الناقدة والكاتبة الفلسطينية د. مي نايف :
د / مي نايفتعتبر الناقدة والكاتبة الفلسطينية د. مي نايف، من أحد الأعلام النسوية العاملة في حقل النقد والكتابة والأنشطة النسوية، في فلسطين، وهي حاصلة على درجة الدكتوراه في النقد الأدبي عن أطروحتها: "شعر المرأة الفلسطينية من عام 1967 و حتى نهاية القرن العشرين: بحث في نماذج مختارة"؛ فضلاً عن مساهماتها الرائدة في العمل المجتمعي النسوي. وقد كان لها الفضل والرياسة في تأسيس "صالون نون الأدبي". من الكتب والأعمال المنشورة لها: الخطيئة والتكفير والخلاص وهي دراسة نصانية حول الخطاب الشعري عند الشاعر الفلسطيني: محمد حسيب القاضي. وتكتب في الصحف والمجلات الفلسطينية الدراسة والمقالة النقدية والثقافية. تعمل حالياً مديراً للإعلام في المجلس الوطني الفلسطيني. ..حول علاقتها بالمكان تقول :الحقيقة لم أشعر بقيمة المكان إلا بعودتي إلى وطني، عند العودة شعرت بقيمة ما كان والدي يغرسه فينا ونحن في الخارج، وصحيح ما يقال من أن الليل لا يعرف إلا برؤية النهار. كان والدي رحمه الله دائما يقول لنا إننا من قرية " قالونيا " قضاء القدس ويحكي لنا عنها، ولما كنت أنا ومنذ كان عمري تسعة شهور أقيم في الخارج ولم أر الوطن ولا أقربائي وأهلي، كنت أعتز بإصراره على التحدث عن " قالونيا " والأرض، فكان دائما يقول لنا إن "قالونيا" تشتهر بزراعة المشمش واللوز والكثير من أنواع الفواكه التي تجعل لقالونيا رائحة طيبة. عندما عدت للوطن شعرت بقيمة ما كان يزرعه والدي فينا، ووجدت نفسي دائماً أتحدث عن جمال رائحة " قالونيا "، وبت أشعر بأنني أشتمها، إذ بدوت قريبة منها عبر إقامتي في غزة، وقد أهديت رسالة الماجستير و كتبي الأخرى إليها، وأثناء مناقشة الدكتوراة في مصر أعلن بفخر أمام الحضور أنني بمناقشة الرسالة أكون أول امرأة في قريتي قالونيا تحصل على الدكتوراة. أما بالنسبة للكتابة فالكتابة تساعدك على الانفتاح على العالم الكبير من حولك، وتوصيل ما تريد وما تعاني منه إلى الآخرين الذين يقرأون. لقد اختلف مفهوم القراءة، فلم تعد القراءة للتلقي فقط، بل للمشاركة والكتابة، وباتت الكتابة عمل يومي مُهم لكلّ القراء. لذلك باتت الكتابة جزءاً لا يتجزأ مني مطلقاً. أحاول من خلالها أن أساعد في ما ينفع القراء.وعن تجربتها مع صالون نون أكدت أن " صالون نون " استطاع ، ولله الحمد، أن يحدث تغيّراً ثقافياً وحضارياً في المشهد الثقافي ؛ فعن طريقه استطعنا التعريف بالكاتبات الفلسطينيات والعربيات والغربيات. ولقد كان هذا الجانب غائباً عن الثقافة المحلية. كنت أعتقد أن الكاتبات الغربيات مغيبات لأن التعريف بهن يكاد يكون معدوما في مجتمع أولوياته وهمومه الثقافية كبيرة، ولكني للأسف وجدت كذلك غياباً للكاتبات الفلسطينيات اللاتي أحدثن أثراً في الثقافة الفلسطينية والعربية. وقد سعينا لإزالة الفجوة بين الناس والكاتبة، وإحداث نوع من التقارب والحب. ونحن نريد كذلك أن يتعرف الجمهور على الكثير من الوجوه النسائية النيرة، والتي تدفع بهذا المجتمع نحو التقدم. حاولنا تقليل الفجوة بين المجتمع والأكاديميين، وما زلنا نحاول في السنة الخامسة للصالون، بالرغم من أننا لسنا جمعية أهلية، فما نحن إلا صوتين أنا والأستاذة فتحية صرصور، آمنا بمشروعنا الثقافي وعملنا من أجله. ولقد تفضل محافظ غزة بطبع محاضرات الأنشطة السابقة، فصدرت في كتاب، أما نحن، فعلى الرغم من الحضور والسمعة والهمة الثقافية العالية، فلم نطبع لأحد من الشاعرات، لأننا لسنا جمعية، ولا نتكسب من مشروعنا، ولكننا نساعد الشابات في إعداد أعمالهن ومراجعتها وتوجيههن، قبل أن يأخذنها للطباعة ونكتشف ونشجع المواهب على القراءة ووعي الكتابة والنشر. وعن اهتمامها بالشاعرات، في فلسطين، بحيث وصل حدّ الاختصاص بقراءة نصوصهن قراءة بحثية جادة تؤكد بالقول :كنت قد نشرت نوعاً من الببلوجرافيا في أحد المواقع قبل 4 سنوات، وقد لاقى هذا احتراما وتقديراً من المعنيين. إذ أشرتُ لحركة الشعر النسوية عبر ا لشاعرات الفلسطينيات الحديثات. ولعل المصيبة القديمة بالنسبة لنا تتمثل في أن العالم العربي لا يعرف سوى الشاعرة فدوى طوقان، وهذا ما جعلني ألتفت لهذا الجانب وأدفع باتجاه تقديم هوية شعرية تليق بالكتابات في الداخل. وبعد أن كنت قد وضعت خطة لدراسة التراث في رسالة الدكتوراة وجدتني أتركها جانباً وأضع خطة لدراسة شعر المرأة الفلسطينية من عام 1967 وحتى العام 2000. ولقد وجدت ما يقنع بأن الكتابة النسائية تختلف عن الكتابة الرجالية. وتوصلت إلى اختلافات حتى بين الشاعرات، بسبب اختلاف المكان. فشاعرات غزة مختلفات عن شاعرات الضفة الغربية و أراضي 1948، و الشتات. فاختلاف الظروف الاجتماعية والثقافية والسياسية السائدة من مكان لآخر أثر بشكل أو بآخر على أعمال الشاعرات. أما بالنسبة للملامح السائدة عندهن والفن والأشكال والجسد فلقد كتبت عنها مفصلة في رسالتي المنشورة في موقع ملتقى الشعراء العرب.وقالت عن دور النساء الفلسطينيات :ما قامت به النساء من دور مُشرف في بيت حانون ليس جديداً على المرأة الفلسطينية مطلقاً ؛ فهو نفس الدور الذي كانت تقوم به في الانتفاضة السابقة من الهجوم على المحتل من أجل المساعدة على إفلات الأبناء. ولكن المشكلة ليست في المرأة، بل المشكلة في تأريخ النضالات التي تقوم بها المرأة. فهي آنية ثم بعد ذلك يتم تهميشها وتسطيحها. وفي المراحل النضالية السابقة كان للمرأة أدوار نضالية لم يتم الالتفات إليها، وهناك من الباحثات من يعملن على رصد الذاكرة الفلسطينية من خلال النساء الكبيرات في السن وجدن أدوراً للمرأة في النكبة والنكسة، لا يتم الالتفات إليها. ولكنها تحمل في مضمونها أدواراً عظيمة كان الجدير الاهتمام بها. ولعل في الاهتمام بها ما يساعد على تغيير وجه التاريخ.وتضيف :هناك رأي للناقدة والكاتبة المصرية فريدة النقاش وكان ردّا – في أحد الحوارات - على سؤال يتعلق بالحجاب والنقاب، حيث قالت إن : " الخطورة التي تتمثل في هذه الإشكالية أن النساء أنفسهن يتقبلن هذا الوضع المخزي، ويندفعن للحجاب والنقاب، وهو ما سميته بقهر الذات، وهو نوع من القهر الطوعي للنفس تمارسُه المرأة ضدّ نفسها حين تنظر على نفسها باعتبارها عورة.. " كيف يمكن التوفيق بين هذا الرأي وبين ما تفعله المرآة الآن بنفسها، وهي تعرض نفسها باعتبارها أثمن سلع الفضائيات التي تبث في المجتمعات العربية القيم الاستهلاكية، وثقافة التعري؟ ما الذي يحدث بالضبط؟!،مؤكدة ان النقاب والتعري في مجتمعنا وجهان لعملة واحدة. ولا أعتقد أنهما نقيضان، كلاهما متعلقان بالجسد، ومتعلقان بالمجتمع الذكوري الذي نعيش فيه. وهما مرتبطان بالسلطة السياسية الذكورية المسيطرة ؛ فإذا كانت السلطة المسيطرة تقوم سياستها على استغلال جسد المرأة عارياً ؛ فإنها تتجه نحو العري، وإذا كانت سياستها تقوم على تهميش المرأة وعزلها وتغطية جسدها ؛ فإنها تعمل على تغطيته. الحقيقة كلها مصالح سياسية ذكورية لا اعتبار فيها للمرأة، أو عقلها أو دورها. ولما كانت المرأة ليست هي المتحكمة في الاقتصاد العالمي فهي تبقى تابعة لصاحب المال المتحكم، تتجه نحو ما يرضيه حتى تستطيع تسيير أمورها في الحياة. حتى وإن كانت بذلك تقوم بعملية جلد دائم للذات، فهي تجد نفسها مجبرة على الكثير من ذلك من صاحب السلطة المسيطر، والذي هو رجل غالباً. ويظهرن أنهن راضيات عن ذلك، وإن كنت أعتقد أنهن لسن صادقات في ذلك. وإن الحل لن يكون إلا في تمكين المرأة وتحسين وضعها الاجتماعي والثقافي، ليصبح لها دور اقتصادي واضح حتى تكون صاحبة قرار هنا ستستطيع أن تحافظ على جسدها، بالشكل الذي يليق بها كإنسانة. لن يصبح للمرأة وجسدها احترام حتى ينطبق عليها أنه ( ما بعيب المرأة إلا جيبها).وتواصل : وأنا يعجبني دائماً الاتجاه نحو أن ينطبق هذا المثل على المرأة حتى تبيت هي صاحبة القرار. وأريد أن ألفت النظر إلى أن التعري لم يعد قاصراً على المرأة، فبعد أن أصبحت تعرية المرأة أمراً عادياً ؛ بدأ يتجه الوضع الآن نحو تعرية جسد الرجل، ولقد بدأ هذا الأمر بشكل صارخ في صور الرجال العراقيين في سجن أبو غريب. والتي كان لنشرها من قبل أمريكا، القطب الوحيد المتحكم في العالم، أثر في التوجه نحو تعرية صورة الرجل، لمزيد من التوجه نحو العولمة وتماهي الأجناس، وتماهي الهويات أي امتهان الهوية. كذلك نحن نلاحظ ظهور جسد الرجل عارياً في الإعلام، فنرى مثلا في إحدى الأغنيات المغني وهو يغتسل في البانيو ! ولقد كان شيئاً غريباً بالنسبة للمشاهدين، رغم أنه رجل، ولما تم سؤال المغني عما فعله قال لم يكن ذلك للإثارة، وإنما أردت فعل شيء جديد لم يفعله غيري للفت نظر المشاهد. والحقيقة أنه قد يكون بوعي أو بغير وعي يتجه نحو ما تريده القيم الساقطة من تماه بين الرجل والمرأة. عن تجربتها في الدراسة بالقاهرة تقول :اعتقدت وأنا ذاهبة لعمل الدكتوراة في مصر بأنني سأنفتح على عالم ثقافي وعلْمي بلا حدود، ولكني فوجئت أن الأمر لا يختلف كثيراً عما هو عليه عندنا. لأنه ببساطة كل الذين درست على أيديهم الأدب في فلسطين كانوا درسوا الأدب مثلي على أيدي أساتذة الأدب، ولذلك هم نسخة عنهم، والنسخة غالباً تكون أضعف من الأصل. وشعرت بقيمة ما درسته في الخليج في سنوات دراستي الأولى ؛ مع العلم أن الأساتذة الذين درسوني، في الخليج، في الغالب كانوا من المصريين وكلهم فروع لكبار الأساتذة وجهابذة الدرس الأدبي الذين درسوني. فمع مرور السنوات وتغير التاريخ والجغرافيا والسياسة وغيرها لم يعد لهم وجود على ما يبدو. ما لمسته خلال إقامتي في مصر فترة هو ضعف التعليم. فالطالب ضعيف جداً يعاني من النظام التعليمي الهزيل القائم على الدروس الخصوصية والرشاوى، وما إلى ذلك، وكنت كثيراً ما أتأمل التعليم، وأشعر بالخوف الشديد. إن انهيار التعليم دلالة على انهيارات كثيرة كانت ترعبني. وبالرغم من أنني في مصر بكل حضارتها العظيمة إلا أنني لم أجد صحفاً أو إعلاماً يستطيع أن يقود الشعب نحو التقدم ونحو إنتاج مصر قوية أمام تحديات العالم الثقافية. وقد كانت لي فرصة لحضور مؤتمر كان معظم المحاضرين فيه من المغاربة، الذين أظهروا تميزاً نتيجة الانفتاح على الترجمة والحضارة الأوروبية وسمعتهم. يقولون في الماضي كنا نأتي لمصر ونتحدث، فيقال لنا إنكم تقولون لنا كلامنا، والآن يقولون : إننا قد جئنا لكم اليوم بكلام ليس من جنس كلامكم. مع ذلك، فلقد تابعت مؤتمر الرواية في مصر، والذي كان عظيماً جمع كبار كتاب الرواية النساء والرجال ونقاد الرواية، ولكن لو نظرت للحضور القليل ستتألم مع ذلك، فمن يريد الإفادة ؛ سيجد المفيد.ويستمر حديثها : أما معرض الكتاب الذي انتظرته فلم أجده كما توقعت، وأنا التي اعتدت على حضور معرض الكتاب في الكويت، اعتقدت أن مصر الحضارة سيكون معرضها بعدد سنوات حضارتها، ولم أجد ذلك. وإذا كان من شيء أعجبني في الثقافة المصرية، فلقد أعجبني ما تقوم به السيدة سوزان مبارك، تلك المرأة الرائعة التي أتأمل دائماً في رعايتها الثقافية ومجهوداتها بهذا الشأن ؛ لقد قدمت لمصر ألف كتاب مترجم من أعظم الكتب في العالم، إلى جانب مكتبة الأسرة، والتي وفرت الكتب ذات القيمة البالغة لكل من يرغب في القراءة بأسعار زهيدة جداً. وغيرها من النشاطات الثقافية التي تقوم بها والتي أعتقد أنها ستبقى في حياتها وبعد وفاتها -بعد عمر طويل- تحكي عن دورها في الثقافة والعلم والأخذ بيد المرأة نحو التمكن. حقاً إنها المرأة التي لا بد أن تتطلع النساء وخاصة رؤساء الحكام للاقتداء بها. أما عن نسبة الأمية في مصر فهي تدهش من يعيش في مصر، أنا لا أنكر وجود نخبة على مستوى رائع من العلم والثقافة، ولكن بالنسبة لحجم مصر، وعدد سكانها، تعتبر قليلة تحتاج إلى عناية من قبل المصلحين. ولما كنا نحن في فلسطين نتأثر بشكل بالغ بمصر، فإن المستوى التعليمي والثقافي والاجتماعي يتأثر خاصة، وأن المنفذ الوحيد المفتوح لنا هو المنفذ إلى رفح. ولما وجد الشباب عندنا أن مصر لا تلبي الرغبة التعليمة والثقافية وجدنا الشباب هنا ينفتحون بشكل كبير على الانترنت، ويعملون على الانفتاح على العالم للحاق بركب العالم الذي يسير نحو تقدم يسير بخطى سريعة جدا. وبرأيي، إن محاولة العمل على إزالة الفجوة الرقمية هي الحل الوحيد أمام الشباب الذي يريد أن يتقدم، ويريد أن يتفادى ما نعانيه من حصار فرضته علينا الظروف، نحن جيران مصر.[c1]نقلاً عن موقع (محيط) الأكتروني[/c]