- قرأت مرة أن اليمنيين القدامى كونوا جماعتهم على أساس أنهم “شعبن” باللغة القديمة أي “ الشعب” بلغتنا اليوم ، وأنهم كانوا ينقسمون إلى فئات حسب الوظيفة الإنتاجية وداخل الشعب نفسه ، ولم ينقسموا على أساس النسب أو أي عوامل تمييز عنصري أو ديني .وبموجب التقسيم الوظيفي أو الإنتاجي داخل الجماعة الواحدة أو “ شعبن “ كانت كل فئة تؤدي وظيفتها بعناية لصالح المجموعة كلها أكانت وظيفة الفئة الحكم أو بناء السدود أوالفلاحة أو الحرب أو الثقافة والفن أو العمارة .. ولعل هذا يفسر سبب كون اليمنيين القدامى أقاموا دولاً قوية ومجتمعات حضارية وخلفوا لنا بعض المعالم المبهرة التي نتباهى بها ولم نتمكن خلال ألف سنة من الإتيان بمثل واحدة منها منذ أن تحولنا إلى قبائل!- إن القبيلة لا تزال إلى اليوم عائقاً كبيراً أمام بناء الدولة المدنية أو دولة المؤسسات أو دولة القانون أو الدولة الوطنية، وصار أمر تقوية المشايخ وإنباتهم يومياً يبعدنا مسافة كبيرة عن دولة القانون وسيادة القانون، والمعروف أن تقوية النزعات القبلية يضعف المواطنة والانتماء للوطن ، كما أن تقوية نفوذ المشايخ يضعف الدولة ويبقي مؤسساتها مجرد هياكل لا تبرز فعالياتها إلا في بعض المناطق التي ضعفت فيها النزعة القبلية ونفوذ المشايخ .. و للأسف أن هذه المناطق يجري فيها عمل منظم ومقصود لإحياء التعصب القبلي فيها وإنبات مشايخ ليحلوا محل الشرطة والمحكمة والمؤسسات الأخرى فيها حتى مدينة عدن خلقوا لها مشايخ وشيخ مشايخ.!- يقال إن الرئيس عبدالله السلال عندما وصله خبر اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالنظام الجمهوري وكان جالساً في مقيل فيه مشايخ خولان قال : الحمد لله .. باقي خولان .. فقد كان يدرك خطورة المشايخ والتعصب القبلي على نظام الدولة الجديدة وعندما حاول إضعاف هذه القوى لمصلحة بناء الدولة الوطنية تكالبت عليه المؤامرات من كل جانب وتمكنت هذه القوى من الإطاحة به في النهاية وكررت التجربة مع الرئيس الحمدي ، وفي الجنوب نجح النظام اليساري في إقامة دولة قانون فقط عندما هزم القبيلة واستبعد القوى المشيخية المتخلفة ، ولم ينكسر الحزب الاشتراكي إلا عندما أعادت أجنحته المتصارعة ارتباطاتها بالقبلية .إن ما يدعو إلى الاستغراب والاستفزاز اليوم هو هذا النزوع الحاد لإنبات مشايخ جدد خاصة في المناطق التي تظهر فيها حالات عدم استقرار، وهو نزوع خطير يتم على حساب مؤسسات الدولة والخزانة العامة وسيادة القانون ، وهو علاج آني وغير مجد، ويمكن الاستغناء عنه عن طريق ترك المؤسسات تعمل وهي ستعمل بتكاليف أقل وأفضل بالنسبة للمستقبل.
خطورة المشايخ على دولة القانون
أخبار متعلقة