائد العظيم محرر بيت المقدس من مخالب الفرنج الصليبيين صلاح الدين الأيوبي . وازدهر ميناء في عدن ازدهارًا كبيرًا ، وزادت إيراداته بشكل كبير. وفي يوم من الأيام ، زلزلت عدن زلزالاً عنيفًا , وخيم الليل الحالك عليها , ولبست المدينة رداء الحداد الأسود . فقد مات الأمير عين الزمان الذي أحبه أهل عدن حبًا كبيرًا لعدله ورحمته بهم , وورعه وزهده ، حقيقة كان أميرًا ولكنه كان متواضعًا في لبسه ، وأكله ، وشربه . كان زاهدًا ورعًا بكل معنى لهذه الكلمة . ويقول صاحب سيرة ألأمير عين الزمان أن هناك عدة روايات منها أنه دفن في سفح جبل صيرة بالقرب من البحر , ورواية أخرى تقول أنّ قبره في حي أبان حيث توجد فيه الكثير من أضرحة شيوخ الصوفية . ورواية تشير أنه دُفن في سفح جبل الخساف بالقرب من العقبة .