منذ أيام منح آل جور جائزة نوبل للسلام مناصفة مع مجموعة المناخ التابعة للأمم المتحدة والحقيقة أن آل جور نائب الرئيس الأمريكي السابق قد حصل على تلك الجائزة بجدارة في رأيي، لجهوده الكبيرة عبر سنوات طويلة في مجال حماية البيئة. ولو كانت هناك جائزة نوبل للبيئة لكان حصل عليها بدلا من جائزة نوبل للسلام.وكان آل جور قد حصل على جائزة الأوسكار لفيلم وثائقي عنوانه " حقيقة غير مريحة" كان آل جور قد قدمه بنفسه.وآل جور محاضر بارع حقاً وقد حضرت له بنفسي محاضرة عن التطور التكنولوجي عام 2002 في كويبك بكندا وكانت محاضرة تجمع بين العمق والإمتاع إذ كانت مطعمة بالفكاهة والنكات الذكية التي تناولت ضمن ماتناولته عملية فرز الأصوات في فلوريدا في الانتخابات الرئاسية التي حصل فيها على أصوات أكثر من بوش ولكنه خسر الانتخابات بقرار من المحكمة في فلوريدا.فيلم " حقيقة غير مريحة " فيلم وثائقي بالغ الأهمية وبطل الفيلم هو آل جور نفسه الذي يحاضر من أول الفيلم إلى آخره عن موضوع الاحتباس الحراري بأسلوب علمي بارع الإعداد والتقدم وبالغ التشويق.أقول ذلك لأنني وضعت قرص الفيلم في الجهاز في ساعة متأخرة من الليل لأرى قليلاً من الفيلم فيلم استطع ان أوقف الجهاز حتى انتهى الفيلم بعد 96 دقيقة وكان ابني المهندس وضاح ويحمل شهادات عليا في البيئة قد أعارني الفيلم لمعرفته باهتمامي بقضايا البيئة اذ كنت الشخص الذي انشأ دائرة للبيئة في المنطقة الحرة المعروفة بجبل علي عندما كنت مديراً للدائرة الهندسية هناك.ولكن الفيلم قد بهر ملايين المشاهدين حتى ولو لم يكونوا من رجال البيئة او المتحمسين لها منذ أطلاقه من قبل شركة باراماونت في نوفمبر الماضي عام 2006 وقد وزع بترجمات مطبوعة بالاسبانية والفرنسية وكتب عنه بالانكليزية وحدها نحو 900 نقد وعرض كانت في أغلبيتها الساحقة تشيد بالفيلم وقال عنه المعلق الشهير لاري كنج " واحد من أهم الأفلام على الإطلاق" وقال الناقد السينمائي روجر إبرت " خلال 39 سنة لم اقل هذه الكلمات قط في عرض لفيلم ولكني وأقولها هنا : ان من حقك على نفسك ان تشاهد هذا الفيلم ". وقال ناقد آخر: لو لم يسمح لك بمشاهدة سوى فيلم واحد خلال السنة فليكن هذا الفيلم.وقصة الفيلم ان لوري ديفد وهي إحدى كبار المتحمسين للبيئة في هوليود قد حضرت محاضرة لآل جور عن الاحتباس الحراري سنتين قبل الفيلم وذهلت لحماسة ال جور للموضوع وبراعته في العرض فارتأت إنتاج الفيلم الذي عهد إلى المخرج ديفيس جوجنهايم باخراجه. وكان آل جور قد قدم محاضرته عن الاحتباس الحراري أكثر من إلف مرة منذ 1989 حسب قوله في مدن كثيرة في أمريكا وأوربا وايضاً في الصين واليابان ولكن كي تصل رسالته إلى الملايين كان لابد من تحويلها إلى فيلم.يبدأ آل جور بشرح مبسط للاحتباس الحراري وفائدة الاحتباس إذا كان في الحدود الطبيعية التي تعود عليها البشر خلال القرون الماضية لأنه يهيئ الحرارة المناسبة للحياة البشرية ثم يشرح كيف ان حرق مواد الطاقة في السيارات والمصانع وخصوصا المواد الفحمية والنفطية تطلق غاز ثاني أكسيد الكاربون فتزداد سماكة هذه المادة في الغلاف الجوي للكرة الأرضية ومما يزيد تفاقم الوضع هو قطع الغابات التي كانت تمتص ثاني اكسيد الكاربون والنتيجة ازدياد الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض بما يؤدي ذلك إليه من ذوبان الثلوج في أعالي الجبال الشاهقة والقطب الشمالي وجرينلاند والقطب الجنوبي ايضاً وما يؤدي إليه كل ذلك من إخطار هائلة تحدق بالكرة الأرضية والبشرية. ومن ذلك.-إذا استمر الوضع في الاتجاه الذي عليه- أن يرتفع منسوب المياه في المحيطات بأكثر من 20 قدما مما سيؤدي إلى غرق أطراف القارات ( كأجزاء من كاليفورنيا ومدينة كالكاتا وكثير من الجزر) وسترتفع الإصابات بالمالاريا إلى مستوى 7000 قدم فوق سطح البحر بسبب تغير الجو وستنقرض مئات من الأنواع في عالم النبات والحيوان وسيزيد عدد الموتى من موجات الحر خلال 25 سنة إلى 300.000 شخص سنوياً . كما تحدث عن العواصف والفيضانات والقحط وبين كيف ان العواصف من درجة 5.4 قد تضاعفت خلال الثلاثين عاماً الماضية وإنها ستزداد كثيراً بحيث ان عاصفة فيضانية مثل "كاثرينا" ستبدو بسيطة بالنسبة لما سوف يأتي . وبين ان كل هذا سيحدث وفي نفس الوقت سيزداد القحط وحرائق الغابات وبين أسباب ذلك التناقض الظاهري.وكان آل جور في السنوات الأولى يقدم محاضراته مستعملا وسائل الإيضاح البسيطة ثم أصبح يستعمل أساليب أكثر تطوراً واستخدم " الباوربونيت" بأجهزة الكومبيوتر وفي هذا الفيلم طعم العرض بوسائل الإبهار فعندما أراد ان يشرح كيف ان الحرارة ترتفع بشكل مخيف في الخط البياني في المستقبل استعمل رافعه لترفعه أمام المشاهدين ليصل إلى أعلى الحظ البياني . وفي الفيلم يعود إلى العصور الجليدية القديمة قبل 650 ألف سنة قد استخدم آل جور الإحصائيات والخرائط والقوائم والرسوم الإيضاحية والخطوط البيانية والصور وأفلام الكارتون ولكنه ايضاً دخل جوانب إنسانية من حياته مثل وفاة شقيقته الاكبر منه في مطلع شبابها بالسرطان مما أدى إلى ان يتوقف والده عن زراعة التبغ في مزارعه كما ادخل قصة طفلة ذي الأعوام الستة الذي كاد ان يقضي في اثر حادث سيارة ويتضح ان آل جور كان من المثاليين المتحمسين لقضايا البيئة منذ شبابه في الجامعة وينظر الى القضية من منظورين : علمي وأخلاقي. كما يطعم آل جور محاضرته الطويلة بالفكاهة واللمحات الذكية الموحية ضد الشركات التي تهتم بالأرباح ولو على حساب البيئة ومستقبل البشرية ويفعل كل ذاك بمقدرة المحامي الذي لايترك لتلك الشركات مجالا لترفع ضده أية قضايا فهو في الأصل محام معروف وهناك لمحات قليلة من الغمز على بوش ولكن آل جور تجنب قدر الإمكان السياسة حتى لايضر برسالته الأساسية ولكي يكسب كل الأمريكان وغير الأمريكان.وفي النهاية- بعد ان يطلق صفارة الإنذار طويلاً وبقوة- يقول انه مازال أمامنا فرصة أخيرة لعكس اتجاه الاحتباس الحراري إذا تصرفنا بسرعة خلال السنوات القليلة المقبلة وإلا فان القطب الشمالي سيذوب بأكمله قبل عام 2050.ويضع آل جور اللوم الرئيسي في ارتفاع الاحتباس الحراري بين الدول على الولايات المتحدة وسياساتها قصيرة النظر التي تعمل لمصلحة شركات البترول وغيرها ضد مصالح البيئة للكرة الأرضية. ويقول ان الحل يحتاج إلى إرادة سياسية وحملته هذه لتوعية الشعب ليضغط في ذلك الاتجاه.ولعل حصول آل جور على جائزة نوبل للسلام بعد حصوله على الأوسكار سيعيده الى سباق الترشح للرئاسة بعد ان كان قد خرج منه ولعله إذا نجح أن يكون رئيساً أمريكيا يدافع عن البيئة على عكس جورج بوش الابن وجورج بوش الأب.
أخبار متعلقة