القاهرة / 14أكتوبر / رويترز:يؤمن الشاعر السوري نوري الجراح بأن الشعر بصمة تخص كاتبه واذا تشابه الشعر مع نظير أو أحال الى مرجع له ففي هذه الاحالة مقتل للشعر الجديد بل يذهب الى أن القصيدة الحقيقية وان حملت بعضا من روح كاتبها لا تشبه أي قصيدة أخرى له.ويقول في مقدمة أعماله الشعرية ان الشاعر يولد مع كل قصيدة «وفي كل مولد له روح جديد يهدده الموت. والقصيدة التي لا تختلف عن غيرها من قصائد الشاعر تنذر بموت روح من أرواحه».ولعل الجراح كان واعيا بأن هذه المقدمة الاقرب الى البيان ستكون مقياسا أو دعوة لمزيد من الصرامة في تعامل القارئ مع قصائده ومحاسبته في ضوء ما يرى أنه شعر حقيقي. ولهذا مالت القصائد الى التقشف لتصير هي ما هي بعيدا عن الاسترسال المجاني أو التأمل الفكري البارد أو الحياد الفاتر أو السير في طرق مهدها آخرون.تؤرخ هذه الاعمال لمراحل الشاعر منذ قصائده الاولى عام 1978 الى الان حيث تبدلت أمور وتغيرت ثوابت وصارت بعض البلاد أشبه بحلم أو كابوس وهو يرصد كل هذا بايجاز قائلا «حقيبتي صغيرة وسؤالي كبير» ويكتب في السطر الاخير من قصيدة (طلول أمجد ناصر) التي كتبها عام 1985 «حصاني أسود وخيمتي سوداء والموت حارسي».كما يقول في مقطع من قصيدة (حلم يقظة صيفي).. «كان حزيران ماهرا يسبح ( وقتما رجع صوت صرخة البحر. نزلنا ) ومشينا في جوار الماء ( وصلت الموجة ولحست قدمك ) ومن وراء كتفك ( كان دم الظهيرة يقطر) ويسود ( والشاطئ يتفرج».وصدرت أعمال الجراح في مجلدين من 960 صفحة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. ويهديها «الى سهام واية ورامي وأصدقائي الغرباء. ها هنا صيف هارب من صيف قديم هارب» حيث يقيم الشاعر في لندن منذ سنوات.والجراح في المقدمة يصف الشاعر بأنه متطرف انتحاري «انه كشاف غوامض وغواص في وجود يظل مجهولا وعصيا على الكشف. وهو في غوصه يندفع في مغامرة تأخذ شطر الخطر وتهدد باللاعودة. ولا يتحقق الشاعر الا في تلك الاندفاعات الشعورية المتطرفة.. الشاعر ارهابي لما في علاقته باللغة والاشياء من تطرف وتمرد على رغم ما في مسلكه من علامات لطف» مضيفا أن الشعراء الحقيقيين هم الذين كتبوا قصائدهم وهجست أرواحهم بالموت وراودتهم فكرة الانتحار مع كل قصيدة أو كلمة.والمقدمة هي جزء من نص محاضرة حول الشعر ألقيت عام 1991 وفيها يقول ان « كل شعر يذكرنا بنظير أو يحيلنا على مرجع له انما يعتروه خلل فادح فيه مقتله» مضيفا أن القصيدة تمثل للشاعر هبة أو جائزة يفوز بها منتصرا على الموت «والغريب أن الشاعر سرعان ما يعرض عن هذه المكافأة ويبدو كما لو كان يتنكر للنعمة ومانحها اذ يتحول انتباهه عنها ويتهيأ لحدث اخر.»ويقول الجراح في مقاطع من (قصيدة حب).. «في الميلاد. كتفي تصير أقوى ( خذي كتفي لتكون لك يد في المنحدر».. «كنت أنساك ) لانقص ( فأنام».وفي مقطع من قصيدة (مقتل الرسولة) يقول.. «النور يندلق في الوعاء الكبير ( النور يطفح ) ويقطر أسود ( يطفح ويتكسر عن الحافة الهائجة ) يطفح ويتشقق ( هو والحافة».ومن القصائد القصيرة الاقرب الى المقاطع والتي كتبها الشاعر في فترة مبكرة عام 1982 نقرأ تحت عنوان (الحب) ما يشبه التعريف الشفيف لهذا الشعور الغامض «نرسمه على الاوراق ( على صدورنا وعلى المقاعد ) وعلى راحات أيدينا ( وعندما يأتي ) ما الذي يحدث.. آه. نتركه ونمضي».